08 11 2017

– دبي، الإمارات العربية المتحدة

أكدت إحدى الدراسات الهامة في مجال التحكيم الدولي، والتي تم نشرها في تسعينيات القرن الماضي، أن أحد المبادئ الأساسية– وأحد المزايا الرئيسية للتحكيم الدولي هو سريته"؛ ولا يزال هذا الأمر قائمًا حتى وقتنا الراهن. فلا تزال السرية من المزايا الرئيسية للتحكيم، وكثيرًا ما يُشار إليها باعتبارها أحد أهم الأسباب التي تجعل الأطراف يفضلون اللجوء إلى التحكيم بدلًا من التقاضي.

لكن في الوقت ذاته يمكن أن يختلف نطاق السرية في التحكيم الدولي من ولاية قضائية إلى أخرى، ومن مرحلة إلى أخري في عملية التحكيم. علاوة على ذلك، فإن أهمية السرية يتم مناقشتها اليوم على نطاق واسع في مجتمع التحكيم الدولي؛ وفي الواقع، فقد أفاد اثنان من الممارسين البارزين في مجال التحكيم الدولي بأن واجب السرية الضمني المنصوص عليه بموجب قوانين إنجلترا وويلز يجب وضع حد له. وفي حين أنهم لا يُصورون سرية عملية التحكيم كشيء سلبي، إلا أنهم يقولون بضرورة أن تكون السرية خيارًا للطرفين، بدلًا من كونها افتراضًا مسبقًا.

وفي ضوء هذا المشهد القانوني المتطور، تقدم المقالة الحالية لمحة عامة حول السرية في التحكيم الدولي، وتسلط الضوء على بعض الظروف التي قد تصبح فيها إجراءات التحكيم ذاتها، أو الحكم الصادر بموجبها، عرضة للخطر.

السرية في دولة الإمارات العربية المتحدة ومنطقة الخليج الكبرى

لا ينص القانون المحلي في دولة الإمارات العربية المتحدة على واجب السرية بصفة عامة؛ ومع ذلك، ففي القضية رقم 157/2009، قضت محكمة التمييز في دبي، وحددت كمبدأ عام، أن التحكيم هو عبارة عن عملية خاصة تتم سرًا، ما لم يتفق الطرفان على خلاف ذلك.

وتُعزز القواعد الإجرائية لمؤسسات وهيئات التحكيم في دولة الإمارات العربية المتحدة هذه الفكرة. حيث ينص مركز دبي للتحكيم الدولي على سرية إجراءات التحكيم "باستثناء ما قد يكون مطلوبًا للكشف عنه من قبل أحد الطرفين بمقتضي واجب قانوني، أو حماية حق قانوني، أو إنفاذ حكم قضائي أو الطعن عليه". وبالمثل، فإن مركز أبو ظبي للتوفيق والتحكيم التجاري وضع قواعد بشأن سرية الأحكام (المادة 28) وجلسات الاستماع (المادة 33).

كما أن السرية فيما يسمي بالولاية القضائية "الخارجية" في الإمارات العربية المتحدة تعد أكثر قوة؛ فبالنسبة لمركز دبي المالي العالمي، تنص المادة 14 من قانون التحكيم في مركز دبي المالي العالمي رقم 1 لسنة 2008 على أنه "ما لم يتفق الطرفان على خلاف ذلك صراحة، يتم الحفاظ على سرية كافة المعلومات التي تتعلق بإجراءات التحكيم، ويستثني من ذلك الحالات التي يكون فيها الإفصاح مطلوبًا بأمر من محكمة مركز دبي المالي العالمي".

وينعكس هذا المعيار على المادة 30 من قواعد مركز التحكيم في مركز دبي المالي العالمي– محكمة لندن للتحكيم الدولي، والتي تنص على أن "يتعهد الطرفان كمبدأ عام بالحفاظ على سرية جميع القرارات الصادرة في إجراءات التحكيم، بالإضافة إلى جميع المواد الأخرى ...... وكافة المستندات الأخرى المقدمة". في حين أن المادة 19 (4) من قواعد مركز التحكيم في مركز دبي المالي العالمي– محكمة لندن للتحكيم الدولي، تنص على أنه " تكون جميع جلسات الاستماع سرية، ما لم يتفق الطرفان على خلاف ذلك كتابة".

كما أن لوائح التحكيم المتبعة في سوق أبو ظبي العالمي تتخذ نهجًا قويًا مماثلًا تجاه السرية؛ حيث تنص المادة 40 من لوائح التحكيم المُتبعة في سوق أبو ظبي العالمي على أنه "ما لم يتفق الطرفان على خلاف ذلك، لا يجوز لأي طرف من الطرفين نشر أو الإفصاح عن أي معلومات سرية [تُعرف بأنها " أي معلومات تتعلق بما يلي: (أ) إجراءات التحكيم المنصوص عليها في اتفاقية التحكيم؛ أو (ب) القرار الصادر في إجراءات التحكيم"] لأي طرف ثالث"، ومن ثم تقديم قائمة بالاستثناءات المحدودة (على سبيل المثال، السعي للحصول على حق قانوني أو التزام قانوني بالإفصاح عن المعلومات إلى هيئة حكومية أو تنظيمية، أو هيئة قضائية)، مما قد يؤدي إلى نشر بعض المعلومات المتعلقة بالتحكيم.

ولا يختلف الوضع السائد في منطقة الخليج العربي كثيرًا، على الرغم من أن قوانين التحكيم الوطنية تميل إلى الصمت بشأن مسألة السرية.

وبالنسبة لمملكة البحرين، فإن قانون التحكيم رقم 9 لسنة 2015، مثله في ذلك مثل قانون الأونسيترال النموذجي الذي يعكسه، لا يزال صامتًا بشأن مسألة السرية؛ ومع ذلك تنص المادة 20 (4) من قواعد غرفة البحرين لتسوية المنازعات على أن "تُعقد جلسات الاستماع بطريقة خاصة وسرية، ما لم يتفق الطرفان على خلاف ذلك، أو ما لم ينص القانون على خلاف ذلك".

وعلى غرار ما ينص عليه القانون البحريني، فإن قانون التحكيم القطري الجديد لا يزال صامتًا بشأن مبدأ السرية. وبموجب ما تنص عليه المادة 41 من قواعد مركز قطر الدولي للتوفيق والتحكيم (QICCA)، فإن كل خطوة من خطوات التحكيم توصف بأنها خطوات سرية، ولا يتم نشرها أو الإفصاح عنها إلا بعد الحصول على موافقة كتابية مسبقة من كافة الأطراف.

هذا وتنص المادة 43 (2) من قانون التحكيم السعودي على أن يظل قرار التحكيم سِرّيًا ما لم يتفق الطرفان على خلاف ذلك صراحة، غير أن القانون لا يتضمن حكمًا يتعلق بسرية الإجراءات القانونية. ويغطي المركز السعودي للتحكيم التجاري كل هذه القواعد بموجب قواعد التحكيم المتبعة فيه. وتنص المادة 38 من قواعد التحكيم في المركز السعودي للتحكيم التجاري على أن "[المعلومات السرية التي يُكشَف عنها أثناء عملية التحكيم من قبل الأطراف أو الشهود لا يجب الإفصاح عنها من قبل المُحكم أو المدير المختص"؛ وتنص المادة على أنه "باستثناء المنصوص عليه في المادة 22 [فيما يتعلق بالامتيازات]، يتعين على هيئة التحكيم والمدير الحفاظ على سرية كافة المسائل ذات الصلة بالتحكيم أو قرار التحكيم ما لم يتم الاتفاق بين الطرفين على خلاف ذلك أو بموجب ما ينص عليه القانون المعمول به.

السرية في التحكيم الدولي خارج منطقة الخليج

بصفة عامة، يتم الاعتراف بالسرية في إجراءات التحكيم في معظم الولايات القضائية السائدة للتحكيم الدولي، وذلك على الرغم من وجود بعض الاختلافات في ملامح السرية المقدمة. وتنص العديد من البلدان على واجب السرية سواء ضمنيًا (مثل إنجلترا وسنغافورة)، أو صراحة (مثل سويسرا وهونغ كونغ)؛ في حين أن البلدان الأخرى، مثل الولايات المتحدة الأمريكية وأستراليا، أكثر ترددًا في إصدار مرسوم أو قرار بشأن التحكيم كوسيلة سرية لتسوية المنازعات، تاركًا القرار للمحاكم أو للطرفين. بينما تقع السويد في الطرف البعيد من هذا الاتجاه، حيث يتم التحكيم بصورة علنية، ما لم يتفق الأطراف على خلاف ذلك.

تفتقر بعض البلدان للدقة في هذه المسألة؛ على سبيل المثال، تنص فرنسا بوضوح على واجب السرية في التحكيم المحلي، لكن ليس من الواضح ما إذا كانت هذه الأحكام تنطبق على التحكيم الدولي أم لا، وهو أمر موضع خلاف بين الممارسين الفرنسيين. كما أن القواعد الإجرائية لمعظم مؤسسات التحكيم الدولية الرئيسية تشير بصفة عامة إلى التحكيم باعتباره سريًا، ما لم يتفق الطرفان على خلاف ذلك. كما تنص محكمة لندن للتحكيم الدولي، والمركز الدولي لتسوية المنازعات، ومركز سنغافورة للتحكيم الدولي، ومركز التحكيم الدولي في هونغ كونغ، على واجب إلزامي بالسرية، ما لم يتفق الطرفان على خلاف ذلك.

تنص المادة 28 (3) من قواعد الأونسيترال للتحكيم على سرية جلسات الاستماع "ما لم يتفق الطرفان على خلاف ذلك صراحة"؛ وتنص المادة 34 (5) على أنه "يجوز أن يكون قرار التحكيم علنيًا وعامًا بموافقة جميع الأطراف". إن استخدام كلمة "يجوز" بدلًا من "يجب" لم تمر دون ملاحظة، وهي تدعو للمرونة.

على الرغم من أن قواعد التحكيم المطبقة في غرفة التجارة الدولية لا تنص صراحة على واجب السرية، فإن المادة 22 (3) تنص على أنه "يجوز لأي طرف من الطرفين أو هيئة التحكيم اتخاذ أي قرارات أو إصدار أي أوامر بشأن سرية إجراءات التحكيم ...... ويجوز لها اتخاذ إجراءات وتدابير أخرى لحماية الأسرار التجارية والمعلومات السرية".

التحديات التي تواجه الحفاظ على مبدأ السرية في إجراءات التحكيم الدولي

رغم أن سرية التحكيم عادة ما يتم الحفاظ عليها بشكل جيد، ولا سيما إذا اعتبرها الأطراف شرطًا لا غني عنه، إلا إن السرية قد تتعرض للخطر في بعض الأوقات.

إن صعوبة التعامل مع مفهوم السرية في التحكيم لا ينجم فقط عن تعدد الجهات الفاعلة التي قد لا تكون ملتزمة بقواعد التحكيم (مثل الشهود والمترجمين)، أو تعدد القواعد التي تتناول السرية بطرق مختلفة، ولكن أيضًا لأن التحكيم يمر بمراحل مختلفة قد لا تندرج جميعها في نطاق القواعد المطبقة على السرية. على سبيل المثال، كما ذُكر أعلاه، تنص بعض القوانين والقواعد صراحة على سرية قرارات التحكيم، لكنها لا تزال صامتة حول مسألة سرية الإجراءات القانونية في التحكيم.

يمكن أن يُشكّل الحفاظ على السرية تحديًا كبيرًا، ولاسيما أثناء مرحلة الإنفاذ. حيث يتطلب إنفاذ قرار التحكيم في بلد أجنبي اللجوء إلى محكمة الدولة، ولا يعتبر التعامل مع السرية موحدًا في هذه المرحلة من العملية في جميع الولايات القانونية.

في دولة الإمارات العربية المتحدة يتم التعامل مع إنفاذ قرارات التحكيم مثل إجراءات التقاضي العادية؛ وإذا سعى أي طرف لإنفاذ قرار تحكيم، فيتعين على هذا الطرف تقديم طلب للمحكمة الابتدائية إذا كان المَدين الصادر ضده الحكم يمتلك أصولًا. تظل عملية الإنفاذ سرية، مما يعني أنه لا يُسمح للقضاة بالكشف عن قرار التحكيم الذي قاموا بإصداره. علاوة على ذلك، يجوز للقضاة في بعض الأحوال تقديم معلومات عن القضية في قرارهم النهائي، الذي يشير للحكم الصادر والأسماء وحجج الطرفين والقرار الصادر؛ وحيث أن القرار النهائي يكون متاحًا أمام الجمهور فإن سرية الحكم الصادر قد لا يتم الحفاظ عليها تمامًا بصفة دائمة.

فيما يتعلق بمركز دبي المالي العالمي، أصدرت محاكم مركز دبي المالي العالمي في عام 2013 توجيهًا عمليًا يدعم سرية الإجراءات ذات الصلة بالتحكيم (التوجيه العملي رقم 2/2013). ووفقًا لقواعد التحكيم المعمول بها في محاكم مركز دبي المالي العالمي 43-41، والتوجيه العملي رقم 2/2013، يتعين عقد كافة الإجراءات المتعلقة بالتحكيم في محكمة مغلقة، ما لم يطلب أحد الطرفين النظر في هذه المسألة في محكمة علنية، أو كانت المحكمة "مقتنعة بضرورة استماع هذه الإجراءات القانونية في محكمة علنية". كما ينص التوجيه 2/2013 أيضًا على أنه "يجب على المحكمة عدم إصدار أي توجيهات تسمح بنشر المعلومات [الواردة في إجراءات التحكيم التي تتم في المحكمة المغلقة] ما لم – (أ) يتفق كافة الأطراف على جواز نشر هذه المعلومات؛ أو (ب) إذا اقتنعت المحكمة أن المعلومات لن تُكشف، إذا تم نشرها، عن أي مسألة (بما في ذلك هوية أي طرف من الطرفين) أو إذا رغب أي طرف من الطرفين في الحفاظ على سريتها بشكل مقبول".

تنص المادة 30 من قواعد التحكيم في سوق أبو ظبي العالمي على أحكام متطابقة إلى حد كبير، على الرغم من أنها تنص على إجراءات التحكيم في المحكمة المغلقة، ما لم يتفق الطرفان على ضرورة الاستماع لهذه المسألة في محكمة علنية، أو أن تخلص المحكمة إلى ضرورة عقد الإجراءات في محكمة علنية.

بالتوازي مع قواعد مؤسسة التحكيم التي تنص على توفير درجة عالية من السرية، تنص أحكام مركز دبي المالي العالمي وقواعد التحكيم في سوق أبو ظبي العالمي على إمكانية عقد إجراءات التحكيم بشكلٍ سري تقريبًا.

ومع ذلك، يصبح قرار التحكيم، في بعض الولايات القضائية، جزءًا من السجل العام، مع وجود قيود قليلة مفروضة خلال مرحلة الإنفاذ. ففي الولايات المتحدة على سبيل المثال، عندما يسعي أحد الطرفين إلى إنفاذ قرار التحكيم يتعين إرسال نسخة من القرار إلى المحكمة، ويجب أن تتم إجراءات التقاضي في معظم الأوقات في الإجراءات العلنية. وفي قضية ميد جونسون وشركاه ضد ليكسينغتون إنز، خلصت المحكمة إلى أنه "بمجرد التوصل لاتفاق تسوية سرية، أو أن يصبح قرار التحكيم موضوع التقاضي، يجب طرح القرار أمام الجمهور مثله مثل أي معلومات أخرى"؛ وقد تؤدي هذه القواعد إلى عدم الحفاظ على سرية عملية التحكيم.

وهناك جانب آخر يدخل هذه المعادلة، هو كيف يقوم المرء على وجه التحديد بتنفيذ التزامات السرية، أو الحصول على سبل الانتصاف المناسبة، إذا تم انتهاك مبدأ السرية؛ وفيما يتعلق بإنفاذ مبدأ السرية، يجوز لأي طرف من الطرفين التقدم بطلب لهيئة المحكمة لإصدار أمر قبل إصدار قرار التحكيم، حتى وإن كانت المحكمة تواجه في نهاية المطاف صعوبة في إنفاذ الأمر الصادر عنها إلا من خلال فرض تكاليف على الطرف المقصر. وبالتالي فإن أفضل سيناريو قد ينطوي مرة أخرى على طلب إصدار أمر قضائي من المحاكم المحلية في الولاية القضائية التي من المحتمل أن يتم الإفصاح فيها عن قرار التحكيم، مما يعني مرة أخرى أن القواعد المطبقة في إجراءات التحكيم قد تختلف تبعًا للولاية القضائية.

خاتمة

في حين أن التحكيم الدولي ليس سريًا بطبيعته، فإن إجراءات التحكيم والقرار الصادر عنها لا تزال تعتبر سرية من حيث الممارسة العملية. ومع ذلك، لا تتضمن كافة قوانين التحكيم الدولية واللوائح والقواعد المؤسسية على أحكام السرية؛ ونتيجة لذلك، يمكن أن تختلف درجة السرية من ولاية قانونية إلى أخرى، وقد تتعرض مسألة السرية للخطر إذا ما سعى أي طرف من الطرفين إلى تنفيذ قرار التحكيم في دولة أخرى.

ومع ذلك، فإن التحكيم هو طريقة توافقية لتسوية المنازعات، حيث تكون راحة الطرفين في صميم العملية؛ والحل المتاح أمام الأطراف الذين قد يرغبون في إقناع أنفسهم بتنفيذ التزامات السرية، هو إدراج بند دقيق ينص على سرية إجراءات التحكيم والقرارات الصادرة في العقود التجارية. من المهم أن تختار هذه الأطراف مقر التحكيم والقواعد التي تنص على سياسة قوية بشأن مبدأ السرية.

يقدم فريق التحكيم في شركة التميمي ومشاركوه المشورة القانونية بصفة منتظمة بشأن مسائل تسوية المنازعات والتحكيم. لمزيد من المعلومات يرجي التواصل مع توماس سنيدر (t.snider@tamimi.com).

© Al Tamimi & Company 2017