نوفمبر/تشرين الثاني 2017

برنامج المملكة العربية السعودية الطموح للتجديد الاجتماعي والاقتصادي، (رؤية 2030 المُعلَن عنها في أبريل/نيسان 2016)، وَضَع الرعاية الصحية نُصبَ عينيه تمامًا؛ وتسترشد رؤية 2030 (الرؤية) بالحاجة الأساسية لتنويع اقتصاد البلاد بعيدُا عن القطاع النفطي، وتهدف في نفس الوقت إلى تنشيط الاقتصاد وترشيد/خفض الإنفاق الحكومي. ولا يزال المُحرك الاقتصادي الرئيسي في المملكة هو سعر السوق للنفط، والذي لا يزال يتراوح بين معدل 50-55 دولارًا للبرميل.

وتعتبر التحديات في مجال الرعاية الصحية بالمملكة كبيرة، ويتضح ذلك بالنظر إلى مؤشر واحد رئيس لقطاع الصحة، فوفقًا لتقرير صادر عن وزارة الصحة السعودية عام 2013، فإن نحو 25 في المائة من السعوديين يعانون من مرض السُكري، ولدى المملكة 4 ملايين من مرضى السُكري يحتاجون إلى 5.5 مليون استشارة وزيارة متابعة سنويًا.

وعلى سبيل المقارنة، تشير الإحصاءات الأخيرة لمنظمة الصحة العالمية إلى أن الانتشار العالمي لمرض السُكري بين البالغين الذين تزيد أعمارهم عن 18 عامًا قد ارتفع من 4.7 في المائة عام 1980 إلى 8.5 في المائة عام 2014.

وقد استفاد نظام الرعاية الصحية السعودي من استثمارات كبيرة في السنوات الأخيرة؛ ونتيجة لذلك، ارتفع متوسط ​​العمر المتوقع في المملكة من 66 سنة إلى 74 سنة على مدى العقود الثلاثة الماضية. وعلاوة على ذلك، انخفضت معدلات وفيات الأطفال دون سن الخامسة من 44 إلى 16 لكل 1,000 مولود حي في السنوات العشرين الماضية.

ومع ذلك، فإن وجود السكان الذين يعانون من أمراض صحية مُزمنة مثل مرض السُكري يُشكّل استنزافًا ماليًا مضاعفًا من خلال:

(أ) الفرصة الضائعة الكبيرة من حيث مساهمتهم الاقتصادية.

(ب) استحقاق التكاليف الكبيرة المرتبطة بالرعاية.

وترى الحكومة أن قطاع الرعاية الصحية هو القطاع الذي يتمتع بأفضل إمكانيات الخصخصة، ويُقال إن الحكومة تدرس ما إذا كان ينبغي بيع كافة المستشفيات والصيدليات العامة. وتواجه المملكة نفقات طبية متزايدة تتعلق بمجالات مثل الحوادث والتدخين والبدانة (التي قد تظهر من خلال مرض السُكري).

وذكر وزير الصحة السعودي توفيق الربيعة مؤخرًا أن تقديرات وزارة الصحة تقول إن التكاليف الطبية سترتفع إلى نحو 250 مليار ريال بحلول عام 2030. ووفقًا للهيئة العامة للاستثمار في المملكة، فقد أنفقت الحكومة 18 مليار دولار على الرعاية الصحية في عام 2014. ومع ذلك، فإن الإنفاق على الرعاية الصحية يمثل 3.2 في المائة فقط من الناتج المحلي الإجمالي، ومستوى نصيب الفرد من الإنفاق أقل من نصف متوسط ​​بُلدان منظمة التعاون الاقتصادي والتنمية، وأقل من غالبية دول مجلس التعاون الخليجي.

كما أن زيادة مشاركة القطاع الخاص في قطاع الرعاية الصحية من 25 إلى 35 في المائة هو جزء من الرؤية التي تسعى أيضًا إلى توفير الرعاية الصحية المجانية ذات الجودة لـ 20 مليون مواطن سعودي. وفي ظل هذه الخلفية، ستحاول هذه المقالة "ربط النقاط" وتوقع بعض التحديات القانونية والتنظيمية التي تنتظر إصلاح الرعاية الصحية.

الاستثمار الأجنبي المباشر

أعلن محافظ الهيئة العامة للاستثمار في المملكة العربية السعودية إبراهيم العمر مؤخرًا عن خطط للسماح للمستثمرين الأجانب بامتلاك شركات بشكل كامل في قطاع الصحة، مشيرًا إلى أن ذلك سيتيح فرصًا استثمارية بقيمة 180 مليار دولار على مدى السنوات الخمس المقبلة، على الرغم من أنه لم يتم الإعلان بعد عن موعد التنفيذ.

وفي الوقت الحالي، يمكن للكيانات الأجنبية أن تمتلك فقط المستشفيات مع الحد الأدنى من المتطلبات السريرية، ولا يمكنها أن تملك أي مؤسسات أخرى للرعاية الصحية. وقد حددت الهيئة العامة للاستثمار في المملكة العربية السعودية مجموعة كبيرة من الفرص الاستثمارية التي تتراوح بين رعاية مرضى السُكري والمدن الطبية ومراكز الرعاية الصحية الأولية، (وتفيد التقارير بأن الوزارة تلقت ستة عطاءات على الأقل للعمل كمستشار مالي لخصخصة 55 مركزًا للرعاية الصحية الأولية في الرياض وحدها).

وسيتم في نهاية المطاف شراء العديد من هذه الفرص من خلال آلية شراكة بين القطاعين العام والخاص، حيث من المُرجح أن يلعب المستثمرون الأجانب ومقدمو الخدمات أدوارًا محورية فيها. ومن المتوقع أن يصل إجمالي الاستثمار الخاص في القطاع الصحي إلى 100 مليار دولار (375 مليار ريال) بحلول عام 2020، ليضيف 12,500 سرير جديد كل عام.

وفي الوقت الراهن، لا يوجد في سوق الأسهم السعودية سوى خمس شركات للرعاية الصحية يبلغ مجموع استثماراتها الرأسمالية 3.66 مليار ريال سعودي. ومن المُرجح أيضًا احتمال ظهور فئة جديدة من الأصول، من حيث مشاريع الشراكة بين القطاعين العام والخاص، وأخذها إلى السوق لتظهر على شاشة الرادار السعودي.

الشراكات بين القطاعين العام والخاص

تُشكل الشراكات بين القطاعين العام والخاص ركيزة أساسية للإصلاحات في جميع إدارات الإنفاق بالحكومة. وتعتزم الحكومة نقل المسؤولية عن توفير الرعاية الصحية لشبكة من الشركات الجديدة التي تتنافس ضد بعضها البعض وضد مشغلي القطاع الخاص.

وفي إطار هذا الهيكل، سيتم فصل المستشفيات والمراكز الصحية عن الوزارة لتتحول إلى شركات مستقلة (أو مجموعات من الشركات) تتنافس فيما بينها فيما يتعلق بالجودة والكفاءة والإنتاجية. وستتخلى الوزارة تدريجيًا عن دورها كمُزود للخدمات، وسيكون دورها تنظيمًا وإشرافيًا بصورة أكبر.

ولتسهيل مهمة هذا الإصلاح، تعتزم المملكة العربية السعودية إنشاء كيان لرصد وفحص وتنظيم خدمات الرعاية، للتأكد من وضع المعايير الوطنية وتحقيقها؛ وسيوفر هذا الكيان نظامًا متخصصًا لمراقبة الجودة من أجل الإشراف على توفير الرعاية في المستشفيات العامة والخاصة، وإدارة نتائج الشراكة بين القطاعين العام والخاص، وسيكون مسؤولًا عن تحديد المعايير، والإبلاغ عن نتائج الجودة على مستوى المستشفيات، واعتماد نظم الإبلاغ عن المستشفيات، والإشراف على مشاريع الشراكة بين القطاعين العام والخاص، وجمع بيانات النتائج، ونشر تقارير الأداء المقارن.

وفي عصر تزداد فيه أسعار الوقود ويتناقص فيه الدعم، ستصبح البصمة الكربونية واستدامة الأصول والخدمات الجديدة، على نحو متزايد، عوامل حاسمة لقياس النجاح. وتشير الهيئة العامة للاستثمار في المملكة العربية السعودية إلى أن المستثمرين المحتملين يمكن أن يشملوا شركات إدارة البيانات والمستثمرين السعوديين من القطاع الخاص.

ومن ثم، فإن عملية إقامة شركات لتوفير الخدمات القائمة تُشكل أساسًا رئيسيًا في سياسة الرعاية الصحية خلال الفترة المُقبلة، وفي نطاق الإطار العام للشراكات بين القطاعين العام والخاص، سيكون لهذه الشركات دور أساسي (سواء من حيث تقديم الخدمات، وربما أيضًا في رصد النتائج). ويهدف ظهور الشركات أيضًا إلى تعزيز وتحديد أولويات التخصص في خدمات الرعاية الصحية، وبمرور الوقت، سيتمكن المواطنون من اختيار مُزوّد الخدمة المُفضل لديهم.

وبالنظر إلى رعاية مرضى السُكري كأحد الأمثلة على ذلك، يوجد في السعودية حاليًا 4 ملايين مريض مصاب بمرض السُكري يحتاجون إلى 5.5 مليون استشارة وزيارة متابعة سنويًا. وهذا الوضع يزيد بالفعل من قدرة مراكز العلاج البالغ عددها 460 مركزًا. ووفقًا للهيئة العامة للاستثمار في المملكة العربية السعودية (التي حددت رعاية مرض السُكري كفرصة استثمارية)، فإن هذا الوضع يخلق فرصًا كبيرة لأصحاب المستشفيات الخاصة السعوديين، وشركات التأمين الصحي السعودية، ومزودي الرعاية الصحية الدوليين، لزيادة القدرات من خلال بناء 500 عيادة خارجية لأصحاب الأمراض المزمنة.

هذا وينبغي أن تشمل الخدمات المُقدمة تحليل الدم في الموقع والتشخيص، واستشارات النظام الغذائي والتغذية، وخدمات حقن الأنسولين، وتقييم اضطرابات الغدد الصماء الطبية، وفحص القلب، وطب العيون، وتقييم الكلى والأقدام؛ والأهم من ذلك، تعتزم الحكومة دعم هذه المبادرة من خلال: (أ) تمديد مدة العقد الحالية إلى ما بعد ثلاث سنوات، (ب) تحديد نهج الإحالة من وزارة الصحة وآليات الدفع المناسبة.

ومع ذلك، فإن تحديات الشروع في هذه العملية في قطاع الصحة هي أمر مختلف تمامًا من حيث الحجم بالنسبة لمشروعات إنشاء المؤسسات والمشروعات الأخرى، ولا سيما عندما تكون المبادرة تضم الشراكة بين القطاعين العام والخاص. إن قانون المشتريات الحالي في المملكة (قانون المناقصات الحكومية والمشتريات) قد خدم بشكل جيد كوسيلة لتوفير الشراء استنادًا إلى المُدخلات، والأصول المحددة للعميل، وبعض الخدمات المساعدة المحدودة. غير أن القانون لا يلائم شراء المُخرجات المعقدة أو الخدمات القائمة على النتائج، حيث يتم تجميع تكاليف الأصول والخدمات ضمن "رسم موحد" يتم تحصيله مقابل تحقيق مؤشرات الأداء الرئيسية على مدى فترة امتياز طويلة الأجل.

كان المركز الوطني للتخصيص في السعودية، الذي يتولى مسؤولية الشراكات بين القطاعين العام والخاص، قد بدأ عملياته في وقت سابق من عام 2017؛ وقد تم إنشاء المركز، الذي يقدم تقاريره مباشرة إلى وزير الاقتصاد في المملكة، لتحديد الإستراتيجيات واللوائح والأطر التنظيمية لخطط الخصخصة ومشاريع الشراكة بين القطاعين العام والخاص في قطاعات مختلفة، مثل الصحة والتعليم والنقل والخدمات البلدية.

ومن أجل تشجيع الاستثمار الأجنبي والاستثمار في الشراكة بين القطاعين العام والخاص بصفة خاصة، سيتعين على الحكومة أن تقدم إستراتيجية واضحة، مع إطار تنظيمي مصاحب لها، تعالج عددًا من القضايا الرئيسية، وخاصة: (أ) آليات استرداد التكاليف؛ (ب) دعم التعهد المقدم من الأطراف المقابلة في الدولة (سواء أكانت مؤسسية أم لا)؛ (ج) استخدام المركبات ذات الأغراض الخاصة؛  (د) الموقف المتعلق بالتعويض عن الإنهاء. ومن خلال مجموعة من اللجان القطاعية، سيعالج المركز الوطني للتخصيص في السعودية هذه القضايا، ويطلع على إجراءات الموافقة المالية اللازمة.

الموارد البشرية

حيثما يتم تنفيذ الشراكة بين القطاعين العام والخاص (أو إقامة الشركات)، فإن وضع القوى العاملة كان دائمًا سببًا رئيسيًا للقلق؛ وسوف يكون للموقف في المملكة نفس الديناميكية- وتعتبر الشراكة بين القطاعين العام والخاص مفهومًا صعبًا بالنسبة للكثيرين في القطاع العام، مما يجلب مخاطر كبيرة وفرصًا كبيرة في نفس الوقت. وفي جميع أنحاء العالم، تم اعتماد العديد من النهج التي تحمي على حدٍ سواء نقل حقوق الموظفين، وتُمكّن أيضًا القطاع الخاص من إدارة الكفاءة والقيمة مقابل المال. وقد تباينت هذه النهج أحيانًا بين قطاعات ودرجات الموظفين، ولكنها تسعى عمومًا إلى الحفاظ على الحقوق التعاقدية القائمة للموظفين مع تحسين معايير الأداء.

كما أن المسألة مُعقّدة في نهاية المشروع أيضًا، كما هو الحال في بدايته، لذلك فإن مشاريع الشراكة بين القطاعين العام والخاص طويلة الأجل يجب أن تلبي احتياجات الموقف عند انتهائها وكذلك في بدايتها. وكثيرًا ما يكون للدولة دور في تأمين تكاليف العمالة إلى حد ما. على سبيل المثال، في حالة تَخلّف السلطة عن السداد، سيكون من المعتاد أن تتحمل الحكومة أي تكاليف إضافية أخرى؛ وستتطلب كافة هذه القضايا (والمسألة المرتبطة بحقوق المعاشات التقاعدية) معايرة دقيقة عبر سوق المملكة العربية السعودية، ومستوى عال من المشاركة المسبقة لأصحاب المصلحة.

التأمين

يتمثل الهدف من ذلك في تزويد المواطنين بأعلى مستويات الرعاية الصحية، مع السماح للحكومة في الوقت نفسه بالتركيز على أدوارها التشريعية والتنظيمية والإشرافية. وفي حين كان هناك دائمًا قطاع خاص مزدهر في البلاد، فإن هذا هو نتيجة التغيير الكبير في التوفير والتنظيم الأوسع. وسيؤدي الانتقال إلى نهج يعتمد على النتائج قائم على التكليف والتوفير إلى فرض تحديات مؤسسية ومالية- ليس أقلها فيما يتعلق بإنشاء ومعايرة الآليات المناسبة لاسترداد التكاليف في مجموعة من السكان المحليين، وهو أمر غير مؤمّن على الإطلاق في إطار الرعاية الصحية.

وتوضح الرؤية أن الدولة ستعمل على تطوير التأمين الطبي الخاص لتحسين فرص الحصول على الخدمات الطبية والحد من أوقات الانتظار للتعيينات مع المتخصصين والاستشاريين. وأشار تقرير صدر مؤخرًا عن مركز غرفة الشرقية بالمنطقة الشرقية إلى أن "شركات التأمين ستكون أكبر المستفيدين من نظام الرعاية الصحية الجديد، حيث ستحصل على فرصة لتوفير تغطية تأمينية لملايين السعوديين والعمال الوافدين، حيث ستجمع عائد سنوي بمقدار 50 مليار ريال سعودي مع نصيب للفرد بمقدار 2,500 ريال سعودي". إن إدراج نظام صحي يقوده التأمين في الاقتصاد الصحي الجديد في البلاد سيكون أمرًا صعبًا، وخاصة فيما يتعلق بآليات استرداد التكاليف اللازمة للشراكات طويلة الأجل بين القطاعين العام والخاص.

الأوقات الصعبة

يتضح تمامًا أن سوق الرعاية الصحية السعودية لديه العديد من الأجزاء المتحركة، كل منها يتكرر بدرجات متفاوتة مع الآخرين، وكثير منها يقدم ضروراته السريرية والتنظيمية والمالية والقانونية الفريدة الخاصة به. وقد تم وضع قدر كبير من الأساس من حيث المرحلة التالية من تنفيذ الرؤية وبرنامج التحول الوطني؛ ويتمثل التحدي الرئيسي الآن في الحفاظ على الزخم عبر الرؤية وتعزيز الثقة في السوق التي يمكن للمملكة تقديمها في ميثاق الرعاية الصحية. 

فرانسيس باتالونغ - f.patalong@tamimi.com - الرياض

© Al Tamimi & Company 2018