"إذا لم تغير الاتجاه، فقد ينتهي بك الأمر إلى حيث تتجه" - لاو تسي، فيلسوف صيني.

للمرة الثانية خلال 4 سنوات تشهد البورصة المصرية تقديم عرض شراء من قبل شركة "سوديك" المصرية – التابعة لشركة "الدار" الإماراتية – للإستحواذ على شركة "مدينة نصر" المصرية. وبرغم ترحيب الأخيرة في كل مرة بالاستحواذ من حيث المبدأ، لكنها رفضت العرضين من حيث القيمة. فهل ستتجه "الدار" إلى أراضي أخرى؟ نرى أن شركة "مصر الجديدة" المصرية تعد وجهة جيدة، ولكن هناك ما يعيق السير في هذا الطريق.

 نبذة تاريخية عن شركتي "مصر الجديدة" و"مدينة نصر" 

تعد كل من "شركة مصر الجديدة للإسكان والتعمير" وتعرف باسم "هليوبوليس"، وشركة "مدينة نصر للإسكان والتعمير" من أقدم الشركات العقارية في مصر والتي تعود ملكيتها في الأساس إلى الدولة. وتمتلك الشركة القابضة للتشييد والتعمير – شركة حكومية – حوالي 72.3% من أسهم شركة مصر الجديدة و15.2% من أسهم شركة مدينة نصر، بعد أن تخارجت الدولة بنسب مختلفة من الشركتين في منتصف التسعينات. لذلك، تحولت إدارة شركة مدينة نصر إلى القطاع الخاص في حين ما زالت شركة مصر الجديدة تحت مظلة القطاع العام.
 

 
 سوديك .. واجهة قوية للدار بالسوق المصرية 

في عام 2021 أعلنت شركة الدار العقارية الإماراتية عن وجود إستراتيجية للتوسع بالسوق العقارية المصرية. وأضافت أنها بصدد تقييم العديد من الفرص بجانب الاستحواذ على حصة حاكمة بشركة السادس من أكتوبر للتنمية والاستثمار "سوديك". وبالفعل  نجحت الدار بالتحالف مع أبوظبي القابضة في الاستحواذ على 85.5% من أسهم سوديك.

أراضي جديدة .. وجهة الدار للتوسع جغرافياً 

كخطوة تالية تسعى من خلالها المضي قدماً في تنفيذ استراتيجيتها للتوسع بمصر، تعمل الدار على زيادة محفظة أراضيها بمواقع مميزة. حيث تمتلك سوديك أراضي بمساحة إجمالية 16 مليون متر مربع، يتبقى منها حوالي 6 مليون متر مربع من الأراضي غير المستغلة. ولكن تتركز معظم الأراضي غير المستغلة بمشروع واحد بكل من شرق القاهرة والساحل الشمالي، وبمشروعين بغرب القاهرة. 

على جانب آخر، تمتلك كلٍ من شركة مصر الجديدة وشركة مدينة نصر أراضي بمواقع متميزة بشرق القاهرة، بواقع قطعتي أرض لكل شركة. حيث تبلغ إجمالي أراضي شركة مصر الجديدة بمشروعي "هليوبوليس الجديدة" و "هليوبارك" حوالي 30 مليون متر مربع، منها حوالي 17 مليون متر مربع أراضي غير مستغلة. أما أراضي شركة مدينة نصر بمشروعي "سراي" و تاج سيتي" فتبلغ حوالي 9 مليون متر مربع منها أراضي غير مستغلة بمساحة 6 مليون متر مربع.

لذلك، تأتي شركتي مدينة نصر ومصر الجديدة كأفضل البدائل المرشحة لسوديك لإمتلاكهما مخزون أراضي كبير بشرق القاهرة.

 
 مصر الجديدة .. خيار أفضل، ولكن العقبات أكبر 

إن أهم ما يميز مصر الجديدة للدار هو أن سوديك تقوم بالفعل بتطوير مشروع "سوديك إيست" - بمدينة هليوبوليس الجديدة التابعة لمصر الجديدة - على مساحة 2.7 مليون متر مربع، مما يسهل من العملية التسويقية لسوديك في حال تطوير الأراضي المتبقية بالمدينة والبالغة أكثر من 9 مليون متر مربع على غرار مشروعها "سوديك ويست" بغرب القاهرة. أما مشروع "هليوبارك" - المملوك لشركة مصر الجديدة - فتبلغ مساحته الإجمالية حوالي 7.1 مليون متر مربع لم تستغل بعد، مما يسهل تسويقه كمشروع جديد تحت العلامة التجارية "سوديك" بدلاً من إستكمال مشروعات قائمة لدى مطور آخر وما يستلزمه من إعادة بناء للعلامة التجارية وإعادة ترسيخ للوضع السوقي بما يتناسب مع عملاء سوديك.
 

 
ولكن يوجد حواجز تعيق السير في طريق الاستحواذ على شركة مصر الجديدة، وأعتقد أنها كانت سببا في الإتجاه إلى مدينة نصر. وتتمثل في:
 
1. إعلان شركة مصر الجديدة في أواخر 2021 عن فوز شركة "ماونتن فيو" بعقد تطوير مشترك لأرض هليوبارك، ولكن لم يتم توقيع الإتفاق النهائي حتى الآن. ففي حال إتمام الإتفاق ستفقد سوديك ميزة تطوير الأرض.

2. إمتلاك شركة مصر الجديدة لبعض الأصول التاريخية بحي مصر الجديدة، وأصول عقارية مؤجرة وفقاً لقانون الإيجار القديم. حيث يصعب تقييم تلك الأصول.

أخيراً وليس آخراً، أعتقد أن أراضي شركة مصر الجديدة تعد الأفضل للدار وسوديك مقارنةً بأراضي شركة مدينة نصر، وذلك من حيث المساحة وسهولة التسويق. كما يعد شراء حصة حاكمة بمصر الجديدة من قبل الدار وسوديك بمثابة فرصة لتخارج الدولة والاستفادة من مطور قوي لتنمية الأرض. هذا فضلاً عن توفير عملة صعبة للبلاد في الوقت الحالي. لذلك، أرى أنه في حالة عدم توصل مصر الجديدة لإتفاق مع ماونتن فيو بشأن هليوبارك فإن ذلك يعطي الضوء الأخضر للدار وسوديك لتغيير الإتجاه إلى شركة مصر الجديدة.

 

(إعداد:  محمود جاد، محلل مالي بسوق المال وكاتب اقتصادي بزاوية عربي)  
 
#مقالرأي

(للتواصل zawya.arabic@lseg.com)