25 06 2016

إذا كان الخبراء والمراقبون الروس قد تعاملوا مع زيارة ولي ولي العهد وزير الدفاع، الأمير محمد بن سلمان، إلى الولايات المتحدة بحذر شديد، وتناولوها انطلاقا من رؤية روسيا لمحيطها الإقليمي ومصالحها المباشرة، فوسائل الإعلام العالمية تعاملت بشكل أكثر مرونة واتساع مع هذه الزيارة التي شملت كافة مجالات التعاون بين المملكة والولايات المتحدة، وفتحت آفاقا واسعة ولا نهائية في تدشين رؤى مستقبلية يمكنها أن تعمل لصالح تحقيق رؤية 2030 التي وضعتها الرياض لإنجاز طفرة واسعة في حياة المملكة.

يكاد يكون هناك إجماع عالمي على أن زيارة ولي ولي العهد إلى الولايات المتحدة تمثل استشرافا للمستقبل، وخطوة غير مسبوقة على طريق المصالح السياسية، وتحقيق أكبر قدر من المصالح المتبادلة بين المملكة والدول الأخرى، وعلى رأسها الولايات المتحدة نظرا للعلاقات التاريخية بين البلدين، ولكن توقيت الزيارة نفسه يعكس رؤية عميقة لمشكلات المنطقة وارتباطها بالتحولات الدولية في مجالات عدة، وأهمها الأمن والاقتصاد والطاقة والمعلومات والتكنولوجيا. وربما تكون هذه المجالات الخمس قد مثَّلت رأس الحربة في هذه الزيارة التي قد تحتاج إلى وقت طويل للبحث في نتائجها.

تمهيد الطريق
إن مسألة الأمن، وفق تقارير كثيرة، تشغل قادة المملكة من أجل تمهيد الطريق وتأمينه لتحقيق رؤية 2030. وبالتالي، لا ينفصل هذا المجال عن التحولات الإقليمية والتهديدات الناجمة عنها. ما استدعى الحديث حول شكل من أشكال الأمن الجماعي لدول الخليج في مواجهة مخاطر وطموحات بعض الأطراف الإقليمية للهيمنة على المنطقة. ووفقا لمسارات العلاقات بين الرياض وواشنطن، فالأخيرة تحديدا تعتبر شريكا عضويا في أي منظومة للأمن المشترك في المنطقة انطلاقا من شراكات عدة في أكثر من مجال. وإذا كانت مجلة "فوربس" الاقتصادية رأت أن أحد أهداف الزيارة هو بحث الآثار المترتبة عن الحرب اليمنية، فإن ذلك يقابله مصطلح "تحقيق الأهداف" من أجل تطبيع الأوضاع والتهدئة والبحث عن سبل للخروج من الأزمات.


ميزان التبادل التجاري
غير أن المهم هنا هو أن ميزان التبادل التجاري بين المملكة والولايات المتحدة قد وصل إلى 45 مليار دولار في عام 2015. ووفقا لنتائج الزيارة في مجالي الاقتصاد والاستثمارات، فمن الممكن مضاعفة هذا المبلغ إلى مرتين خلال عدة سنوات، خاصة وأن ولي ولي العهد فتح قنوات مهمة في التعاون في مجال التكنولوجيا والمعلومات، ودشَّن آفاقا جديدة بين كبريات المؤسسات السعودية ونظيرتها الأمريكية. فشركة "أوبر" الأميركية للنقل أعلنت، مطلع الشهر الجاري، أن صندوق الاستثمارات العامة السعودي استثمر فيها ثلاثة مليارات ونصف المليار دولار، ما أفسح الطريق أمام ولي ولي العهد لجذب المزيد من الاستثمارات، والصفقات الهامة والتي كان آخرها مفاوضات قائمة مع شركة "أبل" لاستثمارها في السوق السعودية بنسبة
40 %.


تحرير الاقتصاد
إن رؤية 2030، وفق مراكز أبحاث دولية، وإجراء عملية تحول اقتصادي في المملكة بهدف تحرير الاقتصاد من الاعتماد على إيرادات النفط، وتحديث البنية التكنولوجية - المعلوماتية، تمثل تحديا صعبا في ظل عمليات الاستقطاب والتحولات الحادة إقليميا ودوليا. ولم تكن مصادفة أن يُلمِّح خبراء بأن رؤية 2030 في حال نجاحها سوف تنقل المملكة نقلة نوعية على عدة أصعدة، وستجعلها قادرة على مواجهة التحديات التي تقف أمام المنطقة عموما، وأمام دول مجلس التعاون الخليجي على وجه الخصوص.
ومن جهة أخرى، شدد البعض على ضرورة إجراء تحولات نوعية داخل المملكة لكي تواكب آفاق رؤية 2030، انطلاقا من أن السكان أنفسهم هم الثروة الرئيسية، والأداة الأساسية القادرة على لعب الدور الحاسم في تحقيق هذه الرؤية.


نقلة تكنولوجية
مثل هذه الصفقات تهدف بالدرجة الأولى إلى نقل الإمكانيات التكنولوجية إلى المملكة، وبث روح ريادة الأعمال فيها، سواء كانت مرتبطة بمجال الدفاع أو متعلقة بمؤسسات وشركات تكنولوجية.

لقد التقى ولي ولي العهد خلال هذه الزيارة بالرئيس باراك أوباما، وبوزير الخارجية جون كيري، ووزير الدفاع آشتون كارتر. كما التقى الوفد المرافق له مع ممثلي شركات "بوينج" و"رايثيون" و"لوكهيد مارتين" لبحث احتمالات توسيع منشآت الإنتاج العسكري داخل المملكة، ومن بينها التعاون مع القطاع الخاص الأميركي في إنشاء شركة "صدارة" للكيماويات لتكون لبنة للتعاون المشترك بين شركة "داو للكيماويات "Dow" وشركة "أرامكو" السعودية برأسمال يبلغ 20 مليار دولار لتكون بذلك أكبر مشروع بتروكيماوي في العالم. هذا "الانتشار" الواسع يعكس أهمية الزيارة، ويضع مقدمات مهمة لتطوير العلاقات بين أكبر اقتصاد في العالم وبين أكبر قوة اقتصادية في المنطقة العربية.

© Al Watan 2016