الكثيرون يترقبون ماذا سيحدث الأسبوع القادم في مصر.

لا ليس تعويم جديد ما نتحدث عنه، علي الرغم أنه قد يحدث أيضا، ولكننا نتكلم هنا عن اجتماع مهم. 

فمن المقرر أن يجتمع البنك المركزي المصري للمرة الثالثة هذا العام في 18 مايو لتحديد أسعار الفائدة الأساسية. 

والبيانات الواردة تشير إلى قدرة المركزي على تثبيت أسعار الفائدة في اجتماع الأسبوع المقبل الا لو تم اتخاذ قرار تحرير سعر الصرف خلال الأيام القليلة القادمة. 

وبخلاف حالة الإجماع على ضرورة تشديد السياسة النقدية خلال معظم الاجتماعات السابقة منذ مارس 2022 إلى مارس 2023، فإن البيانات الواردة مؤخرا تشير إلى أن المركزي أصبح لديه مساحة للإبقاء على أسعار الكوريدور بدون تغيير في الاجتماع القادم قبل أن يقوم برفع أخير محتمل في اجتماع 22 يونيو. 

لماذا؟ 

للأسباب التالية:  

أولا، هناك تباطؤ واضح في معدلات النمو في السيولة المحلية باختلاف أنواعها؛ سواء 1- القاعدة النقدية المصدرة من البنك المركزي (M0) أو 2- السيولة بالجنيه المصري (M2D) والتي تتمثل في معروض البنكنوت المتداول خارج القطاع المصرفي بالإضافة إلى الودائع بالجنيه المصري. 

فقيمة القاعدة النقدية (M0) لم تتغير تقريبا خلال الفترة من نوفمبر 2022 إلى مارس 2023 بعد فترة نمو حاد منذ بداية عام 2022 إلى أكتوبر 2023 بسبب تمويل المركزي المباشر للحكومة. 

وقد توقف هذا النوع من التمويل التضخمي مع إتمام اتفاق صندوق النقد الدولي على مستوى الخبراء في آخر أكتوبر 2022 والذي نص صراحة على وقف تمويل المركزي للحكومة حتى لا تنفلت معدلات التضخم. 

وتشير بيانات المركزي أيضا إلى تباطؤ حاد في معدل نمو المعروض النقدي بالجنيه المصري (M2D) في مارس 2023 إلى 18.3% بعد أن قارب مستوى ال23% في سبتمبر الماضي.

وطبقا للاتفاق مع صندوق النقد الدولي والمنشور على موقع الصندوق في يناير 2023، فقد التزم المركزي بخفض معدل النمو السنوي في الM2D إلي حوالي 14-15% خلال الأربع سنوات القادمة. 

وهذا يوضح أن تشديد السياسة النقدية تدريجيا منذ شهر مارس 2022 قد بدأ يؤتي ثماره حتى قبل رفع المركزي لأسعار الكوريدور بنسبة 2% في اجتماع 30 مارس 2023. 

ثانيا، شهدت أسعار السلع الغذائية الأساسية استقرار ملحوظ خلال الأسابيع القليلة الماضية بعد حالة من الانفلات السعري الغير مسبوق خلال الربع الأول من العام الحالي. 

فأسعار اللحوم البيضاء انخفضت بحوالي 25% مقارنة بأسعارها في مارس الماضي كما انخفض سعر البيض بعض الشيء بعد أشهر من الارتفاع الحاد. 

ويأتي هذا الانخفاض على أثر استقرار سعر الصرف الرسمي بالإضافة إلى استمرار انخفاض أسعار السلع الغذائية عالميا باستثناء أسعار السكر واللحوم الحمراء طبقا لمؤشر أسعار السلع الغذائية الصادر من منظمة الأمم المتحدة للأغذية والزراعة (FAO) في أبريل الماضي. 

هل هذا يعني أن معدلات التضخم ستنخفض بشكل كبير؟ 

لا. 

لأن التباطؤ في معدلات النمو في السيولة والأسعار كما ذكرنا أعلاه لا ينفي وجود ضغوط تضخمية مكبوتة قد تستدعي المركزي إلى إجراء تشديد أخير في السياسة النقدية. 

و قد يتم اتخاذ هذا القرار في 18 مايو الحالي بدلا من التثبيت أو في اجتماع 22 يونيو المقبل طبقا لسرعة اتخاذ بعض القرارات الاقتصادية الصعبة خاصة: 

أ) إغلاق الفجوة بين سعر الصرف الرسمي والغير رسمي خلال الأسابيع القليلة المقبلة عن طريق زيادة مرونة سعر الصرف. فإذا تم اتخاذ قرار تحرير سعر الصرف بالكامل خلال الأيام القليلة القادمة، قد يضطر المركزي إلى استباق القرار برفع أسعار الفائدة الرئيسية في اجتماع 18 مايو المقبل بنسبة لا تقل عن 2%. 

ب) الاستمرار في ترشيد دعم الطاقة عن طريق رفع أسعار السولار والكهرباء على وجه الخصوص وهي إجراءات تضخمية بطبيعتها ولكنها ضرورية - كما هو الحال في النقطة السابقة - للحفاظ على قدرة الدولة على سداد ديونها وخصوصا بعد التخفيضات الأخيرة من قبل وكالات التصنيف الائتماني. 

وبناء على ما سبق، فمن الممكن الجزم أن مصر اصبحت قاب قوسين أو أدنى من نهاية سياسة التشديد النقدي التي بدأته العام الماضي. 

و لكن تحديد توقيت التشديد الأخير - سواء هذا الشهر أو الشهر المقبل - يعتمد على توقيت القرار الأهم الذي ينتظره تقريبا جميع المصريين وهو تحرير جديد لسعر الصرف.

 

(إعداد: هاني جنينة، محلل اقتصادي و محاضر بكلية إدارة الأعمال بالجامعة الأمريكية بالقاهرة) 

( للتواصل zawya.arabic@lseg.com) 

#مقالرأي