في الآونة الأخيرة، زاد الاهتمام في سوق الأسهم الأمريكية بالبيع على المكشوف أو ما يُعرف باسم "short selling" وخصوصاً في أعقاب الارتفاعات غير المسبوقة لسهم جيم ستوب (GameStop) الذي ارتفع بأكثر من 900 بالمئة منذ بداية العام وهو ما أدى إلى خسائر فادحة لهؤلاء المستثمرين الذين استخدموا هذه الاستراتيجية مع هذا السهم بالأخص. وقد دفع التذبذب الناتج عن تداولات سهم جيم ستوب إلى اهتمام الكونجرس الأمريكي بتداعيات البيع على المكشوف وما يعنيه تداول المعلومات عن طريق منصات التواصل الاجتماعي. 

لمعرفة ماذا حدث مع  جيم ستوب سريعا: إنفوجرافك: جيم ستوب.. ما الذي يحدث؟

ما هو البيع على المكشوف؟ 

بدايةً، البيع على المكشوف هو استراتيجية استثمار أو تداول يتم التكهن من خلالها بانخفاض سعر سهم أو أي ورقة مالية أخرى يقوم باستخدامها المتداولون والمستثمرون.

وبينما يقوم المتداولون باستخدام هذه الاستراتيجية للمضاربة، يستخدمها المستثمرون أو مديرو المحافظ كأداة تحوط ضد مخاطر مراكز الشراء في نفس السهم. وفي البيع على المكشوف، يتم فتح المركز عن طريق اقتراض سهم يعتقد المستثمر أن سعره سينخفض فيقوم ببيعه بسعر السوق. والرهان هنا يكون على أن السعر سيستمر في الانخفاض قبل أن يتم إعادة السهم المقترض بعد شرائه بسعر أقل. ولكن مخاطر الخسارة في البيع على المكشوف غير محدودة لأن ارتفاع سعر أي سهم يمكن أن يرتفع إلى ما لا نهاية. 

3 فوائد 

بالرغم من مخاطر استراتيجية البيع على المكشوف غير المحدودة، إلا أن لها 3 فوائد هامة بالنسبة للمستثمرين وللسوق. أولاً، تعمل الاستراتيجية على رفع كفاءة التسعير بالسوق. ثانياً، تساعد الاستراتيجية على توفير السيولة في سوق الأسهم مما يساعد على تحسين جودة السوق. وثالثاً، تعمل أيضاً كآلية انضباط خارجية تراقب إدارة الشركة مُصدِرة السهم، وبالتالي تحسين حوكمة الشركات. 

أولاً: رفع كفاءة التسعير 

تساهم استراتيجية البيع على المكشوف في رفع كفاءة التسعير حيث إن المعلومات المتاحة عن الشركات – إيجابية كانت أو سلبية – تنعكس على الأسعار بصورة فورية. ففي حالة عدم وجود آلية للبيع على المكشوف، نجد أن أسعار الأسهم تميل فقط للارتفاع ولا تعكس بصورة كاملة أساسيات الأسهم. على سبيل المثال، يمكن تشبيه ذلك بالتصويت في الاستفتاءات. فإذا كان التصويت في الاستفتاء غير مُقيَّد (أي أنه يمكن للناخبين إما التصويت بـ "نعم" أو "لا")، فسيتم الوصول إلى نتيجة غير متحيزة. ولكن إذا كان الناخب مُجبراً على التصويت إما بـ "نعم" أو الامتناع تماماً عن التصويت، فسيكون هناك تحيز في النتائج لصالح الذين قاموا بالتصويت بـ "نعم". فالحصيلة النهائية لن تعكس الإرادة الجماعية للناخبين وبالمثل عدم وجود البيع على المكشوف لن يعكس الإرادة الجماعية للمستثمرين بالسوق. 

ثانياً: توفير السيولة 

أيضاً، يؤثر البيع على المكشوف بشكل إيجابي على جودة السوق من خلال تحسين سيولة التداول. وتشمل مقاييس السيولة التي تتأثر بالبيع على المكشوف كلٍ من (1) الهامش بين سعري العرض والطلب و(2) تأثر السعر. على سبيل المثال، إذا تم تقييد أو منع البيع على المكشوف في الأسهم، فلن يستطيع البائعون على المكشوف من التداول بناءً على المعلومات الأساسية السلبية وهو ما من شأنه أن يقلل من كفاءة التسعير مما يتسبب في أن تكون الأسعار في أي لحظة غير معبرة عن المعلومات المتاحة بالسوق مما يؤدي لأخطاء تسعير كثيرة. لذلك، يجب تعويض موفري السيولة في سهم معين عن أخطاء التسعير الكثيرة تلك، والتي تنعكس في اتساع الهامش بين سعري العرض والطلب. بالفعل، وجود فارق مرتفع بين سعري العرض والطلب يرفع من تكاليف تداول الأسهم مما يقلل من سيولة التداول. 

ثالثاً: تحسين حوكمة الشركات 

كما يساهم البيع على المكشوف بشكل إيجابي في تحسين حوكمة الشركات من خلال العمل كآلية تنظيم خارجية تراقب إدارة الشركات. على سبيل المثال، بما أن البائعين على المكشوف لديهم الدافع لكشف أي إخفاقات من جانب إدارات الشركات (وبالتالي التداول على تلك المعلومات السلبية من خلال البيع على المكشوف)، ترتفع احتمالية وسرعة اكتشاف تلك السلبيات في أداء إدارات الشركات. وبالتالي، لن يكون لدى إدارات الشركات حافز كبير لارتكاب مثل هذه الإخفاقات وبالتالي تتحسن حوكمة الشركات. 

جناحا السوق  

في النهاية، يمكننا تشبيه استراتيجية البيع على المكشوف بأنها أحد جناحي السوق بجانب استراتيجية الشراء بالهامش. في حين أن الشراء بالهامش يساعد المستثمرين في تعظيم الاستفادة من المعلومات الإيجابية التي يتم تداولها عن سهم معين، نجد أنه في حالة وجود معلومات سلبية لن يستطيع المستثمرون الاستفادة منها طالما لا يوجد بيع على المكشوف. فعدم إتاحة مثل هذه الاستراتيجية الهامة، يجعل الملاذ الوحيد للمستثمرين لتحقيق عائد إيجابي فقط أن يكون اتجاه السوق صاعداً. 

(إعداد: عمرو حسين الألفي، المحلل المالي بزاوية عربي ورئيس قسم البحوث في شركة برايم لتداول الأوراق المالية في مصر وهو حاصل على شهادة المحلل المالي المعتمد "CFA") 

(للتواصل: yasmine.saleh@refinitiv.com) 

لقراءة مقال سابق لنفس الكاتب: عندما يتحدث "القط"، يجب أن يستمع المستثمرون  

© Opinion 2021

المقال يعبر فقط  عن أراء الكاتب الشخصية
إخلاء المسؤوليّة حول المحتوى المشترك ومحتوى الطرف الثالث:
يتم توفير المقالات لأغراض إعلامية حصراً؛ ولا يقدم المحتوى أي استشارات بخصوص جوانب قانونية أو استثمارية أو ضريبية أو أي نصائح أو أراء بشأن ملاءمة أو قيمة أو ربحية استراتيجية استثمارية معيّنة.