أدى جنوح سفينة الحاويات الضخمة في قناة السويس إلى انسداد شريان تجاري عالمي رئيسي يعد ممر حيوي بين الشرق والغرب.

تمر حوالي 12% من التجارة العالمية عبر قناة السويس، وتحمل أكثر من تريليون دولار من البضائع سنويًا. وتشكل سفن الحاويات الآن الجزء الأكبر من حركة المرور في السويس، وتقدر إيرادات القناة لمصر في العام الماضي بحوالي 5.6 مليار دولار.  

وبالرغم من انها ليست هذه هي المرة الأولى التي تعلق فيها سفينة في قناة السويس، الا ان الأمر يبدو مختلف اليوم حيث تضمنت العمليات السابقة سفن أصغر حجمًا وأعيد تعويمها مع القليل من الاضطراب.

والمشكلة الآن نظرا لحجم السفينة إن التأخير الطويل في إنقاذها سيضر بسلاسل التوريد وقد تؤدي التكاليف المتزايدة إلى تضخم كل شيء من أسعار النفط إلى السلع الأساسية. اما في حال أعيد فتح القناة بسرعة، فمن المفترض أن تتمكن السفن المنتظرة الآن من تعويض الوقت بدون حدوث الكثير من الاضطراب في سلاسل التوريد العالمية المثقلة بالفعل بازدحام الموانئ وتأخيرات النقل الداخلي الناجم عن جائحة فيروس كورونا. 

أوروبا وأمريكا سيتأثران

اليوم، يبدو اضطراب التجارة العالمية هائل. هناك أكثر من 200 سفينة تنتظر استخدام القناة والعدد آخذ في الازدياد وسوف يتعين على شركات الشحن اتخاذ القرار الصعب بشأن ما إذا كانت ستعدل المسار حول رأس الرجاء الصالح. ستؤدي هذه الخطوة إلى تأمين إضافي وتكاليف شحن أخرى وتأخير عمليات التسليم لأسابيع.  

سيكون التأثير الأكبر محسوس في السوق الأوروبية، والتي تعتمد بشكل كبير على التحويلات عبر القناة، ولكن نظرًا للطبيعة المترابطة للتصنيع والتجارة العالميين، فمن المحتمل أن يكون هناك تأثير غير مباشر على الولايات المتحدة. 

قطاع التصنيع في أوروبا سيكون على الأرجح أكثر تأثرًا في البداية، حيث تأتي مكونات مثل قطع غيار السيارات من آسيا ليتم تجميعها في أوروبا. ومع ذلك، إذا طال امد الأزمة، فقد تبدأ القطاعات الأخرى في الشعور بالضيق أيضا. 

هل يعني الإغلاق الطويل ارتفاع الأسعار؟ 

قد يكون للتأخير لمدة أسبوع لبضع مئات من السفن تأثير ضئيل فقط على المستهلكين، لكن التأخير الطويل قد يزيد من تكلفة الشحن، ويعقد عمليات التصنيع ويؤدي في النهاية إلى صدمة تضخمية يمكن أن تصيب المستهلك مباشرة. 

سترتفع تكاليف التشغيل بشكل كبير، حيث ان المزيد من الأيام في البحر ستزيد حتما من استهلاك الوقود. وبحسب خبراء في عمليات الشحن الدولية، يمكن لسفن الحاويات الضخمة حرق ما يعادل من 100الى 150 طن من الوقود يوميًا. هذا يعادل 80,000 دولار في اليوم من الوقود ووقت سفر إضافي 10 أيام بين أوروبا وآسيا، أي ما اجماله 2 مليون دولار ذهابا وإيابا.  

التأمين هو اعتبار آخر. إن المالكون الذين يتحملون هذه العواقب المالية سيطالبون شركات التأمين بتعويضهم، ومن الواضح أن ذلك سيؤدي إلى ارتفاع كبير في أقساط التأمين.  

ماذا عن النفط؟ 

وفقا لرويترز، فان أسعار الشحن للمنتجات البترولية قد تضاعفت تقريبًا منذ بداية أزمة انسداد القناة. وعلى الرغم من أن أسعار النفط سوف تتعرض للضغط في أعقاب الحادثة، إلا أن ارتفاعها حتى الآن قد تضاءل بسبب انخفاض الطلب نتيجة عمليات الإغلاق في أوروبا مع انتشار موجة جديدة من جائحة كورونا. 

ولكن، إذا ظلت القناة مغلقة لأكثر من أسبوع، فمن المحتمل أن نشهد بعض الاضطرابات في تدفقات النفط بين الشرق الأوسط وأوروبا والتي قد تؤثر على الأسعار عالميًا.  

دروس وعبر  

قد يكون من السابق لأوانه معرفة التأثير الاقتصادي الكامل للأزمة، لكن التداعيات المحتملة ستزداد كلما طال الاضطراب.  ولكن الأزمة اليوم  تسلط الضوء على مدى ترابط وأهمية سلسلة التوريد العالمية، ولماذا يحتاج العالم إلى التأكد من إيجاد اليات عمل لمعالجة بعض هذه القضايا عند ظهورها والتعامل معها بسرعة.  

ان الحادث يجب ان يتحول الى نداء إيقاظ وموعظة يجب تعلم الدروس منه.

إن الحادث سيكون فرصة ضائعة إذا لم تتكيف الصناعة. ستكون هناك سفن أكبر من تلك التي تمر عبر السويس والحادث القادم سيكون أسوأ.  

 

لقراءة مقالات أخرى لنفس الكاتب:  

عٌمان والنفط: نعمة ونقمة  

اغتيال الليرة 
 اقتصاديات ما بعد كورونا... العالم تغير كثيرا 

كورونا والاقتصاد ونحن ..كيف سنتغير؟    

القطاع المصرفي وامتحان فبراير: (الجزء الثاني)   

لبنان.. الطريق الى جهنم   

مئوية لبنان الكبير: لحظة الانبعاث او الزوال    

هل يطلق كورونا عصر العملات المشفرة؟  

لبنان في زمن التسويات الكبرى أوالحروب الكبرى  

سلطنة عمان : أحلام كبيرة تصطدم بالواقع الصعب؟   

لبنان : المصائب لا تأتي فرادى    

كورونا والكويت، كيف يبدو الوضع؟     

قرار الطرح العام أو الاستمرار كشركة خاصة.. هل هو اختيار بين جنة ونار؟   

العراق الجريح: بلد الفرص الضائعة  

لبنان إلى  أين ؟    

السودان: الصفقة والفرصة التي لا تفوت    

الكويت: الوضع الصعب  

(إعداد:  محمد طربيه، المحلل الاقتصادي بزاوية عربي و أستاذ محاضر ورئيس قسم العلوم المالية والاقتصادية في جامعة رفيق الحريري بلبنان 

(للتواصلyasmine.saleh@refinitiv.com

 

© Opinion 2021

المقال يعبر فقط عن أراء الكاتب الشخصية
إخلاء المسؤوليّة حول المحتوى المشترك ومحتوى الطرف الثالث:
يتم توفير المقالات لأغراض إعلامية حصراً؛ ولا يقدم المحتوى أي استشارات بخصوص جوانب قانونية أو استثمارية أو ضريبية أو أي نصائح أو أراء بشأن ملاءمة أو قيمة أو ربحية استراتيجية استثمارية معيّنة.