"التوازن بين العمل والحياة"، ذلك الأمل المنشود الذي غالباً ما يبدو وكأنه هدف غير واقعي بالنسبة لغالبية النساء العاملات (والرجال العاملين أيضاً)، وللآباء والأمهات وغيرهم على حد سواء. هل هذا التوازن أسطورة أم أن العالم الذي نعيش فيه الآن يسمح لكل من الموظفين والمؤسسات بالاستفادة من هذا التوازن المثالي؟

يعتبر مفهوم "التوازن بين العمل والحياة" مفهوما مثالياً، بمعنى أنه من الممكن بالنسبة لنا أن نقسم حياتنا إلى أجزاء محددة، ويعني أيضاً أن نتحكم بالوقت الذي نخصصه لكل من تلك الأجزاء ونمتلك القدرة على تحديده. بالنسبة لمعظمنا، فإن هذا ببساطة أمر لا يمكن تحقيقه – لأن إيقاع الحياة الذي يتقلب صعوداً وهبوطاً نادراً ما يمكن وضعه في جدول زمني مقسم بعناية ومحدداً للوقت الذي تقضيه مع العائلة والعملاء. 

بصفتي أم عاملة، لا يمكنني ببساطة أن أتوقف عن تحمل مسؤولياتي نحو العمل أو مسؤولياتي تجاه الأسرة. عندما أدخل إلى مكتب "بيكر مكنزي. حبيب الملا"، لا استطيع أن أتوقف عن كوني والدة كل من "برودي" و"إيسلا"، ولا أتوقف عن كوني رئيسا لأحد أقسام التوظيف لدى شركة محاماة دولية عند مغادرتي للمكتب. وعندما يكون في انتظاري حضور اجتماع يعقد عبر الهاتف في الساعة التاسعة مساء، وتقديم رأي قانوني مطلوب قبل الساعة العاشرة من صباح اليوم التالي. وكما يعرف الكثيرون بالفعل، قد يكون الأطفال صغاراً في أعمارهم ولكنهم كبار في مواقفهم ولن ينسجموا بسعادة وسهولة مع المدة الزمنية المخصصة لهم من جدولي اليومي.

يمكن لترتيبات العمل المرنة أن تقربنا من الوصول إلى ذلك الأمل المنشود، إذا اتفق صاحب العمل والموظف برضى تام على أين ومتى وكيف يعمل الموظف. لا يوجد "مقياس واحد يناسب الجميع" لنموذج العمل المرن، وينبغي أن تكون الترتيبات مصممة لتتناسب مع الظروف الخاصة للشركة والموظفين والعملاء وتقديم الخدمات المتعلقة بالشركة. من خلال برنامج العمل المرن الذي وضعته شركتي، يستفيد العديد من الموظفين (وأنا واحدة منهم) من العمل عن بعد، من خلال ساعات عمل مخفضة، والوقت المحدد للراحة، وأنماط العمل البديلة (حين تسمح متطلبات الوظيفة بذلك).

هناك أدلة تجريبية كثيرة تثبت أن العمل المرن له فوائد عديدة للمؤسسات. لقد أثبتت مساعدة الموظفين على ممارسة حياة مرضية داخل وخارج العمل على حد سواء أنها تزيد من إنتاجيتهم، وتجعلهم يعملون لساعات أطول، ويحصلون على إجازات مرضية أقل، مع انخفاض احتمالية تركهم للعمل. تشير البحوث أيضاً إلى أن معظم جيل الشباب يتوقعون المرونة في مكان العمل، وبناء على ذلك، فإن وجود برنامج عمل مرن يمكن أيضاً أن يجذب الكوادر ذات المواهب المتميزة بالإضافة إلى الاحتفاظ بها في العمل.

إن ممارسة العمل المرن في دولة الإمارات العربية المتحدة آخذة في الازدياد، ولا سيما في ضوء إنشاء مجلس التوازن بين الجنسين مع تطلع دولة الإمارات العربية المتحدة لأن تصبح واحدة من أكبر الدول في العالم التي تتحقق فيها المساواة بين الجنسين بحلول عام 2021. هناك القليل من اللوائح القانونية التي تحكم ترتيبات العمل المرن في دولة الإمارات العربية المتحدة، وبالتالي تتمتع الشركات ويتمتع الموظفون بحرية وضع شروط اتفاقيات العمل المرن الخاصة بهم.

من الجيد والمفيد حقاً أن يكون هناك برنامج عمل مرن في مكان العمل، ولكن من ناحية أخرى ينبغي أن يعمل ذلك البرنامج على نحو فعال، والثقة هي في النهاية مفتاح النجاح. ينبغي على الشركات أن تثق بأن موظفيها سوف ينجزون العمل المناط بهم وأن تنشر مفهوما في بيئة العمل لا يشعر الموظفون معه بالذنب إزاء تطبيق الترتيبات المرنة، وبالمثل، يتعيّن على الموظفين أن يثبتوا أنهم جديرون بتلك الثقة وأن يحققوا النتائج المتفق عليها. مع ذلك، يوصى ببعض المراقبة للتأكد من أن أي ترتيب عمل مرن يطبق على النحو الأمثل للجميع.

تلعب التكنولوجيا أيضا دوراً رئيسياً في نجاح ترتيبات العمل المرنة. يمكن لتلك الوسائل أن تعمل ضدنا – حيث يمكن الاتصال بنا الآن في جميع الأوقات، وعلينا أن نكافح من أجل مواكبة السرعة الفائقة التي يسير بها عالم الأعمال، حيث يعمل الكثيرون منا في الغالب خارج إطار أوقات العمل التقليدية من الساعة 9:00 صباحا حتى الساعة 5:00 مساء، ومع ذلك، يمكن للتكنولوجيا أيضاً أن تعمل في صالحنا حيث توفر لنا الوسيلة التي يمكننا بها إنجاز العمل من أي مكان وفي أي وقت.

وأخيرا، فإن القبول هو المفتاح. إن قبول حقيقة أنك لا تستطيع السيطرة على كل تحديات الحياة وتحقيق التوازن التام بينها أمر بالغ الأهمية لتعيش سعيداً (ومتوازناً!)، كما يجب قبول وجود كل من العمل والحياة الشخصية معاً، بدلاً من انفصالك التام عنها.

يعتبر العمل المرن أحد الخيارات العملية للكثير من الوظائف شريطة أن تتم الاستجابة لمطالب العملاء بسرعة، وأن يكون منتج العمل على مستوى عال، مع الوفاء بالمواعيد النهائية المتفق عليها. في الواقع، هناك علاقات عمل أقيمت منذ أمد بعيد مع العديد من عملاء شركتنا، حيث يكون العرف السائد هو العمل في المكتب، والعمل في المنزل، وانتقال الفرق الإدارية عبر الحدود مع تطبيق أنماط العمل المرنة. وبالنظر إلى أن جميع الموظفين يتحملون مسؤوليات خارج مكان العمل، أود أن أرى ترتيبات عمل مرنة يقبلها الجميع على نطاق واسع ويرى أنها  ترتيبات "طبيعية".

أقدر قيمة عملي وأريد أن يقدر أطفالي ذلك أيضاً. بصفتي أماً لابنة تكبر في السن مع مرور الأعوام، أريد لها أن تكون أقل اهتماما بارتداء النعال الشفافة وأكثر قلقاً حول اجتياز العوائق الوظيفية الشفافة غير المرئية نحو التقدم (كما فعلته ميليسا مارشيونا خبيرة التسويق لدى فريق كرة القدم الأمريكية "نيويورك جيتس")، وتتيح لي ترتيبات العمل المرنة الفرصة لغرس هذه القيم في أطفالي، مع منحهم الحب والدعم الذي يحتاجونه.

بالنسبة للكثيرين منا، فإن التوازن المثالي في الحياة العملية غير ممكن، ولكن العمل المرن يمكن أن يقربنا من تحقيق ذلك الأمل المنشود. كل ما يمكننا القيام به هو اختيار الترتيبات التي تسمح لنا أن نقدم أفضل ما لدينا شخصيا ومهنيا.

بقلم: السيدة "جوانا ماثيوز تايلور"، رئيس قسم التوظيف، لدى "بيكر مكنزي. حبيب الملا"

© Opinion 2018