05 09 2015

شعور بالشفقة إزاء مجلس الاحتياطي الفدرالي

رفع أسعار الفائدة دائما ما يكون أصعب من خفضها. عندما يعاني المستثمرون، ويخشى الموظفون أن يُسرّحوا، تبدو وعود الأموال الرخيصة كما لو كانت أصوات حوافر الخيل التي تعلن عن وصول الفرسان. لكن الصدمة لا تنتهي بالنسبة للجميع في الوقت نفسه. عندما يغادر المنقذون، يشتكي البعض أنه تم التخلي عنهم في وقت مبكر. ينتابني شعور بالشفقة تجاه مجلس الاحتياطي الفدرالي الذي من المتوقع على نطاق واسع أن يبدأ بزيادة أسعار الفائدة مع نهاية هذا العام، أو أنه كان من المتوقع أن يفعل ذلك، الى أن بدأت موجة عنيفة من البيع في الأسواق الناشئة، وانتشرت الى البورصات في جميع أنحاء العالم. ستصدر دعوات تطالب البنوك المركزية في الولايات المتحدة وبلدان أخرى بتأجيل رفع أسعار الفائدة التي يجري الحديث عنها منذ فترة طويلة. مع ذلك يجب ألا تخشى البنوك المركزية من اتخاذ هذا القرار.

أفيناش بيرسود
ترجمة وإعداد إيمان عطية
الحجة وراء الدعوة الى الانتظار لا تستند إلى تحركات السوق وحدها. فطالما أنه لا يوجد أي مؤشر على التضخم، بحسب ما يرى أنصار المطالبين بالانتظار، لن يكون هناك حاجة لرفع أسعار الفائدة. ولأن الانتعاش دائما ما يبدو هشا، فليس هناك منطق في رفعها. الحجة التي تطالب بتوخي الحذر تطلق عادة عندما تكون الأسواق في حال صعود. وتزداد جاذبية تلك الدعوة الآن مع تعثر الأسواق.

لكن لا يمكن أن تقيد السياسة النقدية نفسها لتكون مجرد رد فعل على أحدث بيانات التضخم، لاسيما اذا أرادت تعزيز الأهداف الأوسع نطاقا للاستقرار المالي والنمو الاقتصادي المستدام. ربما كان الاعتماد المفرط على السياسة النقدية المتساهلة والميسرة للغاية واحدا من الأسباب التي مكنت العالم من النجاة من براثن أزمة مالية مضى عليها أكثر من ثمانية أعوام.

أصول الذعر في الأسواق اليوم تتعلق بالخيارات المتعلقة بالسياسات التي تم اتخاذها مؤخرا. أحد العوامل وراء تراجع أسواق الأسهم هو توقف النمو في الصين. والبيانات الرسمية التي ترسم صورة مطمئنة للنمو المطرد، تعتبر غير جديرة بالثقة على نطاق واسع. فعندما ننظر الى ما يحدث في الصناعات المنفردة، نجد أن الصورة مثيرة للقلق. اذ تقلص استهلاك الصين للهواتف الذكية للمرة الأولى في الربع الثاني من هذا العام، بحسب بيانات صادرة عن شركة غارتنر. وحذت حذوها التوقعات الخاصة بمبيعات الكثير من شركات التكنولوجيا الغربية.

وتعود جذور تباطؤ الاقتصاد الصيني الى قرارات تم اتخاذها بعيدا عن بكين. ففي السنوات الخمس الماضية، شرعت البنوك المركزية في الاقتصادات المتقدمة الكبيرة في برامج ضخمة للتيسير الكمي، وشراء الأصول المالية بأموال نقدية مطبوعة. وبسبب تأثيرها في أسعار صرف العملات، فان هذه السياسات تتسم بخاصية «افقار الجار». لقد تمت لخبطة النمو من مكان الى آخر، الولايات المتحدة أولا ثم أوروبا واليابان، بحيث تأتي المكاسب التي تحققها احدى البلدان على حساب بلد آخر. ولا يمكن لهذه اللعبة التي محصلتها صفر أن تطلق انتعاشا عالميا مستداما. وكانت الصين أحدث الخاسرين. اذ سلط تخفيض قيمة الرنمينبي الضوء على حقيقة أنه منذ عام 2010 والاقتصاد الصيني القائم على الصادرات يعاني من ارتفاع سعر الصرف الحقيقي له بنسبة %25.

لكن ان وضعنا سعر صرف العملات جانبا، فان الفترات الطويلة من السياسة النقدية الميسرة والمتساهلة أدت إلى سوء تخصيص الموارد. وسيكون من المستحيل قياس مدى هذا لعدة أعوام، لكن هناك تلميحات قوية في البلدان التى شهدت نموا دراماتيكيا في الائتمان.

كان من المفترض بالسياسة النقدية المتساهلة أن تحفز على الاستثمار في الأنشطة الانتاجية في الداخل. لكن ما حصل هو أن عملت الشركات والبنوك على كنز السيولة النقدية. واستخدم كثير من الرصيد الاضافي في تمويل عمليات شراء المنازل في الداخل، أو تم توجيهه الى اقراض الشركات والحكومات في الأسواق الناشئة.

وبحسب البنك الدولي، فان الشركات والحكومات في الاقتصادات الناشئة باعت مجتمعة سندات جديدة بقيمة 1.5 تريليون دولار خلال السنوات الخمس المنتهية في عام 2014، أي ما يعادل تقريبا ثلاثة أضعاف المعدل بين عامي 2002 و2007. وعلى الرغم من أن الاهتمام اليوم يتركز على ضعف البورصات في أميركا وأوروبا واليابان، الا أن الاضطرابات في أسواق السندات البعيدة، حيث ضخ المستثمرون من البلدان المتقدمة أموالهم فيها، ستكون مصدر قلق أكثر ديمومة.

هناك نوعان من الجوانب المشرقة في السحب الداكنة. أولا، بسبب التدفق عالي التركيز في تدفقات الائتمان الدولية، فان أزمة اليوم قد تشبه الأزمة المالية الآسيوية التي اندلعت في عام 1997. اذ كانت تلك الأزمة وحشية ومعدية، لكن تم احتواؤها اقليميا، مقارنة بالأزمة العالمية الشاملة والنظامية التي بدأت في 2007.

ثانيا، على الرغم من العديد من الاحتجاجات، فإن الأسواق الناشئة قررت منذ فترة طويلة أن النظام المالي العالمي غير مستقر بطبيعته، ولهذا عملت على مراكمة احتياطيات تساعدها على الصمود في وجه العاصفة.

لكن ذلك النظام الهش والمختل يعتبر مشكلة خطيرة. وسيبقى كذلك طالما أن المؤسسات التي من المفترض أن تدير الآثار العالمية غير المباشرة للسياسات النقدية تفتقر الى الشرعية والمصداقية ورؤوس الأموال. واذا استمرت الاقتصادات المتقدمة في الاعتماد على أسعار فائدة قريبة من الصفر لتغذية النمو، فانها لن تعمل سوى على زيادة سوء الوضع ورداءته.

© Al Qabas 2015