جاء إعلان "صندوق الاستثمارات العامة" السعودي هذا الأسبوع عن إنفاقه 8.75 مليار ريال سعودي (2.3 مليار دولار أمريكي) خلال الأشهر الثمانية الأولى من عام 2022 مقابل عقد صفقات رعاية لأندية كرة قدم محلية وخارجية ليكون بمثابة حلقة أخرى في سلسلة استثمارات الصناديق السيادية العربية في الرياضة بصفة عامة وكرة القدم بصورة خاصة في السنوات الأخيرة. 

صندوق الاستثمارات العامة السعودي 

الصندوق الذي يترأسه ولي العهد الأمير محمد بن سلمان آل سعود كان قد استحوذ في أكتوبر 2021 على 80% من أسهم نادي نيوكاسل يونايتد الإنجليزي في صفقة قُدرت بحوالي 300 مليون جنيه استرليني. وفي العام الأول منذ إتمام الصفقة، أنفق الصندوق أكثر من 200 مليون جنيه استرليني في صفقات شراء لاعبين جدد، وتعيين مدرب ورئيس تنفيذي جديدين بالفريق.

وبعد الاستحواذ على نادي نيوكاسل يونايتد، تم تعيين ياسر الرميان، محافظ صندوق الاستثمارات العامة، ورئيس مجلس إدارة عدد من الشركات السعودية الكبرى (مثل أرامكو للنفط على سبيل المثال) لقيادة نيوكاسل. 
 
بالإضافة إلى ذلك، قام الصندوق من خلال الشركات المملوكة له بالعديد من الاستثمارات الرياضية داخل وخارج المملكة، منها رعاية الدوري السعودي الممتاز عن طريق شركة "روشن" للتطوير العقاري المملوكة للصندوق، وتأسيس حلبة كورنيش جدة لاستضافة سباق السيارات العالمي "فورمولا وان"، وكذلك إطلاق سلسلة LIV للجولف مقابل ملياري دولار أمريكي. 
 
أبوظبي المتحدة  

في عام 2008 استحوذت مجموعة "أبوظبي المتحدة للتنمية والاستثمار" المملوكة للشيخ منصور بن زايد آل نهيان، شقيق رئيس الإمارات الشيخ محمد بن زايد، على نادي مانشستر سيتي الإنجليزي مقابل ما قدر وقتها بحوالي 350 مليون دولار أمريكي. لاحقا وفي عام 2013، قامت المجموعة بتأسيس "مجموعة سيتي لكرة القدم" التي يرأسها المسؤول الحكومي الإماراتي خلدون المبارك، الرئيس التنفيذي لجهاز الاستثمار الحكومي "مبادلة". وتمتلك "مجموعة سيتي لكرة القدم" عدد من أندية كرة القدم الأخرى (الأقل قوة وتأثيراً) بجانب مانشستر سيتي وهي نيويورك سيتي الأمريكي، ملبورن سيتي الأسترالي، يوكوهاما مارينوس الياباني، مونتيفيديو سيتي الأورجواياني، جيرونا الإسباني، سيتشوان جينيو الصيني، مومباي سيتي الهندي، لوميل البلجيكي، تروا الفرنسي وأخيراً باليرمو الإيطالي. 
 
بحسب مجلة "دير شبيجل" الألمانية، ومنذ استحواذها على ملكية مانشستر سيتي، أنفقت مجموعة أبوظبي المتحدة أكثر من 2 مليار دولار أمريكي على صفقات ضم لاعبين واستقطاب مدربين للنادي كان أبرزهم وآخرهم المدرب الحالي الإسباني بيب جوارديولا. 

بالمقابل، تحول مانشستر سيتي في هذه الفترة من فريق يتوسط الترتيب بل ويعاني من الهبوط أحيانا إلى أقوى فريق في إنجلترا. وحقق سيتي منذ عام 2008 ستة ألقاب للدوري الإنجليزي الممتاز (لم يفز به من قبل سوى مرتين آخرهما موسم 1967-68)، و لقبين لكأس الاتحاد الإنجليزي، وستة ألقاب لكأس الرابطة، بالإضافة لبلوغ المباراة النهائية لدوري أبطال أوروبا للمرة الأولى في تاريخه عام 2021. 
 
قطر للاستثمار الرياضي  

مقابل 100 مليون يورو، قامت مجموعة "قطر للاستثمار الرياضي" التي يملكها أمير دولة قطر الشيخ تميم بن حمد آل ثاني ويرأسها رجل الأعمال القطري ناصر الخليفي بشراء 70% من أسهم نادي باريس سان جيرمان الفرنسي في يونيو 2011. وبعدها بتسعة أشهر، استحوذت المجموعة على 100% من أسهم النادي لتمتلكه بشكل كامل. 
 
أنفقت المجموعة منذ ذلك الحين ما يقدر بحوالي 1.4 مليار يورو على فريق العاصمة الفرنسية، ونجحت بالفعل في تحويل باريس سان جيرمان إلى القوة الأكبر في فرنسا وأحد أغنى الأندية في العالم. منذ هذا الحين، حقق باريس سان جيرمان 20 بطولة كبرى في فرنسا بواقع 8 ألقاب للدوري (كان قد حقق اللقب مرتين فقط من قبل)، وستة ألقاب لكأس فرنسا ومثلها لكأس الرابطة. كما حقق الفريق لقب كأس السوبر الفرنسي تسع مرات، وبلغ المباراة النهائية لدوري أبطال أوروبا لأول مرة في تاريخه في 2020. 
 
وقبل أيام قليلة وتحديداً في 10 أكتوبر الجاري، أعلنت المجموعة عن شراء 21.7% من أسهم نادي سبورتنج براجا البرتغالي مقابل 80 مليون يورو ليصبح ثاني نادي أوروبي ترعاه المجموعة القطرية. 
 
أندية أخرى 

بعيداً عن الصناديق السيادية، تجدر الإشارة لوجود أندية أوروبية أخرى مملوكة لبعض رجال الأعمال العرب، مثل نادي شيفيلد يونايتد الإنجليزي الذي يستحوذ عليه رجل الأعمال السعودي الأمير عبد الله بن مساعد آل سعود، ونادي أستون فيلا الإنجليزي الذي يشترك في ملكيته ويرأس مجلس إدارته رجل الأعمال المصري ناصف ساويرس. 
 
عقود الرعاية 

بالإضافة لملكية الصناديق السيادية لهذه الأندية، أبرمت مجموعة من الشركات التابعة لدول عربية عقود رعاية عملاقة مع العديد من الأندية والهيئات العالمية. أبرز تلك العقود تخص شركات مثل الخطوط الجوية القطرية، والتي - وبجانب باريس سان جيرمان - تمتلك عقود رعاية مع الاتحاد الدولي لكرة القدم (فيفا)، وأندية برشلونة الإسباني، بايرن ميونيخ الألماني، روما الإيطالي، بوكا جونيورز الأرجنتيني، بالإضافة لرعاية مسابقات مختلفة في آسيا، أمريكا الشمالية والوسطى وأمريكا الجنوبية. 
 
من جانبها، ترعى شركة طيران الإمارات مسابقة كأس الاتحاد الإنجليزي لكرة القدم، ومجموعة من الأندية مثل أرسنال الإنجليزي (الذي يحمل ملعبه إسم الإمارات بموجب عقد الرعاية)، ريال مدريد الإسباني، ليون الفرنسي، ميلان الإيطالي، وبنفيكا البرتغالي. بالإضافة إلى ذلك يرعى طيران الإمارات مسابقات مختلفة في رياضات الرجبي والكريكيت وسباقات السيارات، بالإضافة لرعاية بطولتي أستراليا وفرنسا المفتوحتين للتنس. 
 
شركة طيران الاتحاد الإماراتية بدورها تقوم برعاية الأندية المملوكة لمجموعة سيتي لكرة القدم وعلى رأسها بالطبع مانشستر سيتي (الذي يطلق على ملعبه إسم ملعب الاتحاد)، بالإضافة لأندية أخرى مثل النصر السعودي، وفريق واشنطن ويزاردز الأمريكي لكرة السلة. 
 
مزايا أخرى 

إلى جانب الدعاية العملاقة التي توفرها عقود الرعاية الضخمة المقدمة من الصناديق السيادية العربية، يمكن تعديد المزايا الأخرى في الترويج السياحي لهذه الدول، حيث يقيم مانشستر سيتي معسكر سنوي في أبوظبي، مقابل معسكرات مماثلة لباريس سان جيرمان وبايرن ميونيخ في الدوحة على سبيل المثال. 
 
مجلس دبي الرياضي يقوم بتنظيم احتفالية عالمية بمسمى "دبي جلوب سوكر" بصورة سنوية، يدعو إليها كبار نجوم اللعبة في العالم. ويمكن تصور قيمة أن يقوم نجم مثل البرتغالي كريستيانو رونالدو بنشر صورة له مع معلم سياحي مثل برج خليفة، خاصة أن كريستيانو رونالدو هو الأعلى متابعة على موقع التواصل الاجتماعي "انستجرام" الذي يملك به 487 مليون متابع (أكتوبر 2022). 
 
المكاسب الإجتماعية أيضاً لا يمكن إغفالها، والتي تتضمن استغلال القوة الناعمة لتحسين الصورة العامة ونشر ثقافة بلد ما. على سبيل المثال، وبعد ملكية "صندوق الاستثمارات السعودي" لنادي نيوكاسل، قام الفريق بتغيير قميصه الاحتياطي هذا الموسم ليكون باللونين الأبيض والأخضر، وهو ما يطابق قميص المنتخب السعودي تماماً. 
 
انتقادات 

لكن الأمر لم يخل أيضاً من بعض الانتقادات، وخاصة من وسائل إعلام غربية، مثل أن هذه الصفقات قد تستغل لأغراض سياسية واجتماعية. كما أن العديد من مالكي الأندية والمدربين اعتبروا أن ما يحدث يمثل حالة عدم تكافؤ واضحة للفرص، حيث تقوم الأندية المملوكة لهذه الصناديق العربية بإنفاق مئات الملايين على الصفقات في وقت تعاني فيه أندية أخرى من شبح الإفلاس وعدم القدرة على تحقيق أقل مطالبها. 
 
ماذا بعد 

لا يبدو أن الاستثمارات السيادية العربية وتحديداً الخليجية في الرياضة العالمية ستنتهي قريباً، بل أن التوقعات تشير لاستثمارات متزايدة متوقعة.  

في الأشهر الماضية، وبعدما اضطر الملياردير الروسي رومان أبراموفيتش لبيع أسهم نادي تشيلسي الإنجليزي بسبب توابع الحرب الروسية على أوكرانيا، أبدى أكثر من مستثمر سعودي رغبته في شراء النادي، إلا أن الأمر لم يتم لعدة أسباب لتؤول ملكية تشيلسي في النهاية لرجل الأعمال الأمريكي تود بويلهي. 
 
لكن هذه لن تكون كلمة النهاية.

 

(إعداد: عادل كُريّم، محلل اقتصاديات الرياضة في زاوية عربي والمنسق الإعلامي السابق للاتحاد الإفريقي لكرة القدم)

#مقالرأي

( للتواصل zawya.arabic@lseg.com)