28 September 2016

   

قلة من الناس تسنى لهم الإطلاع على مشروع قانون الإفلاس الجديد الذي أثار الكثير من الاهتمام لاسيما بعد اعلان  صاحب السمو الشيخ محمد بن راشد آل مكتوم بتاريخ 4 سيبتمبر 2016 بأن مجلس الوزراء قد وافق على مشروع القانون الجديد.

بالفعل، بعد أن تم نشر المسودة الأولى لمشروع القانون في عام 2011  والتي احتوت على أكثر من 400 مادة، قامت وزارة المالية بتشكيل لجنة للعمل على صياغة مسودة أخرى لمشروع القانون، و قد أعدت، على ما يبدو، مشروعا أكثر تواضعا يحتوي على حوالي 250 مادة، علما أن قانون الإفلاس الحالي يتألف من 255 مادة، وبالتالي فإن القانون الحالي ومشروع القانون الجديد سيكونان متشابهين من هذا المنظور.

من المهم الإشارة أيضاً إلى أن صدور القانون تتطلب موافقة المجلس الأعلى للاتحاد المؤلف من حكام الإمارات السبع التي تشكل دولة الامارات العربية المتحدة وتوقيع صاحب السمو الشيخ خليفة بن زايد آل نهيان رئيس دولة الإمارات العربية المتحدة حفظه الله. هناك تكهنات بأنه لتسريع وتيرة اقرار المشروع، يرغب مجلس الوزراء اغتنام فرصة عطلة المجلس الوطني الاتحادي الممتدة حتى الأسبوع الثالث من شهر نوفمبر لتوقيع القانون من صاحب السمو رئيس الدولة. ذلك أنه بالرغم من أن  المجلس الوطني الاتحادي لا يحق له إجراء تعديلات ملزمة للقوانين، الا أن مداولة هذا القانون لدى المجلس المذكور قد يؤدي إلى تأخير ملحوظ في عملية الاقرار.

في كل الحالات، من قراءة التصريحات الصادرة في  وسائل الإعلام نقلاً عن مسؤولين في وزارة المالية بمن فيهم معالي الوزير عبيد الطاير ووكيل الوزارة سعادة/ يونس الخوري، يسود انطباع أن القانون الجديد يشكل تحسينا للقانون الحالي أكثر من ثورة عليه، وقد يكون هناك سبب وجيه لذلك وهو أن القانون الحالي يعتبر قانونا جيدا وشاملا  لكن مع الأسف ندر جدا استخدامه.

 

تم الاضاءة كثيرا على موضوع غياب الجرائم الجزايئة في مشروع القانون و لاسيما حبس المدين بسبب دخوله الصلح الواقي أو اعادة الهيكلة، لكن هذا ليس بجديد اذ ان القانون الحالي لاينص على عقوبات جزائية لأعضاء مجلس الإدارة الذين لم يرتكبوا أياً من الجرائم التي حددها القانون. هل يعني ذلك، من ناحية أخرى، بأن التجار الأفراد الذين يعسرون لن يخسروا حقوقهم المدنية ولن يكون هناك حاجة لرد الاعتبار لهم؟ إذا كان الجواب بالايجاب فإن ذلك سيشكل خطوة كبيرة نحو الأمام لتشجيع أصحاب الابتكارات و المشاريع.

يعاب على القانون الحالي أنه أكثر ملاءمة للتجار الأفراد والشركات الصغيرة بدلاً من الشركات الكبيرة التي أصبحت تشكل عصب الاقتصاد في الدولة أثر الازدهار اللافت التي شهدته منذ بداية القرن الحالي، وبالتالي، فإن مشروع القانون الجديد يطرح مفهوم "إعادة الهيكلة" للكيانات الكبيرة، الا ان اعادة الهيكلة تلك تبدو مقتصرة على المؤسسات المالية المرخصة من المصرف المركزي و/أو هيئة الأوراق المالية والسلع، ولهذا الغرض تم النص في القانون على  لجنة سميت "لجنة إعادة التنظيم المالي" تتألف من أعضاء يعينهم مجلس الوزراء لتولي مهام الإشراف على إعادة الهيكلة. وهذا بحد ذاته يشكل اختلافاً كبيراً عن القانون الحالي، وسيكون له كذلك منفعة تتمثل في الاستغناء عن اللجوء إلى عدد كبير من اللجان القضائية الخاصة التي تشكلت مؤخرا للإشراف على كبرى حالات الإعسار الرئيسية مثل اللجنة القضائية الخاصة بشركة دبي العالمية واللجنة القضائية الخاصة بأملاك وتمويل وغيرها من اللجان، وانشاء تلك اللجان يبدو مشكوكا فيه من الناحيتين الدستورية و القانونية اذ تشكل خرقا لمبدأ المساواة أمام القانون.

من ضمن التعديلات الأخرى المهمة في مشروع القانون مقارنة بالقانون الحالي هو أن الدائنين المضمونين بامتيازات خاصة لا يحق لهم المضي قدما في دعاويهم الفردية والتنفيذ على ضمانهم في حال الإفلاس، والغرض من ذلك على ما يبدو هو منح فترة سماح للمعسر، على عكس ما هو الحال في القانون الحالي حيث للدائنين المضمونين بامتياز خاص  الحق بمواصلة الدعاوى القضائية الخاصة بهم  والتنفيذ على المعسر على الرغم من صدور حكم الإفلاس.

من المتأمل أخيرا لجوء القضاة والمحامين وغيرهم من اخصائيي نشاط الافلاس الى القانون الجديد بمجرد صدوره، مما  قد يتطلب نقلة نوعية في المفاهيم وأيضا إجراء تعديلات جوهرية على أحكام الشيك القانونية وذلك إما بازالة الطابع الجنائي عن الشيك أو تعديل أحكام الشيك مؤجل الدفع، وبخلاف ذلك، فإنني أخشى أن يكون مصير القانون الجديد مشابهاً لنظيره الحالي.

 

© Opinion 2016