21 02 2017

بينما كان يتجمع مئات الآلاف من الأشخاص في وسط مدينة دبي للإ حتفال بليلة رأس السنة الجديدة 2015، شب حريق ضخم في فندق "العنوان" وهو أحد فنادق الخمس نجوم، قبيل ساعات فقط من بدء الإمارة في عرض الألعاب النارية السنوي الخاص بها. تم إخماد الحريق بسرعة وإخلاء المبنى، غير أن شركات التأمين هي من تحمل عبء الخسائر الناجمة.

ومن المتوقع أن يسترد فندق "العنوان" مبلغ وقدره 332,2 مليون دولار أمريكي كتعويض من شركة التأمين الشهر الجاري، وفقًا للبيان الصادر عن مطور الفندق (شركة إعمار).

وتأتي سلسلة الحرائق التي نشبت في العديد من المباني بدولة الإمارات العربية المتحدة على مدار السنوات القليلة الماضية، في وقت كانت تشهد فيه المنطقة تباطؤاً في النمو الاقتصادي والإستثمارات، بعد انخفاض أسعار النفط، مما جعل شركات التأمين في الخليج تواجه بيئة أعمال صعبة.

تسيطر الإمارات والسعودية سويًا على حوالي 70% من سوق التأمين في دول مجلس التعاون الخليجي الست، وفقًا لما ذكره "كريشنا داناك"، المدير التنفيذي لشركة ألبن كابيتال للاستشارات. وتحتل قطر المرتبة الثالثة في سوق التأمين، لكن بحصة بسيطة في السوق لا تزيد عن 10 بالمائة.

تعتبر دولة الإمارات أكير سوق للتأمين، حيث بلغ إجمالي أقساط التأمين بها في عام 2016 حوالي 40 مليار درهم إماراتي (10,89 مليار دولار أمريكي)، وفقًا لما ذكره الموقع الرسمي لهيئة التأمين في الإمارات.
 
وبلغ إجمالي أقساط التأمين في الإمارات في عام 2015 حوالي 37 مليار درهم إماراتي، مقابل 33.4 مليار درهم إماراتي في عام 2014.

يوجد بدولة الإمارات 61 شركة تأمين، و143 شركة وساطة، و19 وكالة/ وكيل تأمين. وعلى الرغم من أن الشركات التسع والعشرون (29) المدرجة في دولة الإمارات قد حققت صافي ريح بقيمة 310 مليون درهم إماراتي (84.40 مليون دولار أمريكي) في النصف الأول من عام 2016، إلا أن "داناك" أشار إلى وجود انحراف معياري بسبب الأرباح التي تحققت لمرة واحدة بقيمة 406 مليون درهم إماراتي، حققتها شركة أبو ظبي الوطنية للتأمين.

عندما يتم استبعاد هذه المكاسب الضخمة التي تحققت لمرة واحدة، يشير "داناك" إلى أن صافي الأرباح خلال العام سيوضح خسارة 96 مليون درهم إماراتي في الشركات المدرجة في دولة الإمارات خلال الأشهر الستة الأولي من عام 2016.

يقول المدير العام لهيئة التأمين في الإمارات، إبراهيم الزعابي، في مقابلة تمت معه عبر البريد الإلكتروني في شهر يناير الماضي ، إن قطاع التأمين قد عانى "تدهورًا" في نسبة خسائر التأمين ضد مخاطر الحريق- مما تسبب في الخسائر الإجمالية المدفوعة من قبل شركات التأمين على المدى الطويل في شكل مطالبات- على مدار السنوات القليلة الماضية؛ ويرجع السبب في ذلك إلى عدد الحرائق التي نشبت في دولة الإمارات.

إجراءات التقشف القاسية في السعودية

توقع "داناك" حدوث تباطؤ اقتصادي عام في المنطقة، وهو الأمر الذي أدى إلى انخفاض النفقات الحكومية وإنفاق الشركات، وكذلك الإستثمارات المقيدة، الأمر الذي امتد تأثيره على صناعة التأمين خلال العام الجاري.

وقال: "يمكن أن يعكس عام 2017 الأوضاع السائدة في عام 2016 وربما أكثر أو أقل".

تأثر قطاع التأمين مثله مثل كافة الصناعات الأخرى في المنطقة، بالانخفاض الحاد في أسعار النفط منذ منتصف عام 2014، وفقًا لإفادة المحللين.
 
وقد أثرت أزمة النفط بالسلب على اقتصادات دول الخليج العربي التي تعتمد بشكل كبير على عائدات النفط. فقد سجَّلت السعودية، أكبر الدول المصدرة للنفط في العالم، عجزًا قياسيًا عام 2015، وذلك بقيمة 367 مليار ريال سعودي (97.86 مليار دولار أمريكي).

وتمكنت السعودية من خفض العجز في الموازنة من خلال اللجوء لإجراءات التقشف.

وقد أسفر تخفيض التكاليف في العديد من شركات القطاع العام والخاص في السعودية عن عمليات تسريح جماعية في العام الماضي، مما أدى إلى تراجع في الأعمال التجارية للشركات العاملة في فطاع التأمين الطبي؛ والتي تشكل حوالي 51 بالمائة من إجمالي أقساط التأمين لشركات التأمين في السعودية، وفقًا لما ذكره "تركي فدعق"، رئيس قسم الأبحاث والاستشارات في شركة "البلاد كابيتال للاستثمار" التي مقرها السعودية.

وأوضح "فدعق" لـ"زاوية"، في مقابلة أجريت معه عبر الهاتف، أن قطاع التأمين (في المملكة العربية السعودية) تأثر بشدة جراء التباطؤ الاقتصادي العام الذي شهدته البلاد خلال العامين الماضيين.

تعتبر السعودية ثاني أكبر أسواق التأمين في منطقة الخليج العربي حيث يوجد بها 35 شركة من الشركات التي تنافس في قطاع التأمين في المملكة، غير أن هناك أربع شركات فقط تسيطر على حوالي 59 بالمائة من سوق التأمين في السعودية، وفقًا لما ذكره "فدعق"، وهي: شركة "بوبا العربية"، وشركة "التعاونية" وهي شركة تديرها الدولة، وشركة "ميدغلف"، وشركة "ملاذ".

وقد أفادت شركة "زيورخ للتأمين"، ومقرها سويسرا، أنه في الوقت الذي يتواصل التركيز فيه على دولة الإمارات باعتبارها سوق التأمين الأساسي في المنطقة، إلا أنه ليس لديها أي خطط فورية للدخول إلى السوق السعودية، حيث إنها تستهدف الدول الأقل اعتمادًا على النفط.

يقول "بيتر انجلند"، الرئيس التنفيذي للشركات العالمية في منطقة الشرق الأوسط في شركة زيورخ للتأمين، لـ"زاوية": "نحن نلاحظ بالفعل تأثير ذلك بوضوح بسبب أسعار النفط، وأن ذلك يؤثر على حجم أعمالنا في المنطقة". وأضاف: "إلا أن النموذج الخاص بنا يعد أكثر مرونة، وبالتالي فإننا نبحث عن أسواق بديلة أو أسواق لا تعتمد على النفط."

تمتلك شركة "زيورخ للتأمين" فروعًا في كل من الإمارات والبحرين وقطر، وتعاقدت مع شركاء التوزيع في الدول الأخرى بما في ذلك السعودية.

قطاع المشاريع يمكن أن يعزز سوق التأمين

لا تزال آفاق النمو في أسواق التأمين إيجابية على المدى الطويل؛ ومن محفزات صناعة التأمين على المدى الطويل ارتفاع عدد مشاريع البناء والبنية التحتية المتوقع قبل عقد الفعاليات الكبرى، مثل معرض اكسبو العالمي 2020 في دبي، وكأس العالم 2022 في قطر؛ والتقدم الكبير في البنية التحتية كجزء من رؤية المملكة العربية السعودية 2030.

وقال "داناك": "سوف تؤدي هذه المشاريع بالتأكيد إلى تحسن قطاعات التأمين".
 
وأضاف: "سيحدث ذلك خلال خمس أو ست سنوات، وهي مسألة وقت؛ ولكن بالتأكيد ومن المؤكد أن آفاق نمو هذه الصناعة تمضي قدمًا".

غير أن المحلل السعودي "فدعق" حذر من أن تأثير مشاريع البنية التحتية والإنشاءات سيكون ضئيلاً للغاية، وخاصة في السعودية، حيث إن هذه المشاريع لم تكن ذات صلة في اثنين من أكبر القطاعات في سوق التأمين.

"لا يمكن أن تنعكس هذه المشاريع على سوق التأمين السعودي في القريب العاجل، ولن تكون ذات تأثير كبير، كما أنها لن تؤثر على قطاعات التأمين على الصحة، أو التأمين على السيارات، التي تشكل سويًا حوالي 84 بالمائة من إجمالي سوق التأمين السعودي."

تشكل قطاعات التأمين على السيارات والتأمين على الصحة 70 بالمائة من سوق التأمين في دول مجلس التعاون الخليجي.

يقول "الزعابي"، المدير العام لهيئة التأمين في الإمارات، إن السبب في ارتفاع شريحة التأمين الطبي والنمو في قطاع التأمين على السيارات يرجع إلى أسعار السيارات الجديدة التي من المرجح أن تساعد في نمو هذه الشريحة.

"سمير يوغيشوار"، الرئيس التنفيذي لشركة "إتش دي إف سي إنترناشيونال لايف أند ري كومباني ليمتد"، وهي شركة تأمين هندية دخلت سوق الإمارات العام الماضي، كان أكثر تفاؤلاً عند النظر في الطلب المتوقع نتيجة تزايد أعداد السكان.

وأضاف: "أن صناعة التأمين في المنطقة ستصل إلى النضج من الناحية الهيكلية بكافة جوانبها على المدى المتوسط والطويل."  

"بالإضافة إلى ذلك، فإنه نظرًا للعوامل السكانية المواتية مع زيادة عدد السكان المغتربين، وزيادة متوسط العمر المتوقع للفرد، فإن الطلب على حلول المعيشة والتقاعد المبتكرة، وإدخال برامج التأمين الصحي الإلزامية من قبل عدة دول في المنطقة، سوف يوفر دفعة إيجابية لمنتجات التأمين على المدى القصير والمتوسط."

"هل أنا فعلاً بحاجة إلى التأمين؟"

بغض النظر عن الظروف الاقتصادية، فإن عدم وجود الوعي لدى الكثير من سكان دول مجلس التعاون الخليجي عن فوائد التأمين، يشكل تحديًا أمام هذا القطاع.

"في بعض الأحيان لا يكون الناس متأكدين مما إذا كان هذا هو الشيء الصحيح الذي ينبغي فعله. هل فعلاً أنا بحاجة الى التأمين؟"، كما ذكرت "سمينا أحمد"، المدير الإداري لشركة ألبن كابيتال. "هذا يمنحك نطاقًا كبيرًا للنمو ... بمجرد فهم حدوث ذلك، فسيتحقق النمو."

أيضاً فإن الحاجة لمزيد من اللوائح ونقص الموظفين المؤهلين يمثل بعض التحديات الكبيرة التي تواجه صناعة التأمين؛ كما ذكرت "أحمد"، ولكن يجري اتخاذ خطوات هذا العام فيما يتعلق بهذا الصدد.

وقد سنّت السعودية والإمارات العديد من الإصلاحات التنظيمية في قطاع التأمين في العامين الماضيين، ويتوقع المحللون أن تسفر التغييرات عن نتائج إيجابية على المدى الطويل.

"مع التغييرات التنظيمية، خاصة التي أجرتها السعودية، وإذا حذت كافة الدول حذوها، حيث ستقوم أقساط التأمين على المخاطر الفعلية التي ترتبط بها، فمن الممكن أن ترتفع أقساط التأمين، ويمكن أن ينخفض هامش الخسائر، ويمكن أن نشهد وجود الكثير من الأعمال والمشروعات المربحة،" كما ذكر "داناك".

وقد ألزمت المملكة في العام الماضي أصحاب العمل في القطاع الخاص بتوفير التأمين الصحي لموظفيها وعائلاتهم. كما زادت من أقساط التأمين في قطاع التأمين على السيارات، الذي أصبح كذلك إلزاميًا في المملكة، بنحو 400 في المائة في عام 2016، وفقًا لتقرير صادر عن "موقع أخبار جريدة شبكة العربية" باللغة الإنجليزية.

وقد أعلنت الإمارات الشهر الماضي عن الموعد النهائي المحدد ليصبح لدى جميع السكان تأمين صحي إلزامي، وهو الموعد الذي تم تمديده عدة مرات. كما زادت الدولة رسوم التأمين الالزامي على السيارات بنحو 100 في المائة منذ بداية عام 2017، وفقًا لتقرير صادر عن الجريدة اليومية "الإمارات اليوم" في 18 يناير.

وذكر "الزعابي" أن هيئة التأمين لديها قائمة بلوائح جديدة في خطوط سير الأعمال للمساعدة في تعزيز أداء القطاع خلال عام 2017 وما بعده، مشيرًا إلى أن العدد الكبير من الشركات العاملة في السوق يُشكل تحديًا لهذا القطاع.

"يمكن اعتبار عدد شركات التأمين وشركات الوساطة على أنها لا تتناسب مع حجم السوق؛ وتُشجع هيئة التأمين شركات التأمين والوسطاء على القيام بالاندماج،" حسبما أفاد الزعابي.

© Zawya 2017