17 10 2016

( التقرير من إعداد التميمي وشركاه باللغة الإنجليزية، ومترجم للعربية بواسطة "زاوية عربي")

تمثل الجرائم المالية تجربة أليمة لضحاياها، حتى لو كان هؤلاء الضحايا هم الهيئات الحكومية أو المؤسسات المالية الكبرى.

 بينما تسعى الدولة إلى تقديم الجناة إلى العدالة، غير أنه بالنسبة للضحايا، تمثل معاقبة أولئك المدانين في الجرائم عنصرًا واحدًا فقط في سبيل سعيهم لتحقيق العدالة. في حين نجد أن العنصر الآخر هو الرغبة في استعادة الحالة التي كانوا عليها قبيل ارتكاب الجريمة؛ وبالتالي، فإن السبيل إلى الحصول على التعويض طويل وشاق في كثير من الأحيان، حيث يتخذ مرتكبي الجرائم المالية، وخاصة أولئك الذين لديهم الخبرة الكافية في القطاع المالي، إجراءات وقائية لا تهدف فقط لمنع رصده وتعقبه ولكن تهدف أيضًا إلى الحيلولة دون كشف أجهزة الدولة المعنية لمواضع إخفاء العائدات الإجرامية في حال رصده.

على خلاف الاختصاص القضائي للقانون العام بالمملكة المتحدة، تسمح اختصاصات القانون المدني التي تقرها دولة الإمارات العربية المتحدة لضحايا الجرائم بالمشاركة بشكل مباشر في الإجراءات الجنائية والمطالبة بالتعويض عن الخسارة أو الضرر الذين لحق بهم. تنص المادة (22) من القانون الاتحادي رقم (35) لسنة 1992 وتعديلاته ("قانون الإجراءات الجنائية") على أنه "يحق لأولئك الذين تكبدوا خسارة مباشرة نتيجة لمثل هذه الجريمة رفع دعوى مدنية ضد المتهم خلال مرحلة جمع الأدلة ومراحل التحقيق، أو في أي مرحلة أمام المحكمة الجنائية قبل الانتهاء من إغلاق الطلبات."

تأمر المحكمة الجنائية، من الناحية النظرية، المجرم المدان بتعويض الضحية بشكل كامل عن الخسارة والأضرار التي يسببها المتهم؛ بينما من الناحية العملية، تُحول المحاكم الجنائية، عند الإدانة أو توقيع العقوبة، الدعاوى المدنية إلى المحاكم المدنية وفقًا للمادة 26 من قانون الإجراءات الجنائية. بيد أن واقعة الإدانة تسمح للمحكمة المدنية بتولي المسؤولية، وتظل المسألة الوحيدة المتبقية للمحكمة المدنية هي أن تقرر حجم الأضرار؛ وغالبًا ما تكون هذه المهمة الخاصة بالمحكمة المدنية شكلية، حيث تكون الإجراءات المدنية غالبًا أقل استهلاكا للوقت وأكثر تكلفة في كثير من الأحيان، من أن تكون المحكمة الجنائية هي التي تقرر قيمة المخالفة أو الخسارة التي وقعت على الضحية؛ وبالتالي، فإن المهمة الأساسية للمحاكم المدنية تكون إصدار حكم بإقرار هذا المبلغ وإنفاذه.

يعد التحدي الأعظم الذي يواجه ضحايا الجرائم المالية، مثل الهيئات الحكومية والشركات التي تعاني خسائر نتيجة للاحتيال، هو عدم الحصول على إدانة؛ حيث تمتلك أقسام الادعاء العام في جميع أنحاء دولة الإمارات العربية المتحدة إمكانية كبيرة ذات مستوى عالمي لتقديم المجرمين إلى العدالة، بينما يعد التحدي الذي يواجه الضحايا في كثير من الأحيان هو تنفيذ الأحكام والحصول على التعويض.

بحكم طبيعتها، تُرتكب الجرائم المالية من قبل أولئك الذين يسعون إلى الثراء بدون وجه حق، ونادراً ما يقرر أولئك الذين يرتكبون جريمة الاحتيال أن يعيدوا العوائد الناجمة عن جرائمهم؛ وفي الغالبية العظمى من الحالات تختفي عائدات أي احتيال لفترة طويلة حال اكتشاف الجريمة، وبالتالي عند التنفيذ؛ حتى إذا كان الجاني لم ينفق العائدات، فإنه سيضمن إخفائها من خلال خلق متاهة من الشركات والاختصاصات القضائية في الخارج.

يعد التحدي المتمثل في تعقب الأصول والحصول على تعويض أمراً يعاني منه كل نظام قانوني بقدر أكبر أو أقل، بما في ذلك دولة الإمارات العربية المتحدة؛ وهو ما جعل الأمور أكثر تحديًا في دولة الإمارات العربية المتحدة حتى عام 2009، باستثناء الجرائم التي تنطوي على ضحايا الاحتيال على الأموال العامة الذين يسعون لطلب التعويض وليس لديهم أي خيار بخلاف اللجوء إلى قانون الإجراءات المدنية؛ ولهذا القانون قيود خاصة به كما هو موضح أدناه.

 كما هو الحال في كثير من الأحيان، فقد كان الخيار الحقيقي الوحيد الذي يسعى إليه بنك أو شركة تحصل بنجاح على حكم إدانة وحكمًا مدنيًا ضد أحد الموظفين الوافدين، والذي قام باختلاس ملايين الدولارات من اختصاص قضائي غير معروف مع عدم وجود نية لردها، هو السعي لسجنه وفقًا لإجراءات الإنفاذ المنصوص عليها في المواد 324-330 من قانون الإجراءات المدنية. ومن هنا، كان الخيار الصعب بالنسبة إليهم إما سجن المحتال لفترة أخرى من الزمن بموجب المادة 324، أو منعه من السفر بموجب المادة 329. هذا وقد عانت تلك الأحكام من وجود أوجه قصور بها، حيث أن السجن بموجب المادة 324 يقتصر على مدة أقصاها 3 سنوات؛ وحتى في ذلك الحين، إذا كان المحتال المدان مقيم في دولة الإمارات العربية المتحدة، فلا يمكن أن يسجن لمدة أكثر من 6 أشهر في أي وقت من الأوقات، ويجب الإفراج عنه لمدة 90 يوما قبل بدء مدته الثانية والتي تكون مدتها 6 شهور، وفي حالة وجود محتال يستفيد من بضعة ملايين من الدولارات لدى اختصاص قضائي أجنبي، فلا تعد مدة 6 شهور في أي وقت في سجن تكون ظروفه أفضل بكثير من منازلهم في أوطانهم كافية لردعهم بشكل يجعلهم يعيدون تلك الأموال المختلسة. ولا يعد حظر السفر في ظروف يكون لدى المحتال فيها إمكانية الوصول لتلك المبالغ المالية لأجل البقاء لفترة كافية من المرجح أن يؤدي إلى إرجاع العائدات المتأتية من الجريمة قبل ان يتخلى المدعي بالحق المدني عن الأمل في ملاحقة المجرم المدان.

وفي أي مكافحة للجريمة، يعد أكبر سلاح هو التأثير الرادع للأحكام التي تلي الإدانة والتيقن بأن الجريمة لا تفيد. ويعد الأمر الأول هو الشغل الشاغل لهيئات إنفاذ القانون والمحاكم التي تتخذ إجراءات وتفرض عقوبات بما يتناسب مع خطورة الجرم وبما يتفق مع الظروف والثقافة السائدة في المجتمع. وبالتالي، ما قد يبدو أنه عقوبة مخففة من وجهة النظر الأنجلو سكسونية، قد لا تكون كذلك من وجهة نظر القارة الأوروبية وهكذا دواليك. في حين أن الامر الثاني لضمان أن الجريمة لا تفيد في نهاية المطاف هو الأرق الذي يساور ضحايا الجرائم في حين يعد العقاب أحد العوامل الهامة لضحية عملية الاحتيال، حيث يتمثل هدفهم النهائي من تحقيق العدالة في استرداد ما أُخذ منهم. مع قصور إجراءات التنفيذ بموجب قانون الإجراءات المدنية، فقد أصدر صاحب السمو حاكم دبي قانون دبي رقم 37 لعام 2009 لردع من يرتكبون عمليات الاحتيال عن رفض إرجاع عائدات جرائمهم. وفي تغيير إيجابي من جانب القانون الجنائي السابق الذي يفرق بين الأموال العامة والخاصة، ألغت أحكام التعويض الصادرة عن هذا القانون أوجه التمييز وأصبحت تنص على رادع حقيقي لأولئك الذين يرتكبون الاحتيال ويرفضون إعادة عائدات جرائمهم.

في أحكام مماثلة جداً لتلك التي صدرت في المملكة المتحدة، يفرض القانون فترات طويلة من السجن لأولئك الذين أدينوا بجرائم وتحصلوا من ورائها على مكاسب مالية ولم يردوا عائدات تلك الجرائم؛ بيد أن القانون رقم 37 أبسط بكثير من تلك الأحكام في المملكة المتحدة، ويمكن اعتباره متفوقًا عليها حيث أنه توجد به ميزة تسمح لهؤلاء الضحايا المتضررين بشكل مباشر من الاحتيال بالسعي لاستعادة عائدات الجريمة بخلاف المملكة المتحدة، حيث يهتم التشريع في المقام الأول بمصادرة عائدات الجريمة لصالح الدولة مع عدم وجود العائدات التي تعطى للضحايا الذين عانوا فعلا من خسارة؛ في حين أن القوانين الاتحادية وقانون دبي رقم 37 تعد معنية في المقام الأول بتحقيق العدالة التصالحية لضحايا الاحتيال الفعليين كعزاء لأي من ضحايا الاحتيال أن النظام القضائي للدولة التي تستخدم أساليب قسرية جداً لإجبار المحتالين على التخلي عن مكاسبهم غير المشروعة؛ وأنها تفعل ذلك لمصلحة الدولة التي لم تلحق بها أي خسارة وليس الطرف الذي سُرقت أمواله.

مع تمرير القانون رقم 37 في دبي، تحول مبدأ العدالة التصالحية من مجرد إجراء مدني بحت لأول مرة وربطه مباشرة بنظام العدالة الجنائية، حيث صارت تمثل استمرارًا تقدميًا ومنطقيًا للمادة 22 من قانون الإجراءات الجنائية ومتوافقة مع جميع المعايير الدولية لحقوق الإنسان، حيث لا يُحوِّل القانون رقم 37 ما كان مسئولية جنائية إلى دين مدني؛ لذلك، في الحالات التي يواجه الجاني فيها تسليمه إلى دولة الإمارات العربية المتحدة من تلك الدول التي وقعت وصادقت على المعاهدة الدولية المعنية بالحقوق المدنية والسياسية، فلا يستطيع الشخص الملاحق الطعن في تسليم المجرمين على أساس المادة 11 من المعاهدة التي تحظر حبس المدين المدني؛ حيث يجعل القانون من الواضح أن السجن هو أساس عدم الامتثال للالتزام بإعادة عائدات الجريمة، وقد وجد أنه لا يعد انتهاكًا لحقوق الإنسان. هذا ويرتبط القانون رقم (37) بصورة مباشرة بعمليات التمويل غير المشروعة والأموال العامة، ويعطي تعريفات واضحة لماهية التمويل غير المشروع وماهية الأموال العامة في المادة (1).

تنص المادة 2 صراحةً أنه في حالة وجود حكم نهائي يثبت أن الشخص قد حصل على التمويل غير المشروع حسب التعريف الوارد في المادة 1، وأخفق في دفع المال لأي سبب كان، يتعين على قاضي التنفيذ، بناءً على طلب من المدين (أي المدعي/الضحايا المدنيين)، أن يأمر بحبس المدين (المحتال) على النحو التالي:

·         فترة خمس سنوات في حال كانت الأموال غير المشروعة التي تم الحصول عليها لا تقل عن 500.000 درهم إماراتي ولا تزيد عن 1,000,000 درهم إماراتي.

·         فترة عشر سنوات في حال كانت الأموال غير المشروعة التي تم الحصول عليها تزيد عن 1,000,000 درهم إماراتي ولا تزيد عن 5,000,000 درهم إماراتي.

·         فترة خمس عشر سنة في حال كانت الأموال غير المشروعة التي تم الحصول عليها تزيد عن 5,000,000 درهم إماراتي ولا تزيد عن 10,000,000 درهم إماراتي.

·         فترة عشرين سنة في حال كانت الأموال غير المشروعة التي تم الحصول عليها تزيد عن 10,000,000 درهم إماراتي.

في خطوة تقدمية تلغي التمييز بين الجهات العامة والخاصة التي تم الاحتيال عليها، ينص القانون في المادة (3) بعد ذلك تحديداً على أن فترات السجن المطبقة في المادة 2 تسري أيضًا إذا اعتبرت الأموال أموالًا عامة.

تبين المادة 4 بشكل واضح أن الحكم في حالة عدم تسديد الأموال المسروقة يعد إضافة الى العقوبة المفروضة لارتكاب الجريمة التي نشأ عنها الحصول على أموال غير مشروعة.

في معظم حالات الاحتيال، يتم المفاضلة بشكل كبير من قبل المحتال بين المكاسب المحتملة مقابل خطر العقوبة في حال وجود توجس منها؛ حيث يعد القانون رقم (37)، في إمارة دبي على الأقل، عبارة عن رادع كافٍ في مجال مكافحة الجرائم المالية؛ فالمحتال يعد أقل ميلاً للشروع في ارتكاب الجريمة إذا كان يعلم منذ البداية أنه في حالة الإدانة سيواجه خيار قضاء ما يصل إلى 20 عامًا في السجن أو إعادة الأموال المختلسة.

© Al Tamimi & Company 2016