بعد النمو الملحوظ الذي شهده الابتكار التكنولوجي خلال العقدين الماضيين أصبحت حقوق الملكية الفكرية أحد أهم الأدوات التي تلجأ إليها الشركات من أجل حماية منتجاتها وتعزيز مواردها الاقتصادية.

وأدى اعتماد منظمة التجارة العالمية لاتفاقية "الجوانب المتصلة بالتجارة من حقوق الملكية الفكرية" ("TRIPS") إلى زيادة تعزيز هذه الأداة التي تجعل نمو التجارة الحرة رهنًا بالاعتراف بحقوق الملكية الفكرية.

في هذا السياق، وبعد انضمام مصر إلى منظمة التجارة العالمية في 30 يونيو/حزيران 1995، وبهدف تنفيذ سياسة لتشجع الابتكار، أصدرت مصر قوانين جديدة للملكية الفكرية وفقًا لاتفاق TRIPS.

وقبل تطبيق اتفاق TRIPS، كان القانون الملغى رقم (133) لسنة 1949 هو الذي ينظم براءات الاختراع في مصر.

وكان هذا القانون تقييديًا للغاية، لأنه لم يسمح بإصدار براءات اختراع للمنتجات الصيدلانية وتركيباتها الكيميائية. وبدلاً من ذلك، سمح القانون الملغى بمنح براءات الاختراع لطرق تصنيع هذه المنتجات.

وبما أن طريقة طرف ثالث في تصنيع المنتج تختلف عن طريقة صاحب براءة الاختراع، فيمكن أن يقوم الطرف الثالث بتصنيع نفس المنتجات وبيعها.

وإدراكًا منه للحاجة إلى إزالة هذه القيود على براءة اختراع المنتجات الصيدلانية، والحاجة إلى تشجيع الاستثمار الأجنبي المباشر والبحث والتطوير، أصدر البرلمان المصري القانون رقم (82) لسنة 2002 بشأن حماية حقوق الملكية الفكرية ]"قانون الملكية الفكرية لعام 2002"[، وروعي أن يتوافق هذا القانون مع القواعد والمبادئ العامة التي ينص عليها اتفاق TRIPS. إن السياسة، التي تكمن وراء إصدار مصر لهذا القانون، تهدف إلى تحقيق التوازن بين إنشاء اقتصاد سوق التجارة الحرة، والاعتراف بالمصالح المشروعة القائمة على الملكية الفكرية واحتكار الاختراعات والاكتشافات القابلة للحماية. وتحقيقًا لهذه الغاية، يلتزم القانون بمبادئ المنافسة العادلة، ويشجع الابتكار في جميع القطاعات. عملاً بهذه السياسة وهذه المبادئ، وبموجب القانون، يمكن الحصول على براءة اختراع للمنتجات الصيدلانية والمجموعات الكيميائية للمكونات النشطة، فضلاً عن الفطريات والبكتريا المكتشفة حديثًا.

وأعرب البرلمان المصري عن إدراكه أن مشاريع البحث والتطوير في مجال المنتجات الصيدلانية الخاضعة لبراءة الاختراع، لا يمكن أن تزدهر إلا إذا كان لأصحاب المصلحة الحق في المطالبة الحصرية بفوائد نتائج تمويل هذه المشاريع.

ونتيجة لذلك، فإن حقوق البراءات ذات الصلة في مصر لا يتم الاعتراف بها وحمايتها بموجب قانون الملكية الفكرية لعام 2002 فقط، لكنها محمية أيضًا بموجب الدستور المصري، والقانون التجاري المصري.

في هذه المقالة، سننظر بإيجاز في قانون الملكية الفكرية لعام 2002، ثم نستكشف الآليات القانونية الأخرى المتاحة للتصدي لانتهاكات براءات الاختراع، في ظل عدم وجود براءة اختراع مصرية.

حماية حقوق براءات الاختراع ضد الانتهاك في حالة وجود براءة اختراع

يتبع قانون الملكية الفكرية المصري لعام 2002 حاليًا سياسة صارمة ترفض التسامح مع انتهاكات براءات الاختراع. ويفرض القانون عقوبات صارمة على هذه الانتهاكات تشمل الغرامة على المتعدي بما لا يقل عن 20 ألف جنيه مصري، ولا يتجاوز 100 ألف جنيه مصري، وتصل العقوبة للسجن في حالة تكرار الجريمة. وطبقًا للقانون فإن الممارسات، مثل تقليد موضوع البراءات لأهداف تجارية، تُشكّل انتهاكًا بموجب قانون الملكية الفكرية المصري. على وجه التحديد، يخضع لهذه العقوبات، بموجب القانون، كل من باع أو عرض للبيع أو التداول أو استورد أو حاز بقصد الاتجار منتجات مقلدة مع علمه بذلك.

كما أن قانون الملكية الفكرية لعام 2002 يمنح صاحب براءة الاختراع الحق في أن يطلب من رئيس المحكمة المختصة بحسب الأحوال إصدار أمر بإجراء تحفظي بشأن المنتجات أو البضائع التي يشتبه في أنها تنتهك براءة الاختراع، ويصدر الأمر بالإجراءات اللازمة لحفظ هذه ‏المنتجات والبضائع على النحو الذي يتضمن بقاءها بحالتها.‎ وفي هذه الحالة، يجوز للمحكمة أن تصدر أمرًا زجريًا أوليًا إليه قبل الشروع في رفع الدعوى التي تسقط في حالة عدم رفعها في غضون (8) أيام من تاريخ صدور الأمر.

حماية حقوق براءات الاختراع ضد الانتهاك في حالة عدم وجود براءة اختراع

لا يزال القانون المصري يعترف بحق صاحب البراءة التي تتعلق بالتركيب الكيميائي وطرق تصنيع مكونات منتج صيدلاني، حتى في الحالات التي لم يتم فيها بعد منح براءة الاختراع ذات الصلة في مصر. وحتى في حالة عدم وجود البراءة، إذا قام شخص غير المالك بتقليد منتجات معنية، يمكن للمالك أن يقاضي المخالف قانونًا عن طريق إقامة دعوى منافسة غير عادلة أمام المحكمة الاقتصادية.

ويتم تنفيذ هذا الإجراء وفقا للمادة (66) من القانون التجاري المصري رقم (17) لسنة 1999 ]"القانون التجاري"[، الذي يحق للمدعي بموجبه أن يطلب وقف الانتهاك بشكل فوري، كما يطالب بتعويض عن الخسائر التي لحقت به والأرباح التي حققها المخالف.

واعتمادًا على القانون التجاري، قامت شركة صيدلانية دولية كبرى ("المُدَّعِي") برفع دعوى ضد شركة مصرية محلية ("المُدَّعَى عليه"). وطلب المُدَّعِي بإلغاء إشعار موافقة مسبقة حصل عليه المُدَّعَى عليه من الإدارة المركزية للشؤون الصيدلانية CAPA. وكان الإشعار يتعلق بتسجيل منتج صيدلاني متطابق في تركيبة المادة الكيميائية وتركيز المكونات النشطة مع براءة اختراع أجنبية ممنوحة إلى ومملوكة للمُدَّعِي. واستند المُدَّعِي في دعواه إلى المنافسة غير المشروعة.

وبصرف النظر عن الاعتماد الشرعي للمُدَّعِي على قانون التجارة للمطالبة لمنع التعدي على حقوقه رغم عدم وجود براءة اختراع مصرية، أثارت القضية تساؤلات بشأن العلاقة بين تسجيل براءة اختراع منتج صيدلاني، وتسجيل نفس المنتج في الإدارة المركزية للشؤون الصيدلانية، أي الحصول على ترخيص لبيع المنتج في مصر. ولم تحسم المحاكم المصرية هذه القضية بعد في قرار نهائي ومبرر. ومع ذلك، فإن القضية تثير ضرورة مواكبة نظام الإدارة المركزية للشؤون الصيدلانية لنظام براءات الاختراع المصري في المقام الأول (حيث توجد براءة اختراع مصرية) وتلك التي تتعلق بالولايات الأجنبية الكبرى للبراءات، كالاتحاد الأوروبي والولايات المتحدة في المقام الثاني (حيث لا توجد براءة اختراع مصرية).

ولمعالجة القضايا الناتجة عن تسجيل المنتج في الإدارة المركزية للشؤون الصيدلانية، جاء قرار وزير الصحة رقم (296) لسنة 2009، والذي ينص على أن الطرف الذي يسعى إلى تسجيل منتجه يجب أن يقدم تعهدًا يقر فيه بالتزامه بأحكام قانون حماية قانون الملكية الفكرية وأنه في حالة ثبوت مخالفته للقانون المذكور يتحمل المسئولية كاملة. كما يتعهد بأن جميع المستندات والبيانات صحيحة وعلى مسئوليته الكاملة. ومن حيث المبدأ، إذا تبين لاحقًا أن هذه البيانات غير صحيحة، فإن الطرف الذي قدمها يكون مسؤولاً وفقًا للقانون عن تقديم معلومات زائفة إلى الإدارة المركزية للشؤون الصيدلانية. ووفقًا لذلك ومع اشتراط تقديم التعهد، يبدو أن قرار وزير الصحة يؤيد حماية حقوق البراءات ضد انتهاكات أي طرف ثالث، مثل تلك التي وردت في القضية المشار إليها سابقًا استنادًا إلى القانون التجاري.

الخلاصة

مع الاهتمام المستمر بحماية حقوق الملكية الفكرية في الوقت الحاضر، فإن السياسة العامة في مصر هي خلق بيئة آمنة تعزز نمو الاستثمار والتجارة. والقانون الحالي الذي يرعى حماية حقوق الملكية الفكرية، مطمئن لشركات الأدوية. وقد عززت هذه القوانين ثقة المستثمرين في أن عائدات استثماراتهم الرأسمالية في مجال البحث والتطوير في العقاقير والمنتجات الصيدلانية الجديدة سوف تتمتع بالحماية القانونية في مصر.

بقلم عبد الرحمن حلمي - a.helmi@tamimi.com  - القاهرة

© Al Tamimi & Company 2018