كان الغزو الروسي لأوكرانيا المجاورة صادم للعالم اجمع، و لا تزال الحالة متقلبة وتأثيرها البشري خطير. 

وجاء الرد الغربي على روسيا سريعا، حيث سارعت الولايات المتحدة وحلفاؤها الغربيون الى اتخاذ مجموعة من العقوبات ضد مجموعة واسعة من الأفراد والشركات والمؤسسات الروسية. 

وعليه، تواجه روسيا عزلة عميقة واضطراب اقتصادي مع استمرار تعرضها لمجموعة من العقوبات التي تعزل فعليًا المؤسسات المالية الكبرى في موسكو عن الأسواق الغربية. 

ولكن ليست هذه المرة الأولى التي تفرض أمريكا عقوبات على دولة، فقد حدث ذلك سابقا مع كوريا الشمالية، العراق وليبيا ويحدث الآن مع إيران.

فهل تفلح العقوبات فيما فشلت فيه الحروب والدبلوماسيات؟

 التأثير على المدى القصير

ركود.

 من المحتم أن تعاني روسيا من ركود عميق. 

كانت موسكو قد أنشأت صندوق حرب كبير تبلغ قيمته  حوالي 630 مليار دولار ونوعت مقتنياتها من العملات الأجنبية بعيدًا عن العملات الغربية لتحمل الضغط الخارجي. لكن التحركات المفاجئة من القوى الغربية لتجميد الأصول الأجنبية للبنك المركزي الروسي جعلت هذه التحركات عديمة الجدوى إلى حد كبير. 

كان من الممكن أن يكون بناء الاحتياطيات الأجنبية وسيلة لروسيا لحماية اقتصادها  من العقوبات، من خلال منح البنك المركزي مزيد من الذخيرة لحماية قيمة الروبل. باستثناء أنه تبين أن استراتيجية الاحتياطيات الأجنبية لروسيا بها عيب كبير: حوالي نصف الأموال محتجزة في الخارج في بنوك أجنبية - والآن لا تستطيع روسيا الوصول إليها. 

على سبيل المثال، فقد الروبل نصف قيمته مقابل الدولار الأمريكي بعد أن ضمت روسيا شبه جزيرة القرم عام 2014، مما أجبر البنك المركزي الروسي على إنفاق 130 مليار دولار لتحقيق الاستقرار في العملة، بحسب تقرير للمجلة الاقتصادية فورتشن. 

وكذلك الأمر اليوم، حيث أدت المخاوف بشأن نقص العملات الأجنبية إلى الضغط على النظام المصرفي والروبل، واضطر البنك المركزي إلى رفع أسعار الفائدة بقوة من حوالي 9.5% الى 20%، وفقا لرويترز وفرض ضوابط شديدة على رأس المال. 

 التأثير على المدى الطويل

هناك عدة أسباب للاعتقاد بأن الاقتصاد الروسي سيكون أضعف، وعادة ما يتم فرض العقوبات الناجحة بسرعة وبشكل متعدد الأطراف، من أجل الحد من قدرة البلد المستهدف على التكيف، ويمكننا أن نقول بثقة أن هذا هو الحال ضد روسيا.  

تؤكد دراسة تجريبية أجراها الأكاديميان الألمان نوينكيرش ونيومير على أهمية التعاون الدولي في فرض العقوبات. يقدر المؤلفون أن عقوبات الأمم المتحدة تؤدي إلى انخفاض بأكثر من نقطتين مئويتين في نمو نصيب الفرد من الناتج المحلي الإجمالي خلال فترة 10 سنوات، بينما الإجراءات الأحادية التي تتخذها الولايات المتحدة تتسبب في انخفاض أقل من نقطة مئوية واحدة على مدى فترة زمنية أقصر تبلغ سبع سنوات.

وتشير الحزمة المنسقة من العقوبات التي فرضها الغرب على روسيا إلى أن النمو الاقتصادي يمكن أن يتوقف خلال العقد المقبل. 

من شبه المؤكد أن جانب العرض في الاقتصاد الروسي سيتأثر. من المقرر أن يؤدي النزوح الجماعي للشركات متعددة الجنسيات إلى بطالة أعلى وانخفاض الإنتاج.

سيعاني الاستثمار وسط حالة عدم اليقين، في حين أن القيود التقنية ستجبره على أن يصبح أكثر اكتفاءً ذاتيًا. لكن تدمير جانب العرض سيعني أن عليها أيضًا استيراد المزيد من السلع، مما يؤدي إلى ارتفاع التضخم. 

سيعتمد الحصول على النقد الأجنبي اللازم لتمويل هذه الواردات بشكل حاسم على المدى الذي ستظل فيه روسيا قادرة على تصدير النفط والغاز، والذي يمثل حوالي 15% إلى 20% من ناتجها المحلي الإجمالي. تعمل الدول الغربية على تسريع خططها لإنهاء اعتمادها على الطاقة الروسية. لكن، سيجد الاتحاد الأوروبي هذا الأمر صعب بشكل خاص لأنه يستورد حوالي 40% من غازه الطبيعي من روسيا. 

ستتمكن الصين والأسواق الناشئة الأخرى من التعويض جزئيًا عن الانخفاض الناتج في الطلب. لكن من المرجح أن تحصل بكين على خصم كبير من موسكو وقد تمضي قدما بحذر خوفا من الوقوع في شرك عقوبات ثانوية. 

إيران

هناك العديد من الأمثلة على الأسواق الناشئة التي واجهت دمار مماثل في جانب العرض. تفرض العقوبات أو الإدارة الاقتصادية السيئة أو المزيج من الاثنين عبء كبير على الواردات مما يؤدي في النهاية إلى نقص في كل من النقد الأجنبي والسلع. 

تسببت العقوبات في خسائر فادحة في إيران. وقد أدى الحظر على النفط والقيود التكنولوجية إلى معاناة صناعتها الرئيسية من نقص مزمن في الاستثمار. الإنتاج انخفض بمقدار الثلث من  ما قبل الثورة الإسلامية، ويقدر صندوق النقد الدولي سعر التعادل للموازنة الحكومية للنفط هو 390 دولار للبرميل. 

كذلك ابتليت إيران بالتضخم، بسبب النقص الواسع النطاق وانخفاض قيمة العملة. في غضون 40 عام، انخفض الريال من 70 مقابل الدولار الأمريكي وهو ما يمثل انخفاض سنوي مركب بنسبة 17%.  

يوفر سقوط طهران الطويل عن النعمة حكاية تحذيرية لموسكو.

بات من المؤكد ان العقوبات يمكن ان تترك ندوب عميقة وطويلة الأمد في البلد المستهدف.

لقد دمرت روسيا سمعتها في عيون العالم وقد لا تتعافى أبدًا. 

(إعداد:  محمد طربيه، المحلل الاقتصادي بزاوية عربي و أستاذ محاضر ورئيس قسم العلوم المالية والاقتصادية في جامعة رفيق الحريري بلبنان)  

#مقالرأي