12 12 2015

تحليل إخباري .. هل تذكرون عندما توقَّع «غولدمان ساكس» 150 إلى 200 دولار للبرميل؟!

ما المقبل بالنسبة إلى أسعار النفط؟ إذا كان سوق النفط سوقا طبيعيا، فإن الإجابة عن مثل هذا السؤال ستكون بسيطة جدا. سيكون علينا فقط النظر إلى دورة رأس المال، وملاحظة الاسعار في كل مكان ووقت مرتبطة بعملية العرض والطلب. ومن خلال ذلك، تمكننا ملاحظة أنه مع بداية ازدهار دورة السلع الكبيرة في عام 2002 شهد الطلب ارتفاعا سريعا في ما كان العرض محدودا، مما يعني ارتفاعا سريعا في الاسعار والأرباح الخاصة بقطاع السلع الأولية، التي خلقت بدورها «تسونامي» من رؤوس الأموال في القطاع كغيره من القطاعات حتى بعد عام 2008. وتم في حينها استنتاج ان النمو الاقتصادي الصيني يكون بنسبة
10 في المئة سنويا إلى الأبد. وبناء على ذلك توسعت الصين لتلبية الطلب المتوقع حصوله.

هذا الطلب المتوقع لم يحدث، وبدأت الصين في عام 2011 بالتباطؤ، وكذلك دورة الازدهار.

وفي عام 2008، توقع «غولدمان ساكس» بأن اسعار النفط ستصل الى معدل 150 إلى 200 دولار بحلول عام 2010. أما اليوم فهي عند 40 دولاراً، وأقل من ذلك للبرميل. وإن قام اي شخص بالنظر إلى دورة رأس المال في أي صناعة قبل الاستثمار بها كان سيستنتج أن القطاع متخم بالإمدادات في ظل عمليات البيع التي تمت، فسيكتشف أن دورة الازدهار بدأت بالتلاشي تدريجيا قبل تعليقات «غولدمان ساكس» السخيفة بوقت طويل.

ولو كان سوق النفط يسير على منهج قانون السوق، لكنا قد رأينا الآن تأثير تراجع الأسعار وتقلص الربحية في دفعها المعروض إلى التراجع، كما كنا قد رأينا تأثير الأسعار المنخفضة في رفع الطلب، وبالتالي بداية دورة جديدة تعني التوجه نحو الشراء.

غير أن سوق النفط ليس منهجياً على الاطلاق، وعدد كبير من الأشياء التي تعتقد انك تعرفها عن هذا السوق ليست سوى كلام فارغ. حيث تحدث في الفترة الماضية سبنسر دايل، كبير الاقتصاديين في بنك انكلترا
سابقا، ويشغل المنصب ذاته في «بريتش بتروليوم»، عن بعض الأساطير الخاصة بهذا السوق أهمها، أولا: «النفط مصدر منهك، وسيأتي يوم وينتهي»، علما بأن الطلب على النفط سيرتفع دوما.
ثانياً: تستطيع «أوبك» (أو تريد) التحكم في اسعار النفط، وبالتالي ستقلل من إمداداتها للقيام بذلك. وبرأي الأولى اكثر إثارة للاهتمام.

وفي إحدى المرات قيل إن النفط محدود وإننا وصلنا إلى مرحلة الذروة في النفط، وإننا لن نجد المزيد من النفط، وعليه سترتفع الأسعار بنسبة 100 في المئة عن الاسعار في حينها مع الوقت. لكن في الحقيقة يتم اكتشاف احتياطيات جديدة في كل مرة، لدرجة ان الاحتياطيات الحالية تفوق احتياطيات عام 1980 بمعدل المرتين ونصف المرة. وفكرة أن الطلب سيرتفع دائماً باتت تبدو سخيفة، لأن حملات الأنظمة المكافحة والمضادة للانبعاثات لن تسمح بذلك بكل بساطة.

وكما نرى، فقد طالبت مجموعة السبع بوضع حد لجميع استخدامات الوقود الأحفوري بحلول نهاية القرن، فيما تحرص الصين على خفض طلبها، لأن التلوث بالنسبة لها يشبه الفساد، لذا من الصعب جداً الحصول في بكين على ترخيص لوحة جديدة للمركبات، وبأن أي نموذج جديد في الولايات المتحدة ملزم القيام بمعدل 54 ميلا في الغالون بحلول عام 2025.

إضافة إلى أن التباطؤ في الصين (التي تمثل وحدها نحو 45 في المئة من النمو في الطلب العالمي على النفط)، والتغيرات الديموغرافية في الاقتصادات المتقدمة (حيث إن المسنين يتجهون نحو القيادة بشكل أقل، وتغير ثقافة المجتمع نوعاً ما، حيث ظهر مفهوم المشاركة في السيارة الواحدة (40 في المئة فقط من الفرنسيين لديهم سيارات اليوم، فيما كانت النسبة 60 في المئة عام 2011).

وبتجمع هذه العوامل يقول رئيس مجلس إدارة أيكم الدولية بول هودجز: «من الصعب أن نتصور كيف ان الاحتياطات الحالية للوقود الأحفوري ستستنفد. ومن المحتمل أن احتياطات الوقود الأحفوري ستستمر إلى الأبد، وإذا أخذنا في الحسبان هذا الاحتمال فذلك يعني اننا لن نتوقع أسعار نفط مرتفعة إلى الأبد.

وهذا يأخذنا نحو الحديث عن العرض على المدى القصير، فإذا نظرنا إلى نظرية دورة رأس المال العادية نجدها تقول: «إذا تراجع الطلب يتراجع العرض بشكل تلقائي». لكن هذه النظرية لا تصلح هنا، لأن أوبك قادرة على التأثير على السوق عندما يتعلق الأمر بصدمات قصيرة المدى. لكن بالنسبة لصدمات طويلة الاجل مثل التي نشهدها، فليس من مصلحتها القيام بذلك. ولا يمكنها شن حرب على الهوس الغربي الخاص بتغير المناخ والامور الاخرى المتعلقة بهذا الشأن. فعلى سبيل المثال، اذا كانوا في اوبك وتحديداً السعودية لا يستطيعون ايقاف تراجعات اسعار النفط (وهم بالفعل غير قادرين على ذلك)، لماذا يخفضون الانتاج؟ وفي حال قاموا بذلك سيجنون مالا اقل بالمقابل سيحقق منافسوهم مالا اكثر والسعر سيبقى على ما هو عليه.

لذا لن يفاجئك بعد الان ان سمعت بان الانتاج السعودي لم يتراجع خلال تقلص اسعار النفط، ولكن ارتفع. اضف الى ذلك، الانتاج الذي يأتي من الولايات المتحدة الاميركية لم يتراجع بالشكل المتوقع، كما ان ايران في طريقها للعودة الى الاسواق العالمية بعد الاتفاق النووي، وسترى ان المستثمرين في النفط يتفقدون محافظهم لحمايتها من المرحلة السيئة التي هي بانتظارهم.

وفي ابحاث صادرة عن بنك انكلترا، يتوقع انخفاض اسعار السلع بنسبة 40 في المئة على المدى القصير، وهو ما ينطبق على اسعار النفط.

والفكرة الاساسية التي يجب ان نأخذها في الحسبان، ان الاستثمار الناجح لا يتعلق بالبحث عن شركات تركب موجة الطلب المتصاعد، بل في ايجاد الامواج التي يمكن ركوبها في العرض المحدود. وهذا النوع من الامواج يمكن رؤيتها عند بداية الدورة الاقتصادية للسلع، التي لا نرى منها شيئا الان.

© Al Qabas 2015