جاءت زيارة مستشار الأمن القومي الإماراتي الشيخ طحنون بن زايد لطهران لتتوج عدد من الخطوات التي تنم عن تقارب بين البلدين في الفترة الأخيرة. وأثارت الزيارة التي جرت الأسبوع الحالي العديد من التساؤلات حول مدى هذا التقارب وآثاره المحتملة على المنطقة.

ونحاول في السطور القادمة الإجابة عن تلك التساؤلات من خلال النظر في أبعاد الزيارة.

أتت زيارة الشيخ طحنون كاستجابة إلى دعوة أمين المجلس الأعلى للأمن القومي الإيراني الأميرال علي شمخاني، وهي الاولى لمسؤول إماراتي منذ قطع العلاقات الإيرانية السعودية في عام 2016 عقب إعدام الاخيرة رجل الدين الشيعي نمر النمر، الأمر الذي أعقبه خفض الإمارات لعلاقاتها الدبلوماسية مع طهران لكنها لم تقطعها بشكل كامل مثل السعودية.

وأعرب الرئيس الإيراني ابراهيم رئيسي خلال الاجتماع بطحنون عن ترحيبه بتطور العلاقات مع الإمارات، قائلا إن "العلاقات الجيدة مع دول المنطقة من أولويات السياسة الخارجية للحكومة الجديدة"، وفقا لما نقلته وكالة الانباء الايرانية الرسمية. 

وخلال الزيارة تلقى رئيسي دعوة من طحنون لزيارة الإمارات، وهي ستكون الزيارة الاولى لرئيس إيراني للدولة الخليجية منذ عام 2007. 

ويترأس طحنون الذي قاد الوفد الإماراتي خلال الزيارة عدد من المؤسسات الاقتصادية الضخمة في البلاد وهو أيضا مسئول عن ملفات هامة منها تفشي فيروس كورونا والعلاقات مع إيران، ويعتبر أحد أهم المسؤولين الإماراتيين. 

ويأتي هذا التقارب وسط توتر العلاقات بين إيران ودول مجلس التعاون الخليجي. فالشهر الماضي، أصدر ممثلو الولايات المتحدة ومجلس التعاون الخليجي تحذير مشترك لايران، متهمين إياها بزعزعة استقرار المنطقة عن طريق تطوير تطوير صواريخ بالستية وطائرات مسيرة، وهي اتهامات متكررة دائما ما تنكرها طهران.

صواريخ وتقارب

ويشير جيمس دورسي، وهو زميل أول في كلية راجاراتنام للدراسات الدولية في سنغافورة، ومعهد الشرق الأوسط التابع لجامعة سنغافورة الوطنية، إلى أن التقارب بين الإمارات وإيران بدأ منذ 2019 بعد هجمات متكررة ضد منشآت نفطية مملوكة للسعودية، والتي اتهمت الأخيرة إيران بالضلوع فيها.

ووفقا لتقارير إعلامية، بدأت الإمارات في التواصل مع إيران بشكل غير معلن بعد تلك الهجمات في محاولة لإصلاح العلاقات والحد من التوتر في المنطقة.

وفي العام الماضي، بادرت الإمارات بإرسال مساعدات طبية لإيران التي كانت تعاني من اعلى نسب اصابات فيروس كورونا في العالم خلال المراحل الأولى من الجائحة.

وقال دورسي لزاوية عربي في اتصال هاتفي إن "الإماراتيون كانوا من أوائل الذين عرضوا على الإيرانيين مساعدات إنسانية" آنذاك، مما دلل على رغبتهم في تحسين العلاقات بين البلدين.

وبجانب الإمارات، كانت قطر هي الدولة الخليجية الأخرى التي أرسلت مساعدات لإيران خلال تلك الفترة.

تعاون اقتصادي محدود

وفي الشهر الماضي، أعلنت السلطات الإيرانية أن طهران افتتحت طريق تجاري جديد يربط بين الإمارات وتركيا، وهو طريق بديل لنقل البضائع من ميناء الشارقة إلى ميناء مرسين التركي عبر مضيق باب المندب والبحر الأحمر وقناة السويس.

ويستبعد دورسي أن تقوم الحكومة الإماراتية بتقديم وعود باستثمار مليارات الدولارات كما فعلت في تركيا، وذلك لأن العقوبات الامريكية على إيران تحد من سقف التعاون المتوقع مع طهران.

وكان ولي عهد أبوظبي الشيخ محمد بن زايد آل نهيان قد زار تركيا في آخر الشهر الماضي حيث تم الإعلان عن توقيع اتفاقيات ومذكرات تفاهم في مختلف القطاعات وتأسيس صندوق بقيمة 10 مليار دولار لدعم الاستثمارات في تركيا تركز على الطاقة والصحة والغذاء.  

هل تُحدث الإمارات فرق في الملفات الكبيرة؟  

ويعتقد دورسي أنه من غير المتوقع أن تحقق الإمارات تقدم في الملفات الأكثر حساسية بخصوص طهران، وعلى رأسها المحادثات النووية التي لم تحرز أي تقدم حتى الآن. 

وقال: "لا يوجد أي إشارات على الإطلاق.. أن الإيرانيون سيقدّمون تنازلات فيما يتعلق بالوكلاء [حزب الله والمليشيات في العراق] وبرنامج الصواريخ البالستية" التي تقول الولايات المتحدة أنه يمثل تهديد صريح لأمن واستقرار المنطقة. 

وتربط إيران علاقات وثيقة بحزب الله اللبناني الشيعي المسلح بالإضافة في مليشيات في العراق، ودائما ما يتم ربط أي هجمات من جانب تلك الأطراف بطهران، ويتم وصفهم بأنهم وكلاء حرب يعملون لصالح الحكومة الايرانية. 

وأضاف دورسي أن الإيرانيين ضعفاء في الجو "وفي البحر لديهم قوارب صغيرة وخطوط الدفاع لديهم هي الوكلاء"، بينما تمثل الصواريخ البالستية سلاحهم الاقوى.  

واكمل: "الطريقة الوحيدة لكي يكون هذين الموضوعين قابلين للنقاش بأي شكل جاد سيكون من خلال نقاش امني أوسع وأشمل بكثير" على مستوى المنطقة وليس من خلال أي محادثات ثنائية، وهو ما ليس من المتوقع أن يحدث في المستقبل القريب على حد تعبيره.

الجزر المحتلة

وقال دورسي إن ما قد يعقد المحادثات بين الإمارات وإيران هو احتلال الاخيرة لجزر إماراتية منذ أربعة عقود، مشيرا الى أن "لا يوجد أي إشارات أن إيران في الوقت الحالي تنوي التخلي عن الجزر الإماراتية المحتلة".  

وتحتل إيران جزر طنب الكبرى وطنب الصغرى وأبو موسى منذ عام 1971، قبل فترة قصيرة من تأسيس دولة الإمارات ونيل استقلالها عن بريطانيا. وتطالب الإمارات إيران بإنهاء احتلال الجزر الاماراتية الثلاث بشكل سلمي.

وفي كلمة ألقاها في الجمعية العامة للأمم المتحدة في سبتمبر الماضي، كرر وزير الخارجية الإماراتي خليفة شاهين المرر المطالبة بإنهاء الاحتلال الإيراني للجزر الثلاث، قائلا "سنواصل دعوة إيران لاحترام القانون الدولي، ومبادئ حسن الجوار، وحل النزاعات بالطرق السلمية".

وفي الشهور الماضية، بدأت أيضًا محادثات بين السعودية وإيران في محاولة لتحسين العلاقات المضطربة، قبل أن يتصدر التقارب الإماراتي الإيراني المشهد.

ويقول دورسي إنه لا يمكن التكهن بمدى فاعلية المحادثات السعودية الايرانية التي لم يتم الإعلان عن نتائجها بشكل رسمي.

مهمة "صعبة"

يقول توربجورن سولفيديت، وهو محلل رئيسي لمنطقة الشرق الأوسط وشمال أفريقيا في شركة Verisk Maplecroft البريطانية لاستشارة المخاطر، إن "الاختلافات في التعامل مع إيران داخل مجلس التعاون الخليجي كانت دائما مصدر خلاف"، وبالاخص مع قطر.

وكان التقارب بين إيران وقطر من أسباب قطع كل من السعودية والإمارات ومصر والبحرين العلاقات الدبلوماسية مع قطر لمدة ثلاث سنوات.  

وصرح سولفيديت لموقع زاوية عربي أن الإمارات تواجه مهمة "صعبة" في موازنة علاقاتها مع إيران بشكل متوافق مع جيرانها في مجلس التعاون. 

وأضاف أن اتفاقية التطبيع بين الإمارات وإسرائيل تزيد من صعوبة تحقيق ذلك، نظرا للتوتر بين الدولة العبرية وإيران.

وكانت الإمارات قد وقعت العام الماضي على اتفاق لتطبيع العلاقات مع إسرائيل، أعقبه تقارب شديد بين الدولتين.

الخوف من الفراغ السياسي 

ويعتقد دورسي أن التقارب الاماراتي الايراني الاخير هو استكمال لخطوات تم اتخاذها من الدول المؤثرة في المنطقة للحد من الخلافات والتوتر الإقليمي خوفا من حدوث فراغ سياسي.  

وقال: "ما اظن اننا نراه هو ليس فقط (تقارب) بين الإمارات وإيران، ولكن بين الست الكبار في الشرق الاوسط" باستثناء اسرائيل، وهم السعودية والإمارات وقطر ومصر وتركيا وإيران.

ففي مطلع العام الحالي، تم اعادة العلاقات الدبلوماسية بين كل من السعودية والإمارات ومصر والبحرين مع قطر بعد نحو ثلاث سنوات من المقاطعة على خلفية اتهام الاخيرة بدعم الإرهاب في المنطقة.

كذلك شهدت مصر وتركيا خطوات لتحسين العلاقات الثنائية بينهما، والتي تدهورت بشدة عقب الاطاحة بالرئيس المصري الراحل محمد مرسي، أحد الحلفاء المقربين لتركيا.

من جانب آخر، بدأ ولي العهد السعودي الأمير محمد بن سلمان يوم الاثنين جولة رسمية لدول مجلس التعاون الخليجي تشمل سلطنة عُمان، والإمارات وقطر والبحرين والكويت، لبحث العلاقات الثنائية ومناقشة قضايا مختلفة.

وردد دورسي ما يقوله كثير من المحللين، بأن من أسباب الجهود المبذولة  لتحسين العلاقات في المنطقة هو توقعات بعدم رغبة الإدارة الأمريكية في الانخراط في المنطقة خلال الفترة القادمة، وذلك بعد أن انسحبت القوات الأمريكية من أفغانستان في وقت سابق من العام الحالي.

وأشار المحلل أن هناك توقعات أيضا بأن لدى الصين وروسيا نفس الرغبة في عدم الانخراط، مما يزيد من مخاوف خلق فراغ سياسي، وهو الأمر الذي دفع كبار المنطقة إلى تحسين العلاقات.  

واضاف دورسي أن "كل هذه البلدان في حاجة إلى راحة للتركيز على الاقتصاد"، خاصة لإصلاح ما أفسدته الجائحة.

(إعداد: شريف طارق، ويعمل شريف مع أهرام اونلاين وافريكا ربورت، وهو أيضا رئيس تحرير نشرة دلتا دايجست، وقد عمل سابقا في مؤسسات إعلامية أخرى من بينها لوس أنجلوس تايمز)      

(تحرير: أحمد فتيحه، للتواصل: ahmed.feteha@refinitiv.com)

#تحليلمطول

© ZAWYA 2021

بيان إخلاء مسؤولية منصة زاوية
يتم توفير مقالات منصة زاوية لأغراض إعلاميةٍ حصراً؛ ولا يقدم المحتوى أي نصائح قانونية أو استثمارية أو ضريبية أو أي آراء تتعلق بملاءمة أو قيمة ربحية أو استراتيجية ‏سواء كانت استثمارية أو متعلقة بمحفظة الأعمال . للشروط والأحكام