29 08 2015

رأيان متناقضان في هذا المجال

 التفاوت في الدخل فضيلة ونقيصة أخلاقية على حد سواء. فضيلة تقديم مكافأة مقابل الجهد وتوليد النمو الاقتصادي يجب أن تكون متوازنة ضد المساوىء الأخلاقية للظلم الواضح لعدم المساواة. والثروات التي تأتي من حسن حظ صادف أصحابها أو من والدين ثريين أو لمجرد أن ولد أصحابها في الوقت المناسب ليس سهل الدفاع عنها.

المشكلة بالنسبة للمجتمع والحكومات هو أن تقرر درجة مقبولة من اعادة توزيع الدخل والثروات واحداث توازن مع الحوافز المثبطة لزيادة الضرائب والمزايا. أو هكذا نعتقد.

كريس جايلز -
شهد العامان الماضيان زيادة كبيرة في صناعة الأبحاث الأكاديمية التي ترفض هذا التنازل عن ميزة مقابل الحصول على أخرى. ويدعي المؤيدون أن وجود تفاوت أقل في المداخيل يعزز النمو، مما يمكن الدول من تحقيق عملية اعادة توزيع للدخل والثروات بشكل أكبر، وتقليل الفجوة بين الأغنياء والفقراء الى جانب تحقيق توسع اقتصادي أكثر استدامة.

ويقود هذا الاجماع الجديد مؤسستين تثيران الدهشة الى حد ما، صندوق النقد الدولي ومنظمة التعاون الاقتصادي والتنمية. فهل هذان المعقلان التقليديان للممارسات والعقيدة التقليدية يدمجان وصفاتهما الخاصة بالسياسات مع أحدث الأدلة التجريبية أم أنه مجرد اتباع للموضة السائدة؟

لا يوجد شك في أن هناك ايمانا قويا وراسخا بهذه الأفكار الجديدة. أنجل غوريا، رئيس منظمة التعاون الاقتصادي والتنمية مقتنع بالواقع الجديد. «معالجة ارتفاع وتزايد عدم المساواة أمر بالغ الأهمية لتعزيز نمو قوي ومستدام» بحسب غوريا. لتأتي كريستين لاغارد، مديرة صندوق النقد الدولي، وتزايد عليه في بلاغة خطابية. فهي تعتقد أن على الأغنياء أن يشكروا الفقراء. وتقول «خلافا للحكمة التقليدية، فوائد الدخل العالي تتسرب الى أعلى وليس الى أسفل».

مع كل هذه الاثارة بين نخبة العالم رفيعة المستوى، الا أن نتائج الأبحاث تعتبر عادية وعمومية. فالأداء الاقتصادي يختلف بدرجة كبيرة مع مرور الوقت وبين البلدان، وتشير الأدلة الى أن عدم المساواة تفسر جزءا صغيرا من تلك الاختلافات.
 
ومهما كان تأثير الفجوة بين الأثرياء والفقراء على النمو الا أن القوى والعوامل الأخرى هي التى تهيمن على هذا الأمر، ولهذا يجب أن لا ننظر الى اعادة توزيع الدخل والثروات على أنها المحرك الجديد للنمو.

ومع استناد النتائج بشكل كامل تقريبا على الترابط بين البلاد، فانها تعاني أيضا من تناقضات مثيرة للقلق.

تعتقد لاغارد ودراسة صندوق النقد الدولي أن حصة الأغنياء الأكبر من الدخل المرتفع تضر بالأداء الاقتصادي في حين تقول منظمة التعاون الاقتصادي والتنمية أن عدم المساواة بين الأكثر فقرا والطبقة المتوسطة هي وحدها مايهم. وخلصت المنظمة الدولية التى تتخذ من باريس مقرا لها الى أن عدم القدرة على الحصول على المهارات بين الفقراء هي الآلية التي تجعل من عدم المساواة قادرة على الاضرار بالنمو في الوقت نفسه لاتجد المهارات دورا لها في معادلات النمو.

اذا كانت النتائج العالمية ضعيفة، فهي أيضا ليس لديها وصفة سياسات خاصة بالدول الغنية، حيث تسببت تلك النتائج بأكبر قدر من الاثارة، لاسيما في الولايات المتحدة الأميركية وبريطانيا. وعوضا عن أن تكونا المثال على أسوأ تجاوزات الرأسمالية وشططها، ظهر هذان البلدان الأنجلو ساكسون من مجموعة بيانات صندوق النقد الدولي على أنهما يتمتعان نسبيا بنمو قوي ونسبة أقل في عدم المساواة ومعدلات أعلى في اعادة توزيع الدخل والثروات.

أكثر ما يمكننا قوله بشأن هذا الترابط هو أن الاقتصادات الناجحة تميل الى أن تكون حققت نموا سريعا نسبيا مع حصول معظم الناس على دخل صافي معقول وأعمار أطول، مما أدى الى اعادة توزيع كبيرة. لقد عرفنا هذا الأمر منذ عقود، لكنهم لايقولون لنا شيئا عن ما الذي ينبغي فعله حيال نسبة الواحد في المئة الأكثر ثراء، والنقاش الدائر بشأن عدم المساواة الذي يهيمن على السياسة.

هناك دائما سياسات محتملة يمكن أن تعمل على دعم النمو وخفض معدلات عدم المساواة في وقت واحد. فعلى سبيل المثال، مثل تعزيز المنافسة بقوة قصة نجاح لليسار الوسط خلال تسعينات القرن الماضي ونجحت في تعزيز الكفاءة وتحقيق العدل في وقت واحد.

ما فشلت فيه حكومتا توني بلير في بريطانيا وبيل كلينتون في الولايات المتحدة الأميركية هو عدم كشفها ورصدها مصادر الريع في القطاع المالي، التي استغلت الاعانات الحكومية الضمنية وأقدمت على مخاطر مفرطة ذات عواقب وخيمة.

مزيد من مهاجمة المصالح الخاصة والريع الاقتصادي، الذي يسمح للقلة المحظوظة أن تحقق المكاسب على حساب الآخرين هو السبيل المثمر للسياسات. بالطبع، القضاء على الريع الاقتصادي يبدو وكأنه كتاب اقتصاد ممل. هناك حلول زائفة أخرى ينبغي لصانعي السياسات أن يولوها اهتماما أكبر.

ينبغي على البلدان النامية أن تشن حملة للقضاء على الفساد وتعزيز حقوق الملكية، وينبغي على دول جنوب أوروبا أن تقلص من حقوق العمل لكبار السن والمساواة بينهم وبين الشباب. كما ينبغي على بريطانيا اضعاف القيود السخيفة على بناء المنازل التي تركز الأموال بين ملاك الأراضي الحاليين.

وبطبيعة الحال، لايزال هناك مجال للتركيز على اعادة توزيع الدخل والثروة وما اذا كان يتعين على الولايات المتحدة وغيرها من الدول التي شهدت زيادة في معدلات عدم المساواة، أن ترد بضرائب مرهقة أكثر على الأثرياء.

لكن هذا النقاش التقليدي هو مداولة أصعب بكثير من مجرد النفخ في هذا الاجماع الجديد الذي يرى أن اعادة توزيع الثروات هي بالضرورة أمر جيد للنمو.

© Al Qabas 2015