زاوية عربي    

العالم ما قبل كوفيد-19 

ظل دور السياسات العامة المتعلقة بصناعات الأدوية والمعدات والمستلزمات الطبية في أغلب دول العالم قاصر الي حد كبير على تقنين ومراقبة معايير السلامة. ولم يتطرق صانعو السياسات كثيرا الى ضمان الأمن الدوائي حيث لم تكن هناك سوابق حديثة وذات أهمية كبيرة تدعو الي إعطاء الامن الدوائي مرتبة متقدمة في سلم الأولويات.

هذا الجو العام من السياسات المرنة سمح للشركات العالمية القائمة على صناعات الأدوية والمعدات والمستلزمات الطبية بالتركيز على تنمية البحث والتطوير واستهداف الجوانب الأعلى ربحية في هذه الصناعات.

ونتج عن ذلك إعادة تشكيل سلاسل إمداد الأدوية والمعدات والمستلزمات الطبية لتصبح معولمة، فعلى سبيل المثال تخصصت أعداد محدودة من الشركات في بلدان مثل الصين والهند في إنتاج المواد الفعالة اللازمة لإنتاج الأدوية. وكذلك نجد التركيز في الدول الغربية على البحث والتطوير لإيجاد منتجات وحلول مستحدثة وذات معدلات ربحية فلكية بينما التركيز في البلدان النامية -مثل الصين والهند - على المنتجات ذات الربحية المنخفضة نسبيا مثل الأدوية المكافئة -أي الأدوية التي تكون لديها نفس المكونات والفاعلية لدواء أخر ولكن تحت علامة تجارية مختلفة- والأمصال واللقاحات.  

ما أظهره كوفيد-19

كان لهذا التركيز الجغرافي للصناعة بعض الآثار السلبية التي ظهرت مع تداعيات كوفيد-19. هذه الآثار السلبية اختلفت حدتها من كونها خانقة كما هو الحال بالنسبة للمعدات – مثل أجهزة التنفس الصناعي- والمستلزمات – مثل مستلزمات الحماية الشخصية- إلى كونها معتدلة كما في حالة الأدوية والتي يرجع الفضل فيها الى بعض معايير سلسلة إمداد الادوية مثل الاحتفاظ بمخزون يكفي لأربعة شهور على الأقل.

ومع ذلك شهدنا نقص في العديد من الأدوية في كثير من دول مثل ألمانيا والولايات المتحدة الأمريكية وكندا، حتى ان الصيدليات التي كانت تصرف أدوية الأمراض المزمنة بكميات تكفي المرضى لفترات تصل الي ثلاث شهور، قللت الكميات لتكفي المرضى لمدة اسبوعين. وفي حال زيادة فترة الأزمات عن أربعة أشهر فمن المتوقع حدوث أزمات خانقة في سلسلة إمداد الأدوية كذلك.

ما بعد كوفيد-19

مما لا شك فيه ان تجربة تأثير كوفيد-19 على سلاسل إمداد الأدوية والمعدات والمستلزمات الطبية وما شهدناه من اتخاذ بعض الدول قرارات بوقف تصدير الأدوية والمستلزمات الطبية وتنافس الدول للحصول على المتاح من المستلزمات الطبية بأي طريقة سوف يقودنا الى إعادة التفكير في عدة أمور منها:

 1- الاعتماد المفرط على مصادر مثل الصين والهند والحاجة إلى قيام شركات الأدوية، حيثما أمكن، بتنويع مصادر الإمداد عبر مناطق جغرافية مختلفة حتى تتمكن من إعادة تحويل الإنتاج بسرعة من المناطق شديدة التأثر إلى المناطق الأقل تأثرا.

 2- أهمية الأمن الدوائي، حيث سيكون تأمين الإمدادات من الأدوية والمنتجات الطبية قضية سياسية رئيسية ويمكننا أن نتوقع من جميع الحكومات مواصلة تطوير القدرات الإنتاجية المحلية وتأمين الإمدادات.

 3- مرونة سلاسل إمداد الأدوية والمعدات والمستلزمات الطبية مثل الاعتماد على عدد من الموردين البدلاء أو زيادة التكامل للعمليات الانتاجية في مناطق مختلفة مما يمكننا من صناعة المنتج النهائي وأغلب مكوناته في منطقة جغرافية محدودة.

4- القابلية لتعديل وتطوير العمليات الانتاجية بما يتماشى مع مستجدات مفاجئة في وقت قياسي.

الوضع في العالم العربي

نظرا لتباين الأوضاع الاقتصادية في بلدان العالم العربي، تتباين أنماط استخدام الأدوية. فطبقا لتقرير سي بي اتش أي (CPHI)، وهي كيان متخصص في الأدوية في قسم الاسواق في شركة Informa المتخصصة في النشر والمعلومات والمعارض ومقرها لندن بالمملكة المتحدة، فان 85% من الأدوية المستخدمة في المملكة العربية السعودية هي من الأدوية ذات العلامات التجارية المستوردة باهظة الثمن. أما في مصر، 90% من الاستهلاك يتم إنتاجه محليا. وحتى الدول التي لديها طاقات انتاجية عالية مثل مصر فإنها تعتمد على استيراد المواد الفعالة من الصين والهند.

 وبرغم التباين الواضح في قدرات وأنماط استخدام الأدوية في العالم العربي، تظل الدول العربية تمثل سوق كبير. وقدرت دراسة لكلية لندن للاقتصاد منشورة عام 2018 حول تسعير الأدوية في منطقة الشرق الأوسط وشمال أفريقيا، الإنفاق على الأدوية في السعودية ب 7.4 مليار دولار، وفي الجزائر ب 3.7 مليار دولار، وفي مصر ب 3.5 مليار دولار، وفي الإمارات ب 2.6 مليار دولار عام 2016.

ان ما أظهره كوفيد-19 من امكانية اعاقة سلاسل إمداد الأدوية والمعدات والمستلزمات الطبية الحالية عن تأدية دورها وكبر حجم سوق المنتجات الدوائية والطبية سبب كافي للدول العربية لحشد مواردها وجهودها -منفردة او مجتمعة- لخلق صناعات دوائية وطبية إقليمية أو محلية تستطيع تأمين الاحتياجات الدوائية والطبية للمواطنين في بلدان العالم العربي.

لقراءة مقالات سابقة لعبد السميع  

كورونا ستغير قواعد سياسات الغذاء والزراعة

المياه والدول العربية.. ماذا تقول لنا الأرقام والتجارب الحديثة؟

*تم التواصل مع عبد السميع عبر موقع WriteCaliber 
(تحرير تميم عليان، للتواصل yasmine.saleh@refinitiv.com) 

© Opinion 2020

المقال يعبر فقط عن عن أراء الكاتب الشخصية
إخلاء المسؤوليّة حول المحتوى المشترك ومحتوى الطرف الثالث:
يتم توفير المقالات لأغراض إعلامية حصراً؛ ولا يقدم المحتوى أي استشارات بخصوص جوانب قانونية أو استثمارية أو ضريبية أو أي نصائح أو أراء بشأن ملاءمة أو قيمة أو ربحية استراتيجية أستثمارية معيّنة.