PHOTO
21 10 2016
( التقرير من إعداد التميمي وشركاه باللغة الإنجليزية، ومترجم للعربية بواسطة "زاوية عربي")يؤكد المبدأ القانوني المعروف أن "الجهل بالقانون لا يعفي صاحبه من المسئولية"؛ ويستخدم هذا المبدأ من خلال النظم القانونية في جميع أنحاء العالم لفرض المعرفة الإيجابية بقوانين الدولة التي يعيش بها أولئك الذين تطبق عليهم هذه القوانين. على الرغم من الاستثناءات التي تمت على مدار التاريخ- على سبيل المثال، الاستثناءات التي تمت عن طريق المحاكم الكندية فيما يتعلق بالصيادين الذين كانوا يجهلون تغيير القانون الذي صدر خلال موسم الصيد عندما كانوا في رحلة صيد في الأدغال، وبالتالي كانوا بمعزل عن العالم الخارجي- وهذا يعني عادة أن الشخص لا يمكن أن يفلت من المسؤولية لانتهاكه للقانون على أساس أن مضمون هذا القانون كان في الحقيقة غير معلوم لهذا الشخص.
وقد تم تقنين هذا المبدأ في دولة الإمارات العربية المتحدة في المادة (42) من القانون الاتحادي رقم 3 لسنة 1987 (وتعديلاته) ("قانون العقوبات")، والتي تنص على أن "الجهل بأحكام هذا القانون لا يعفي أي شخص من المسئولية."
وفي حالات غير تلك التي تنطبق عليها المسؤولية الصارمة، مثل غياب سلامة العقل أو النية غالبًا ما تعني أن الشخص لن يكون في الواقع تحت طائلة المسؤولية على الفعل الذي يحظره القانون، نظراً لاشتراط وجود القصد الجنائي أو "سبق الإصرار". ومع ذلك، إذا كان الشخص لا تتوفر لديه النية في أن يقوم بالفعل الذي يعتبر جريمة بموجب القانون، وطالما توافرت جميع العناصر المطلوبة، قد تثبت نية إجرامية ضمنيًا وتتم الإدانة تبعًا لذلك.
وقد تبين في قضية منظورة أمام محكمة النقض بأبو ظبي في شهر مايو (آيار) عام 2016، أن المحكمة قد حكمت في القضية على أساس ما إذا كان الشخص الذي لم يكن على علم بالمتطلبات القانونية التي فرضت عليه كشخص تخضع لاختصاص القانون الإماراتي، يمكن أن يكون مذنبًا في جريمة في ظروف كان افتقاره للوعي نتيجة لعدم قيام الدولة وأدائها على الوجه الصحيح واجباتها بموجب القانون، وليس على أساس توفر النية لدى الشخص لانتهاك القانون.
معلومات عامة
كان رجل باكستاني عائدًا من عطلة إلى مطار أبو ظبي في صيف عام 2015، يحمل معه مبلغ 246.000 ألف درهم إماراتي نقدا معه إلى دولة الإمارات العربية المتحدة، تم توقيفه بالمبلغ والذي لم يفصح عنه للجمارك وحوكم بسبب إخفاقه في استخراج التصريح المطلوب.
وقد أدانت المحكمة الابتدائية الرجل في جريمة بموجب قانون مكافحة غسيل الأموال في دولة الإمارات العربية المتحدة-القانون الاتحادي رقم 4 لسنة 2002 (وتعديلاته) ("قانون مكافحة غسيل الأموال")- وأصدرت عليه حكمًا بالسجن لمدة سنة واحدة وترحيله؛ وأحيل الرجل إلى محكمة الاستئناف التي أيدت الإدانة، ثم رفع قضيته أمام محكمة النقض والتي ألغت قرارات المحاكم الأقل درجة.
تنص المادة 6 من قانون مكافحة غسيل الأموال على ما يلي:
"وفقًا لإجراءات الإفصاح، يجب على أي شخص أن يفصح عندما يُدخل إلى الدولة أو يُخرج منها عن كل ما بحوزته من عملات أو سندات مالية قابلة للتداول لحاملها أو معادن ثمينة أو أحجار ذات قيمة، بموجب نظام الإفصاح الذي يطبقه المصرف المركزي."
في عام 2011، ووفقًا لما تحدد بموجبه هذا الحكم، رفع البنك المركزي الإماراتي الحد الأقصى للمبلغ النقدي غير المصرح به مع المسافرين والذي يمكن أن يجلب إلى دولة الإمارات العربية المتحدة من40.000 درهم إماراتي إلى 100.000 درهم إماراتي (أو ما يعادلها بالعملات الأخرى)؛ عن طريق إصدار القانون بتاريخ 9 يناير (كانون الثاني) 2011، وقد نُشر القانون في الجريدة الرسمية الاتحادية في العدد رقم 518 بتاريخ 28 فبراير (شباط) 2011 ودخل حيز التنفيذ بعد ذلك بمدة 6 أشهر (1 سبتمبر (أيلول) 2011) ("قانون الإفصاح").
وقد كان المستأنف على الحكم في هذه الحالة يحمل أكثر من المبلغ المذكور أعلاه والذي كان يلزمه بالإعلان عنه، وكان عليه أن يعلن لضباط الجمارك أنه كان يحمل مبلغ 146 ألف درهم إماراتي إضافي فوق مبلغ 100 ألف درهم إماراتي المسموح به.
محكمة النقض
وقد صرح المستأنف على الحكم أمام محكمة النقض أنه لم يكن يعرف انه كان يخالف القانون وقد ذكر ممثله القانوني بأنه لا تتوفر نية ارتكاب الجريمة وأن موكله يجهل قوانين الإفصاح.
وقد عزت محكمة النقض قرارها إلى ثلاثة عناصر في قانون الإفصاح والذي فرض الشروط التالية على الهيئة الاتحادية للجمارك (يوجد 9 مواد في الإجمالي):
· يجب أن يكون هناك لافتات كافية بعدد كاف من اللغات في المطارات والموانئ والمعابر الحدودية البرية، والتي تظهر قيمة المبلغ المذكور أعلاه والذي يجب أن يتم الإفصاح عنه.
· ينبغي أن يتوفر لدى موظفي الجمارك أشكال الكشف الكافية لتقديمها إلى المسافرين القادمين والمغادرين الذين يرغبون في الكشف عن الأموال التي يحملونها.
· في حالة عدم توفر أي وسائل كشف وألقت السلطات القبض على الراكب الذي لديه مبالغ مالية تتجاوز الحد المسموح به، يجب على موظف الجمارك المختص التحقيق بخصوص الأسباب الكامنة وراء عدم الكشف عن هذه المبالغ.
وقد وجدت محكمة النقض، إضافة إلى الإشارة إلى الأسباب المذكورة أعلاه، أن الهيئة الاتحادية للجمارك لم تتبع الإجراءات المطلوبة منها بموجب قوانين الإفصاح؛ وأحيلت القضية إلى محكمة الاستئناف لإعادة المحاكمة أمام دائرة أخرى.
تعليق
أوضحت قوانين الإفصاح أن المبالغ النقدية القادمة لدولة الإمارات العربية المتحدة ... بقيمة (أ) تتجاوز (100.000 درهم إماراتي) ليست محظورة، فإن الغرض، بالأحرى، هو تسجيل تفاصيل هذه المبالغ للاستفادة من مثل المعلومات في حالة ورود تقارير/طلبات دولية للمساعدة مدعية انه قد تم الحصول على هذه الأموال من مصادر غير مشروعة، أو أن المسافر المعنيَّ قد ارتكب جريمة غسيل الأموال أو تمويل الإرهاب أو غيرها من الجرائم.
إذن فالجريمة المزعومة في هذه القضية ليست في الحقيقة أن المستأنف جلب قدرًا معينًا من النقود إلى دولة الإمارات العربية المتحدة، ولكن كان عدم إفصاحه عن المبلغ الذي يزيد عن 100.000 درهم إماراتي؛ ويبدو أن محكمة النقض قد نظرت في مسألة ما إذا كان الإخفاق في عدم الإفصاح منطقيًا في ظل هذه الظروف أم لا.
وهناك نقطتان على الأقل تنتجان عن المبدأ الذي تقره المادة 42 بأن جهل الشخص بالقانون لا يعفيه من المسئولية:
· تأسس الادعاء في هذه القضية بناء على قانون مكافحة غسيل الأموال، والذي لا يحوي أي مادة تفرض المعرفة بأحكام القانون على العامة:
· على الرغم من أنه يمكن القول بأن هذا المبدأ القانوني يمكن تطبيقه على أي جريمة جنائية، وحقيقة أنه يذكر على وجه التحديد في قانون العقوبات على الأقل والذي يوفر الطعن على القضايا بناء على التشريعات الأخرى التي لم يرد ذكرها في القانون، وأنه ينبغي أن يقتصر على الجرائم الواردة في قانون العقوبات.
· يفترض المبدأ المعروف بأن الجهل بالقانون ليس عذرا، والذي يستند إلى المادة 42 بأن القانون المذكور قد تم تعميمه بشكل ملائم:
· في حين أنه لا يمكن القول بأن قانون مكافحة غسيل الأموال لم يصدر بشكل صحيح، فالجهل في هذه الحالة متعلق بالقانون الذي كان يتعين على البنك المركزي أن يصدره وفقًا للمادة 6 من قانون مكافحة غسيل الأموال.
· على الرغم من أن هذه القوانين قد صدرت ونشرت في الجريدة الاتحادية، فقد أُكتشف أنه لم يتم تنفيذ المتطلبات المحددة المفروضة على الهيئة الاتحادية للجمارك من قبل المحكمة بشكل كاف، سواء في الوقت المحدد (قبل سبتمبر 2011) أو على الإطلاق.
وعلاوة على ذلك، فإن النص الكامل لمتطلبات قوانين الإفصاح الذي احتل المركز الثالث في القائمة التي سلطت محكمة النقض الضوء عليها على النحو التالي:
في حالة عدم حدوث أي إفصاح عن المبالغ النقدية ... وكانت قيمتها تتجاوز السقف المحدد، يجب أن يحقق موظف الجمارك المسئول عن أسباب عدم الإفصاح وإذا وجد الموظف المذكور أن الأسباب غير مقنعة، فيجب عليه مصادرة وتحويل المبلغ ... إلى النائب العام لاتخاذ إجراءات قانونية ضد الشخص المعنيَّ وفقًا لأحكام المادة 18 من (قانون مكافحة غسيل الأموال).
وتجرم المادة 18 من قانون مكافحة غسيل الأموال الامتناع المتعمد عن الكشف عن المعلومات التي يعتبر من الضروري الإفصاح عنها، في مخالفة للمادة 6.
وتقترح الإشارة إلى النقطة الثالثة لتفسير محكمة النقض (شرط تحقيق موظفي الجمارك في أسباب عدم الإفصاح عن المبالغ النقدية الزائدة)، تشير إلى أن هذا التحقيق لم يتم في هذه المناسبة، وأنه لا يمكن وفقًا لذلك التأكيد على أن المستأنف قد امتنع "عمدًا" عن الإدلاء بالإفصاح المطلوب.
وفي هذه القضية، يبدو أن جهل المستأنف بالقوانين قد وُجدت معقولة، حتى ولو كانت قد صدرت بشكل صحيح حيث لم تتخذ الهيئة الاتحادية للجمارك الخطوات التي كانت مقررة من قبل البنك المركزي؛ حيث من المنطقي إعلام المسافرين بواجباتهم، وهي (أولا) وضع لافتات في أماكن واضحة تحدد الحالات التي يطلب منها الإفصاح عن المبالغ النقدية الزائدة و(ثانيا) التحقيق في أسباب عدم الإفصاح و(ثالثا) تقديم استمارات الإفصاح إلى المسافرين للقيام بالإفصاح.
ولا يبدو أن تفسير محكمة النقض في نظر حجة الممثل القانوني للمستأنف بأن المستأنف لم يكن ينوي ارتكاب الجريمة، وإذا تم الاعتداد بذلك، فان ذلك من شأنه أن يؤدي إلى تبرئة موكله أيضا.
خاتمة
يبدو من الحكم الصادر عن محكمة النقض أن مبدأ الجهل بالقانون لا يعفي صاحبه من المسئولية، لا ينبغي تطبيقه بشكل صارم في دولة الإمارات العربية المتحدة وهذا في الواقع يخضع لاختبار المعقولية؛ ويمثل ذلك طريقة عادلة بشكل واضح خاصة في حالات مثل القضية الراهنة، حيث وجدت المحكمة تقصير من إحدى أجهزة الدولة في تنفيذ أحكام صدرت عن جهاز آخر في الدولة وقضت بأنها كانت منطقية وضرورية التطبيق.
© Al Tamimi & Company 2016







