في الوقت الذي تشدد فيه روسيا الخناق على أوروبا عبر إمدادات الغاز الطبيعي، واستعداد أوروبا لفرض عقوبات على النفط الروسي، والتي من المتوقع أن تدخل حيز التنفيذ في ديسمبر القادم، تأتي فرصة عودة الاتفاق النووي الإيراني الوشيكة مع ما يمكن أن تحمله من إمدادات النفط إلى الأسواق العالمية

هذا، إذا اتفق كل من طهران وواشنطن على إحياء الاتفاق النووي لعام 2015، ورفع العقوبات الاقتصادية القاسية على إيران التي قيدت من قدرتها على تصدير الطاقة.

يبدو أن المفاوضات المطولة بشأن استعادة خطة العمل الشاملة المشتركة (او كما يعرف الاتفاق) باتت في خواتيمها، حيث تدرس الولايات المتحدة الرد الإيراني على الاتفاق "النهائي" الذي طرحه الاتحاد الأوروبي.

بحسب إدارة معلومات الطاقة الأمريكية، كانت إيران خامس أكبر منتج للنفط الخام في أوبك في عام 2020 وثالث أكبر منتج للغاز الطبيعي في العالم في عام 2019. 

وهي تمتلك من أكبر احتياطيات النفط والغاز الطبيعي المؤكدة في العالم.

وتقدر إدارة معلومات الطاقة الأميركية أنه في أواخر عام 2020، شكلت إيران 25% من احتياطي النفط في الشرق الأوسط و12% عالميا.

لكن، على الرغم من حجم الاحتياطيات، انخفض إنتاج النفط الخام الإيراني في السنوات الأخيرة بعد أن تراجعت الاستثمارات النفطية مع فرض عقوبات جديدة عليها.

وفي تقريرها حول إيران الذي صدر في يوليو 2021، قدرت إدارة معلومات الطاقة الأمريكية إمكانية عودة إيران إلى إنتاج 3.8 مليون برميل يوميا، إذا رفعت الولايات المتحدة العقوبات.

ولكن كم ستحتاج براميل النفط الإيراني من الوقت كي تعود إلى مستويات ما قبل العقوبات؟ 

حتى لو تم التوصل إلى الاتفاق سريعا، فمن المتوقع أن يكون تنفذيه على مراحل متعددة، وبالتالي لن تكون إمدادات النفط فورية، ومن المرجح أن تستغرق مسألة رفع العقوبات عدة أشهر. 

وبحسب خبراء الطاقة، قد يكون هناك أثر مبكر على الأسواق لتهدئتها لكن إمدادات النفط لن تكون متاحة بسرعة كي يستفيد منها العالم لمواجهة الشتاء القارس.

لكن يبدو أن للتجارب السابقة رأى آخر في ذلك. فعلى سبيل المثال عندما تم تخفيف العقوبات في العام 2016 -بعد اعتماد خطة العمل الشاملة المشتركة- تمكنت إيران من رفع الإنتاج بنحو مليون برميل يوميا، إلى 3.8 مليون برميل يوميا خلال عام واحد فقط، متجاوزة بذلك كل توقعات المحللين.

كما أن إيران تمكنت من رفع صادراتها النفطية بشكل أسرع، ويعود الفضل في ذلك إلى أنها كانت تخزن كميات ضخمة من النفط الخام في السفن، والتي كانت جاهزة للتصدير في اللحظة التم تم فيها رفع العقوبات.

والأمور متشابهة اليوم، إذ ستتمكن إيران من إطلاق نحو 100 مليون برميل من النفط إلى السوق بصورة شبه فورية.

وقد تؤدي العودة السريعة للبراميل المخزنة وأي زيادة سريعة في الإنتاج من الآبار المغلقة، إلى سد الثغرة الروسية. وإنجاز الصفقة هو ما تحتاج إليه الأسواق الآن.

ولكن، بالنسبة الى أوروبا، القصة مختلفة 

لا يمثل النفط لأوروبا مشكلة حقيقية. الدول الأوروبية بحاجة ماسة إلى كميات كبيرة من الغاز الطبيعي. فبينما كانت روسيا هي المصدر الأساسي لهذا الغاز، فان أوروبا تحاول الحصول عليه من مكان آخر.

 تمتلك إيران الكثير من الغاز الطبيعي، إلا أنها تستخدم معظمه محليا، وتفتقر إلى البنية التحتية لتصديره.

في هذا الإطار يقول العديد من الباحثين والخبراء في شؤون الطاقة إنه من الممكن لإيران زيادة صادرات النفط وليس الغاز.

ولكن ما من طريقة للحصول على الغاز من إيران، وحتى لو كان باستطاعتها تأمين احتياجات أوروبا فلن يحصل ذلك في شتاء هذا العام، حيث يرتفع الطلب على الغاز عادة في هذا الموسم.

 

(إعداد:  محمد طربيه، المحلل الاقتصادي بزاوية عربي و أستاذ محاضر ورئيس قسم العلوم المالية والاقتصادية في جامعة رفيق الحريري بلبنان)  
 
#مقالرأي