24 05 2017

مع انتهاء زمن "الدولة الريعية"

أحضر أبوعبدالله مجموعة من الأوراق البيضاء وقلما وآلة حاسبة، وأغلق على نفسه باب المجلس بشقته، وبدأ يجمع ويطرح ويعيد حساباته المالية.

دعا زوجته، لإشراكها بقراراته المالية العائلية، والتي اتخذها تماشيا مع الظروف الاقتصادية الراهنة، وقال لها: "علينا إعادة هيكلة حياتنا وطريقة مصروفنا، لنضمن حياة كريمة واكتفاء لآخر الشهر".

وأبوعبدالله كالكثير من البحرينيين من ذوي الدخل المتوسط الذين بدأوا بالفعل بوضع خطط مالية لمصروفاتهم على عكس السابق، حيث كانت الحياة تسير بشكل عشوائي إلى حد ما، أيام "الرخاء" على حد تعبيره.

ويؤكد أن كلفة المعيشة ارتفعت كثيرا، فزيادة الأسعار طالت كل شيء تقريبا، كما أن زمن "الدولة الريعية" ولّى، والرخاء انتهى.

ومن المعلوم أن ارتفاع الأسعار طال معظم الخدمات والسلع، وهي معرضة للزيادة العام المقبل مع بدء تطبيق القيمة المضافة وبعض الرسوم الأخرى. 

ويرجع المحللون والمراقبون زيادة كلفة المعيشة في البحرين وفي غيرها من دول الخليج العربي إلى تراجع أسعار النفط في السنوات الأخيرة والتي تحوم حول الـ40 دولارا للبرميل، قياسا بنحو 150 دولارا في السنوات الماضية، وبالتالي تقلص حجم الإيرادات. 

وتعتمد البحرين في دخلها على قطاع النفط بنسبة 76 % تقريبا.

ويعمل أبو عبدالله في شركة خاصة ويتقاضى راتبا شهريا يبلغ نحو 600 دينار، وزوجته لا تعمل، ولديه 3 أبناء، ويعيش في شقة مستأجرة مقابل 220 دينار شهريا.

من جهتها تقول زينب عيسى، وهي متزوجة وتعمل معلمة إنها وزوجها قررا إعادة هيكلة حياتهم ومصروفاتهم والتخلي عن الكماليات أو جزء منها على الأقل بما يتوافق مع الظروف الحالية.

وأضافت "نحن مقبلون - على ما يبدو - على ظروف صعبة بسبب الأوضاع الاقتصادية، وهو أمر ينطبق على معظم دول المنطقة، (...) البترول منخفض والدولة لم تعد قادرة على تأمين كل شيء بالمجان كما في السابق".

وتابعت "لن نسافر هذا العام كما جرت العادة، علينا التزامات كثيرة يجب تغطيتها، (...) سنتخلى عن بعض الكماليات".

من جهته أكد سعيد أحمد أنه "بات مضطرا للتخلص من سيارته ذات الـ12 أسطوانة، فالوضع لم يعد يسمح باقتناء هذه المركبات ذات المحركات الكبيرة".

وكانت الحكومة قد رفعت الدعم العام الماضي عن اللحوم والدجاج والمشتقات النفطية والكهرباء، فيما عوضت المواطنين بعلاوات وبدلات لتحقيق بعض الوفر.

وعن ذلك، يقول المصرفي والاقتصادي مراد علي مراد إن الوقت قد حان ليعيد الجميع النظر في كثير من الأمور الحياتية، (...) يجب هيكلة الشؤون المالية، وهو أمر ينطبق على الفرد في البحرين ودول الخليج ككل، كما ينسحب أيضا على الحكومات، فهي الأخرى ملزومة بإعادة هيكلة اقتصادياتها في ضوء التحديات الجديدة.

وتابع "الظروف والتحديات تواجه المنطقة والعالم بأسره، فأسعار النفط متراجعة، وهي حالة ستستمر لفترة طويلة بحسب اعتقادي، ما يحتم على الجميع إعادة النظر في الكثير من الأمور".

وأرجع مراد التأخير الذي حصل في إعادة تشكيل الاقتصاد الوطني إلى محاولات الحكومة في إيجاد سبل أخرى لعلاج تراجع إيرادات النفط قبل اللجوء إلى الخطوات التقشفية.

ودعا الجميع إلى المشاركة في وضع الحلول، وتحمل المسؤولية، معتبرا أن الوضع لم يأت بشكل مفاجئ، فقد كانت هناك الكثير من المؤشرات.

وحول المستقبل، أوضح مراد صعوبة التنبؤ بشكل الظروف المالية المستقبلية، لكنه عاد ليؤكد بأن الأعباء ستزداد تدريجيا.

وقال "أثبتت البحرين من خلال التجارب السابقة قدرتها على تجاوز الظروف الاقتصادية الصعبة، وطالما استطاع الإنسان البحريني التأقلم مع الأوضاع الجديدة والطارئة".

وبحسب أحدث بيانات لمصرف البحرين المركزي فإن مجموع القروض الشخصية في البحرين بلغ حتى نهاية شهر يناير حوالي 3.6 مليار دينار. ويعتقد اقتصاديون أن البحرينيين يشكلون نسبة لا تقل عن 90 % من أصحاب هذه القروض.

وبحسب النائب الأول لرئيس مجلس الشورى جمال فخرو فإن العجز يبلغ نحو 1.5 مليار دينار، قياسا بفائض في الموازنة كان يتحقق حتى العام 2008، ليبدأ العجز في 2009، ويتضاعف إلى نحو 3 مرات خلال أقل من 10 سنوات تقريبا.

ووصف فخرو الذي كان يتحدث في ندوة لغرفة صناعة وتجارة البحرين مؤخرا المشكلة بـ"العويصة"، مشيرا إلى أننا في دورة اقتصادية سلبية، مع حجم كبير للعجز والدين العام. 

وصعد الدين العام للبحرين في نهاية شهر فبراير الماضي إلى 8.93 مليار دينار، قياسا بـ8.7 مليار في نهاية العام الماضي، أي بنسبة زيادة تجاوزت الـ2.3 %.

وسجل الدين العام في 2015 نحو 7 مليارات، فيما كان قبل 10 سنوات (2007) حوالي 616.6 مليون دينار.

© البلاد 2017