زاوية عربي

تقرير مطول مقدم من عمرو حسين الألفي، رئيس قسم البحوث في شركة برايم لتداول الأوراق المالية، لزاوية عربي

لكل زمان رجال ولكل مقام مقال ولا يبقى شيء على حاله فالتغيير هو سُنَّة الحياة، وقطاع الاتصالات المصري الذي أثَّر في حياة المصريين طوال تاريخه ليس بمعزل عن هذا التغيير. في الماضي، كان مجرد الحصول على جهاز الهاتف الأرضي أو "العدة"  قبل توصيل  "الحرارة"  حلماً لا يتحقق قبل مُضي عشر سنوات في المتوسط. أما توصيل "الحرارة" فكان ضرباً من الخيال.

تطور قطاع الاتصالات المصري من الخطوط الثابتة إلى المحمول، فإنترنت فائق السرعة فتح آفاقاً جديدة للنمو في القطاع نفسه وكل القطاعات الاقتصادية الأخرى.

بالأمس

أتذكر أن والدي قدَّم طلب اشتراك هاتف ثابت في عام 1988 بمنطقة العجمي بالإسكندرية ولم يحصل عليه قبل عام 1999! وكان الحصول على خطي هاتف أرضي في نفس المنزل يحتاج إلى  "واسطة"!  فمنذ أكثر من عشرين عاماً مضت، اشتركتُ في خط هاتف أرضي ثاني لتوصيله بالإنترنت الـ dial-up مع وجود modem لتجنب انقطاع الاتصال عند استقبال مكالمة صوتية واضطررت للذهاب من مصر الجديدة —حيث كنت أعيش— إلى منطقة المهندسين للاشتراك لمدة سنة مقدماً.

كنت أنتظر اتصال شبكة الإنترنت بفارغ الصبر حيث كان لذلك الأزيز الصادر من جهاز الـ modem سحر خاص عند الاتصال بمقدم خدمة الإنترنت قبل الدخول لموقع معين أو حتى قراءة رسالة بريدية واحدة تم استلامها خلال الـ 24 ساعة الماضية.

وعندما قررت شراء خط هاتف محمول في عام 1999، ذهبت لشراء الكارت المدفوع مقدماً لأُصطدم بعدم توافر خطوط جديدة ولكن رجل الأمن بالمتجر وعدني بتوفير خط جديد نهاية اليوم. الجدير بالذكر أن سعر الخط الجديد كان بـ 1500 جنيه مصري عام 1999 وكانت تكلفة دقيقة المحمول حوالي 1.75 جنيه حينها والجزء من الدقيقة يتم حسابه مثل الدقيقة!

اليوم

عشرون عاماً مضت منذ ذلك الوقت، واليوم نجد بيوتاً لديها فقط خط أرضي واحد ليس إلا للاشتراك في خدمة الإنترنت فائق السرعة، فبدون خط أرضي لن تستطيع الاستفادة من هذه الخدمة الجديدة.
ودون ذلك نجد بيوتاً بدون خط أرضي فكل فرد من أفراد الأسرة يمتلك هاتفاً محمولاً.

وبلغ عدد مشتركي الهاتف المحمول حوالي 100 مليون مشترك بنسبة اختراق (أي عدد خطوط الهواتف المحمولة مقارنة بعدد السكان) بلغت أكثر من 100% وبدلاً من شركتين أصبح هناك أربع شركات للهاتف المحمول تتنافسن الآن فيما بينهن للحصول على عميل اشتراك شهري أو خط مسبق الدفع.

ولكن لا تزال الشركة المصرية للاتصالات تحتكر سوق الهاتف الأرضي بالرغم من إتاحة تقديم خدمات الهاتف الأرضي للمشغلين الآخرين حيث تتمتع الأولى ببنية تحتية في كافة أنحاء الجمهورية من خطوط نحاسية وألياف ضوئية وكابلات تحت الأرض وتحت البحر من الزعفرانة شرقاً حتى أبو تلات بالإسكندرية غرباً.

خلال العشرة أعوام الماضية انخفض عدد مشتركي الخط الثابت من حوالي 10 مليون مشترك للنصف، نتيجة تنقية الخطوط غير النشطة، حتى بدأ العدد في الارتفاع مجدداً مع ارتفاع الطلب على خطوط الإنترنت الثابت وفائق السرعة.

بلغ عدد مشتركي الخط الثابت في مصر حوالي 8.8 مليون مشترك بنهاية عام 2019 بارتفاع سنوي 11% في حين بلغ عدد مشتركي الإنترنت الثابت أكثر من 7 مليون مشترك. 

وتحتل الشركة المصرية للاتصالات المركز الأول والأوحد دون منازع في قطاع الخط الثابت وحصة سوقية تقارب الـ 80% من حيث الإنترنت الأرضي. 

أما بالنسبة للهاتف المحمول فتقتنص شركة فودافون مصر حوالي 40 مليون مشترك كأكبر شبكة محمول في مصر، تليها شركة أورنج مصر بـ 28 مليون مشترك وشركة اتصالات مصر بـ 26.5 مليون مشترك وأخيراً شبكة "وي" المملوكة للشركة المصرية للاتصالات بأكثر من 5 مليون مشترك.

حجم السوق ... من 1998 حتى 2008

عندما تم خصخصة قطاع الاتصالات عام 1998 بطرح شبكتي محمول لمستثمرين من القطاع الخاص، كان اهتمام أي مُشغِّل اتصالات في ذلك الوقت هو الحصول على أكبر عدد من المشتركين قدر المستطاع. 
وبالفعل، كان الهدف الأول هو تنمية قاعدة العملاء سريعاً مع مراقبة أداء الشركة المنافسة حتى دخلت شركة اتصالات مصر السوق في عام 2007 لتصبح شبكة المحمول الثالثة بعد عقد من الزمان تقريباً،  ثم  "وي"  كشبكة رابعة عام 2017 – أي بعد عقد آخر!

فكانت أهم لعبة في هذا القطاع تنمية الحجم بغض النظر عن القيمة التي يتم توليدها من هؤلاء المشتركين، فالسوق كان لا يزال بكراً ويسمح بالنمو الكمي.

إيرادات السوق ... من 2009 حتى 2019

بعد اقتراب عدد مشتركي المحمول من عدد السكان، اتجهت الشركات المصرية إلى النمو الكيفي فبدأت تستهدف خلق قيمة مستدامة من كل مشترك فتدرس كل شركة عملاءها من حيث خصائص استخدامهم وسلوكهم لتقديم خدمات ذات قيمة مضافة مثل الإنترنت المحمول ذو النطاق العريض (mobile broadband).

وتيقنت شركات المحمول أنها لن تستطيع المنافسة مع الشركة المصرية للاتصالات في قطاع الهاتف الثابت فاتجهت الشركات إلى عقد اتفاقيات معها لاستخدام البنية التحتية الخاصة بها مما سيوفر لهم مئات الملايين من الدولارات لتركز هي على دورة حياة العملاء وكيفية خلق قيمة مستدامة منهم من خلال تقديم خدمات المحتوى.

بالفعل كانت فودافون مصر وأورنج مصر الشركتين الرائدتين في تزويد عملائهما بمحتوى ذي قيمة مضافة فالأمر لم يعدو مجرد عدد كبير من المشتركين يقومون باستخدام الهاتف المحمول بل تعدى ذلك ليقوموا بنسف فكرة الاستغناء عن الهاتف المحمول في أي وقت خلال الـ 24 ساعة يومياً! بمعنى آخر، أصبح الهاتف المحمول إدمان العصر الحديث. 

ولك أن تتخيل أن حجم إيرادات شركات الاتصالات الأربعة فقط بلغ حوالي 80 مليار جنيه سنوياً أو ما يعادل 5 مليار دولار أمريكي وهو ما يمثل أقل من 2% من إجمالي الناتج المحلي لمصر ولكن توغل القطاع في كافة القطاعات الاقتصادية الأخرى يجعل مساهمته في الاقتصاد أكبر من ذلك بكثير.

التطور المستمر لقطاع الاتصالات المصري

إن قطاع الاتصالات في مصر ليس مجرد قطاع اقتصادي فحسب، بل تعددت أدواره على مدار الزمان ليصبح أحد أدوات تمكين كل القطاعات الاقتصادية الكبرى الأخرى.

بل تقاربت مميزات هذا القطاع مع بعض القطاعات الأخرى لتكملها، ولتساعدها على النمو بوتيرة أسرع.

فعلى سبيل المثال، أذكر هنا بعض القطاعات التي تقاربت مع قطاع الاتصالات لتساعد على تسريع التطور الاقتصادي.

أولاً، أصبح النطاق الأوسع لقطاع الاتصالات يشمل قطاع التكنولوجيا والإعلام فتم دمج القطاعات الثلاثة تحت مظلة واحدة تسمي TMT أو Telecom, Media & Technology حيث إن قطاع الاتصالات لا يستقم بدون بنية تكنولوجية قوية من جهة ولا غنى عن الإعلام كأحد روافد قطاع الاتصالات لتوصيل المحتوى المرئي أو المسموع أو الإلكتروني من خلال القنوات المختلفة لقطاع الاتصالات، مثل الخط الثابت والهاتف المحمول.

مؤخراً بدأنا نرى خدمات المحتوى المرئي يتم تقديمها من خلال الإنترنت حسب الطلب (Video on Demand) مثل خدمة Watch It، ناهيك عن مواقع التواصل الاجتماعي التي انتشرت بصورة غير مسبوقة وأصبحت في أغلب الأحيان المصدر الأساسي للأخبار.

ثانياً، بدأ قطاع الاتصالات مؤخراً في التقارب مع قطاع الخدمات المالية مما نتج عنه ما يسمى بالتكنولوجيا المالية (FinTech).

فالنظام المصرفي التقليدي لم يعد يستطيع وحده أن يواكب التطور السريع لمتطلبات عملائه من حيث سرعة ودقة وسهولة تنفيذ العمليات المصرفية مما نتج عنه البنوك الإلكترونية وتداول الأوراق المالية من خلال مواقع الإنترنت وتطبيقات الهاتف المحمول المختلفة.

فساعد قطاع الاتصالات في مبادرة البنك المركزي المصري للشمول المالي وأصبح المواطن المصري متصلاً بالخدمات البنكية والأخرى غير البنكية مثل خدمات الدفع الإلكتروني من خلال شركة  "فوري"  وشركة  " مصاري"  وغيرهما من الشركات المثيلة، مستفيداً من انتشار الهواتف الذكية.

وبالفعل، بلغ عدد مشتركي البيانات المحمولة حوالي 40 مليون مشترك بالإضافة إلى حوالي 4 مليون مشترك من خلال جهاز الـ USB.

ماذا بعد؟

كان تطور قطاع الاتصالات المصري خلال العشرين عاماً الأخيرة بمثابة قاطرة النمو لكافة القطاعات الاقتصادية المختلفة.

فترى قطاع السياحة يستخدم قنوات الاتصالات المختلفة للوصول للعملاء، وتحولت الشركات الاستهلاكية للأونلاين لتوفير نفقات فتح فروع تنتشر في كافة أرجاء الجمهورية،  بتوصيل الطلبات للمستهلكين أينما كانوا من خلال شركات خدمات التوصيل التي تم إنشاؤها.

وحتى في قطاع التعليم، لجأت بعض المدارس مؤخراً نتيجة انتشار فيروس كورونا المستجد (COVID-19) إلى استخدام التكنولوجيا في تطبيقات التعلم عن بُعد من خلال الإنترنت.

ومن المؤكد أن التطور في قطاع الاتصالات المصري لن يقف عند هذا الحد. فهناك تطبيقات جديدة لم يتم استخدامها بعد في مصر مثل خدمات الجيل الخامس من الهواتف المحمولة والتي تقوم على البث المباشر للبيانات (Streaming Data) بسرعات فائقة يمكن أن يتم استخدامها فيما يسمى بإنترنت الأشياء (Internet of things) .

الأولى تساعد المستخدم على مشاهدة البث المباشر لفيديوهات حية أو مسجلة بسرعة فائقة في حين أن الأخرى تمكن المستخدم من التحكم في أجهزة منزلية أو شخصية عن بعد.

فلا عجب أن تقوم بعض الشركات بمحاولة اقتناص شركات مصرية عن طريق الاستحواذ (مثل محاولة شركة STC السعودية الاستحواذ على شركة فودافون مصر مؤخراً) في سوق قد يبدو متشبعاً من حيث عدد المشتركين.

فالقيمة الكبرى تكمن في كيفية تقديم خدمات ذات قيمة مضافة لهؤلاء المشتركين أياً كان القطاع الاقتصادي الذين ينتمون إليه. وطالما هناك معدل نمو اقتصادي في مصر، فحتماً سيكون هناك نمو في قطاع الاتصالات المصري.

(للتواصل: ياسمين صالح، yasmine.saleh@refinitiv.com)

© ZAWYA 2020

إخلاء المسؤوليّة حول المحتوى الأصلي
تم كتابة محتوى هذه المقالات وتحريره من قِبل ’ ريفينيتيف ميدل ايست منطقة حرة – ذ.م.م. ‘ (المُشار إليها بـ ’نحن‘ أو ’لنا‘ (ضمير المتكلم) أو ’ ريفينيتيف ‘)، وذلك انسجاماً مع
مبادئ الثقة التي تعتمدها ريفينيتيف ويتم توفير المقالات لأغراض إعلاميةٍ حصراً؛ ولا يقترح المحتوى أي استشارات بخصوص جوانب قانونية أو استثمارية أو ضريبية أو أي آراء بشأن ملاءمة أو قيمة أو ربحية أي استراتيجية معيّنة تتعلق بالاستراتيجية الأمنية أو المحافِظ أو الاستثمار.
وبموجب الحد الذي يسمح به القانون المعمول به، لن تتحمّل ’ ريفينيتيف ‘، وشركتها الأم والشركات الفرعية والشركات التابعة والمساهمون المعنيون والمدراء والمسؤولون والموظفون والوكلاء والمٌعلنون ومزوّدو المحتوى والمرخّصون (المشُار إليهم مُجتمعين بـ ’أطراف ريفينيتيف ‘) أي مسؤولية (سواءً مجتمعين أو منفردين) تجاهك عن أية أضــرار مباشــرة أو غيــر مباشــرة أو تبعيــّة أو خاصــة أو عرضيّة أو تأديبية أو تحذيريّة؛ وذلك بما يشمل على سـبيل المثـال لا الحصـر: خسـائر الأرباح أو خسارة الوفورات أو الإيرادات، سـواء كان ذلك بسبب الإهمال أو الضـرر أو العقـد أو نظريـات المسـؤولية الأخرى، حتـى لـو تـم إخطـار أطـراف ’ ريفينيتيف ‘ بإمكانيـة حـدوث أيٍ مـن هـذه الأضرار والخسـائر أو كانـوا قـد توقعـوا فعلياً حدوثهـا