05 July 2015
البنوك الكبيرة تتشبث بحصتها المرموقة بقوة.. و«الصغيرة» تحاول جاهدة زيادة حصتها

بيع القروض أصعب من ذي قبل بعد تراجع زيادات الرواتب - سجلت التسهيلات الشخصية في شهر ابريل الماضي، ادنى معدل نمو سنوي بنسبة %7.7 خلال 3 سنوات، مقارنة مع %12 المتوسط السنوي على مدى تلك السنوات، وذلك نتيجة توقف دوران عجلة زيادة الرواتب.وهذا ما اشعل المنافسة بين البنوك التي ركزت خلال السنوات الاخيرة على تمويل الافراد كبديل مضمون عن اقراض الشركات التي تعثر الكثير منها.

وما زالت تعاني في تسوية تلك القروض واعادة جدولتها.وساهمت التسهيلات الشخصية، التي تمثل %40.1 من اجمالي التسهيلات الائتمانية لكل القطاعات، في مواجهة تداعيات الازمة المالية خلال السنوات الماضية، حيث لم يكن الامر يتطلب عناء البحث عن العملاء والسعي لاستقطابهم، في ظل زيادات الرواتب التي واكبت صعود اسعار النفط.

السيولة الراكدةومع مخاطر عجز الموازنة العامة للدولة وتباطؤ النمو الاقتصادي نتيجة تراجع اسعار النفط وتوقف زيادات الرواتب عن الدوران واستمرار تباطؤ نمو تمويل الشركات، وجدت البنوك نفسها مضطرة للاجتهاد والبحث عن طرق تسويقية مبتكرة لاستقطاب العملاء الافراد، خصوصاً ان حصة الائتمان الاجمالي انخفضت لتشكل %79.6 من حجم الودائع التي واصلت النمو مما زاد الضغوطعليها في البحث عن قنوات لتصريف السيولة الراكدة.. وهل هناك اضمن من الرواتب، خصوصا العاملين في الحكومة من مواطنين ومقيمين؟!لكن يبدو ان الرياح لم تأت بما تشتهي السفن.

فنسبة نمو القروض الشخصية خلال السنة الاخيرة بلغت %7.7 مقارنة بــ %5.7 لنمو اجمالي التسهيلات الائتمانية لكل القطاعات، في حين كان متوسط النمو السنوي %12 خلال العامين الماضيين، مقابل %6.75 لكل القطاعات.وتبدو مظاهر المنافسة واضحة، من خلال المحاولات الحثيثة من البنوك لاستقطاب عملاء حساب الراتب، عبر عروض ترويجية وجوائز مغرية لتشجيع اصحاب الحسابات على تحويل الراتب، وتقديم مزايا وخدمات نوعية تشمل الحصول على قروض، وهي التي شملت تسهيلات جديدة، وان كانت ضمن تعليمات وضوابط بنك الكويت المركزي.

وفي اطار جولة لــ القبس داخل فروع البنوك المحلية في محاولة لتلمس تفاصيل تلك المنافسة، اكتشفت ان لجان القروض في بعض البنوك قد تخلت عن تشددها الى حد ما، والذي بدا واضحا منذ اندلاع شرارة الازمة المالية، في محاولة منها لاستقطاب المزيد من عملاء حساب الراتب، في ما يتعلق بالقروض الاستهلاكية والمقسطة، حيث دخلت فئة المقيمين ضمن بؤرة الاهتمام ودائرة التسهيلات بقوة، لا سميا العاملين منهم في الجهات الحكومية.

القروض المقسطةفقد سمح احد البنوك للمقيم ـــ العامل في احدى الوزارات ـــ بان يحصل على قرض مقسط، وهو المخصص للاغراض غير الاستهلاكية العادية، وعلى وجه الخصوص موجه لترميم او شراء سكن، والمعني به اساسا المواطنون، قد يصل في بعض الاحيان الى 15 ضعف الراتب، الى جانب مبلغ يوازي مكافأة نهاية الخدمة، وكذلك يمكنه من الحصول على بطاقة فيزا او ماستركارد مع امكانية السداد على مدى 15 عاما، وهو ما يجعل اجمالي القرض يصل الى نحو 25 ضعف الراتب.وهي تسهيلات كبيرة مقارنة بالقرض الاستهلاكي، الذي يجب ألا يتجاوز 15 ضعف صافي الراتب الشهري للعميل (بعد الاستقطاعات) او الدخل الشهري المستمر له، وبحد اقصى 15 الف دينار، على ان يتم سداده بحد اقصى خلال 5 سنوات.

وهو ما يرفع التوقعات بمزيد من النمو في بند القرض المقسّط الذي يستحوذ على %67.2 من إجمالي التسهيلات الشخصية البالغة 12.5 مليار دينار في أبريل الماضي، والتي حققت نمواً بنسبة %14.6 على أساس سنوي لتصل إلى 8.4 مليارات دينار، مقابل 7.3 مليارات في الشهر ذاته من العام الماضي وفقاً لبيانات بنك الكويت المركزي.في حين بلغ النمو في القروض الاستهلاكية نحو %1.7، مرتفعاً من 1.17 مليار دينار في أبريل 2014 إلى 1.19 مليار في الشهر ذاته 2015، فيما تراجع تمويل شراء الأوراق المالية بنسبة %4 وأنماط قروض التمويل الشخصية الأخرى بنسبة %15.فئات معينةوعلى صعيد متصل، فقد سمحت لجنة القروض في بنك آخر بفتح سقف الاقتراض لفئات محددة وهم الممرضون الهنود إلى 25 ألف دينار، لاستقطاب تلك الشريحة الكبيرة التي تعمل بوظيفة حكومية مضمونة الراتب.

وفي الوقت نفسه، ما زالت بعض البنوك تبدي تشدداً مع موظفي القطاع الخاص، حتى أن أحد البنوك يرفض منح المقيم قرضاً سوى مقابل مكافأة نهاية الخدمة فقط في حين تبقى أي زيادة عن ذلك مقابل الراتب مرهونة بموافقة لجنة القروض.من جانب آخر، تقوم بعض البنوك بتخفيض سقف القرض الاستهلاكي إلى 10 أضعاف الراتب فقط، وذلك عند رغبة أحد العملاء بالحصول على قرض من بنك غير البنك الذي يمتلك فيه حساب الراتب، في حين يستطيع الحصول على 15 ضعف الراتب إذا قام بتحويل حساب الراتب إليها، وهي محاولة لدفعه للقيام بتلك الخطوة، كما أن هناك بنوكاً لا تقبل تمويل العميل قبل مرور سنة على تحويل الراتب، وأخرى مع نزول أول راتب.

القروض «الكاش»وتبدي أغلبية البنوك تساهلاً أكبر مع موظفي الحكومة مقارنة مع القطاع الخاص، سواء في قيمة القرض أو مدة التقسيط، ويكون التساهل أكبر في تقسيط السيارات باعتبارها تظل مطلوبة للبنك لحين انتهاء الأقساط، وهو ما يجعلها مضمونة مقارنة مع القروض «الكاش»، كما أن بعضها يطلب كفيلاً كويتياً للمبالغ الكبرى، وكفيلاًَ مقيماً للمبالغ الصغرى للحصول على تمويل مقابل الراتب للعاملين في القطاع الخاص.

والبنوك في هكذا ظروف، تكون ما بين نارين، اما التساهل في تقديم التسهيلات الائتمانية وزيادة مخاطر الانكشاف على المتعثرين واستقطاع المخصصات، أو التشدد وفقد العملاء للمنافسين في ظل حاجتها الماسة لهم لتعويض تراجع أنماط القروض الأخرى.ورغم ان بعض البنوك ما زالت تبدي تشدداً، لا سيما الكبيرة منها باعتبارها تستأثر بحصة الأسد من حسابات الرواتب واطمئنانها لقدرتها على الاحتفاظ بعملائها، لاعتبارات عدة منها انتشار فروعها في مختلف المناطق بل وفي بعض دول المنطقة والعالم وتقديم خدمات نوعية للعملاء، تسعى البنوك الصغيرة لمناطحتها وزيادة حصتها السوقية على حسابها اعتماداً على العروض الترويجية الجذابة.

العروض الترويجيةتظهر ملامح المنافسة جلية في العروض التي تطرحها البنوك بين الحين والآخر، لتشجيع العملاء على تحويل رواتبهم إليها، فعلى سبيل المثال هناك بنك تقليدي يمنح العميل الذي يحول راتبه 100 دينار على سبيل الهدية، ويمكنه من الحصول على قرض حسن بقيمة تصل الى 2000 دينار يتم سدادها خلال عامين.وبنك آخر، يمنح عميلة فرصة استعمال %50 من قيمة الراتب الشهري بشكل مسبق، وسدادها تلقائيا عند نزول الراتب مقابل رسوم 10 دنانير، تدفع مرة واحدة للحصول على الخدمة و4.5 دنانير عمولة على المبالغ المسحوبة، في حين ان الراتب الأدنى للاستفادة من تلك الخدمة هو 300 دينار.

وبنك ثالث، يمنح العملاء فرصة للفوز بسيارة فارهة ذات المواصفات الأعلى من ناحية التصميم والأداء، بمجرد تحويلهم رواتبهم على حساباتهم في البنك مع الحصول على بطاقة للصرف الآلي بتصميم مميز، والتي تتيح للعملاء امكانية السحب النقدي من أجهزة الصرف الآلي بقيمة 5000 دينار يومياً كحد أقصى الى جانب نسبة خاصة على التمويل الشخصي عند تحويل الراتب مع امكانية الحصول على كتيب كوبونات خاص ببطاقات الائتمان يوفر على العميل قيمة تعادل 3000 دينار.

ورابع يقدم للعميل هدية نقدية لغاية 150 ديناراً عند تحويل الراتب، الى جانب المشاركة في السحوبات الشهرية على جوائز نقدية لغاية 1500 دينار، والسحوبات ربع السنوية على سيارات فارهة، والمشاركة في السحوبات السنوية على جائزتين نقديتين قيمة كل منهما 25 ألف دينار، وامكانية الحصول على قرض لغاية70.000 دينار يسدد على 15 عاما، بطاقة ائتمانية مجانية من «فيزا» او «ماستر كارد» للسنة الأولى، وخصومات خاصة على السيارات من وكالات السيارات المشاركة.وخامس «أجنبي»، يمنح العملاء «بطاقة ائتمانية» مجانا مدى الحياة، وقروضا بمزايا ائتمانية تنافسية مميزة، وحسابات من دون حد أدنى ومن دون رسوم، ورسائل تنبيه نصية قصيرة مجانية لحركات الحساب.

ورغم مساعي البنوك لاستقطاب عملاء حساب الراتب، يبقي قرار العميل باختيار البنك وفقا لمعايير ثابتة، هي كون البنك تقليديا او اسلاميا، وكذلك مدى انتشار فروع البنك في مختلف مناطق الكويت، والانتشار وتوفير الخدمات خارج الكويت، وجودة الخدمات ونوعية التسهيلات التي يقدمها للعملاء، وفي النهاية تأتي العروض الترويجية مما يزيد صعوبة المنافسة على البنوك الصغيرة في مواجهة «الكبيرة».

وتلك العوامل نفسها هي التي جعلت أكبر بنكين يستحوذان معا، على حصة تتجاوز نصف الحصة السوقية في تمويل الافراد، فيما يقتسم النسبة المتبقية 8 بنوك محلية بنسب متفاوتة، الى جانب نسبة ضئيلة لفروع للبنوك الأجنبية.شراء القروضويفسر التنافس الشديد بين البنوك، الأسباب الحقيقية وراء رفض بعض البنوك لمقترح إعادة هيكلة القروض الاستهلاكية والمقسطة، المعروف بــ«شراء القروض بين البنوك»، خصوصا تلك البنوك التي تحظى بحصة في تمويل الافراد، وذلك خوفا من تسرب العملاء من بين أيديها لمصلحة البنوك الاخرى، ولو كانوا متعثرين في السداد، لاسيما وانها مقتنعة ان إعادة هيكلة تلك القروض داخل البنك نفسه، تضمن سداد قيمة القروض وفي الوقت نفسه تمكنها من الحفاظ على حصتها السوقية في مواجهة منافسة وإغراءات البنوك الصغيرة.

البنوك الأجنبيةمن جانب آخر، تبقى منافسة فروع البنوك الأجنبية في مجال تمويل الافراد ضعيفة جدا، لعدة اسباب، منها ان العميل يفضل البنوك ذات الانتشار الواسع، حيث يستطيع انجاز معاملاته في أي مكان بالكويت، كما أن رسوم استخدام بطاقات البنوك المحلية في أجهزة السحب الآلي أرخص من نظيراتها الاجنبية، لذا تركز البنوك الاجنبية على اقراض الشركات أكثر من الافراد لقناعتها بعدم قدرتها على المنافسة بقوة في هذا المجال.

شركات التمويلومع شكاوى بعض البنوك من تساهل شركات التمويل في قروض الافراد، خصوصا عند تمويل شراء السيارات، قال احد مسؤولي شركات التمويل ان حصة شركات التمويل ضئيلة للغاية، نظرا لتكلفة المال المرتفعة عليها، حيث تحصل تلك الشركات على الاموال من البنوك مقابل فوائد، وهو ما يجعل هامش الربح لها صغيرا جدا، مقارنة مع البنوك التي تعتبر تكلفة المال عليها أقل بكثير.

واشار الى ان منافسة شركات التمويل تزيد فقط في التمويل قصير الاجل الذي يشترط السداد خلال 5 سنوات، رغم ان لها الحق مثل البنوك وفقا لضوابط وقرارات المركزي في منح التمويل طويل الأجل، وذلك خوفا من تكرار تجربتها المريرة حين فتحت يدها في تمويل الشركات قبل الازمة المالية، وهو ما كبدها خسائر كبيرة نتيجة تعثر العديد من تلك الشركات.تكييش القروضاما ظاهرة «التكييش» والقائمون عليها، فهي جبهة ثالثة تحارب عليها البنوك للمحافظة على عملائها، وقد تكون الأشد خطرا في ظل عدم تحرك ملف شراء القروض بين البنوك، فالظاهرة ما زالت تنتشر وتتوغل منذ عدة سنوات، في ظل عدم قدرة الجهات الرقابية على التعامل معها ومنعها.

© Al Qabas 2015