لقراءة الجزء الأول:

إفشاء ما ليس سراً... كيف نفك قيود القطاع الخاص في مصر؟

مازلنا إذن مع القطاع الخاص المصري وقراءة في أهم ما يجب عمله لإطلاق قدراته في تحقيق التنمية المطلوبة. ففي الجزء السابق، قمنا باستعراض بعض أهم المشكلات التي تواجه القطاع الخاص وأعراضها، التي جاءت في تقرير

خاص للبنك الدولي تناول فيه العديد من النقاط المتعلقة بالقطاع الخاص المصري. ولازال هناك العديد من النقاط التي يجب تسليط الضوء عليها.

ليس فقط على جانب المشكلات والمعوقات، بل كذلك على جانب الحلول والسياسات الممكن تطبيقها.

يقول البنك الدولي أن هناك أولويات لتعزيز القطاع الخاص، نختصرها فيما يأتي:

تشكيل لجنة للإصلاح: وهي نقطة سأذكرها رغم حساسيتي الشديدة لكلمة "تشكيل لجنة" أو "تشكيل مجلس".

يوصي هنا البنك الدولي بتشكيل لجنة موسعة تشمل مختصين من القطاعين العام والخاص، وهي أداة كان لها تأيرها الإيجابي في تطوير أجندة الإصلاح التنظيمي والتشريعي في دول أخرى مثل ماليزيا، بولندا، الهند، المغرب، وروسيا. وبرغم تأكيد البنك الدولي في تقريره على أهمية أن تشمل تلك اللجنة دائرة واسعة من الأطراف المختلفة بما يوسع منظور رؤيتها للقضايا المختلفة وشعور تلك الأطراف بامتلاك القرار، وبالرغم كذلك من ضرورة وجود آليات لمتابعة تلك اللجنة ومؤشرات واضحة لتقييم مخرجات أعمالها، إلا أنني لا أستطيع تفادي التخوف من الحلول التي تعتمد على تشكيل اللجان أو المجالس الاستشارية، حيث يتطلب الأمر جهد كبير حتى لا تتحول نتيجة العمل إلى مجرد توصيات أو تقارير لا تصل إلى أرض الواقع.

تطوير سياسة واضحة تضمن شفافية ملكية الدولة وأطر الحوكمة المحيطة بها: يتابع البنك الدولي توصياته بضرورة وجود شفافية كاملة فيما يخص الشركات المملوكة للدولة بما يحسن من أطر حوكمتها. فإتاحة المعلومات المالية والفنية والتشغيلية للشركات المملوكة للدولة توفر القدر المطلوب من المعلومات حول دور الدولة في الاقتصاد بشكل عام، وهو قطعاً يساعد القطاع الخاص على اتخاذ قراراتهم الاستثمارية بشكل أفضل في بيئة أكثر وضوحاً وفهماً لدور الدولة في القطاعات التي يستهدفون الاستثمار فيها. فمن المهم ضمان أن تعمل الشركات المملوكة للدولة وفق القواعد نفسها التي يعمل بها القطاع الخاص، دون محاباة لطرف على حساب الآخر، مع الفصل الكامل لمهام أية جهة تابعة للدولة في النشاط الاقتصادي، بين تلك ذات الطبيعة التنظيمية، والأخرى ذات الطبيعة التشغيلية والتي تمارس النشاط نفسه.

ومن الجدير بالذكر في هذا الصدد، أن هناك أخبار عديدة خلال الفترة الأخيرة حول إمكانية طرح شركات تابعة لجهاز الخدمة الوطنية، التابع للقوات المسلحة، للقطاع الخاص للاستثمار فيه، وهي خطوة هامة إذا تحدثنا عن الشفافية وأطر الحوكمة المحيطة بما نطلق عليه "مشاركة الدولة في النشاط الاقتصادي"، من خلال تطبيق قواعد الإفصاح والشفافية المطلوبة في أي نظام اقتصادي صحي.

تعزيز وتطوير المنظومة القضائية التجارية: فنظام قضائي ناجز وعادل هو ضرورة بديهية في الحياتين المدنية والتجارية. ولذا، تعتبر من أولى الأولويات تعزيز كفاءة النظام القضائي التجاري وتخفيض الفترات الزمنية المطلوبة لإنهاء النزاعات المختلفة، بإيجاد أساليب لإدارة عبء العمل ومتطلباته بسرعة معقولة، مع تطبيق الميكنة اللازمة في خطوات العمل المختلفة. كذلك الاستثمار بكثافة في الكفاءات البشرية والمالية في النظام القضائي، والاستعانة باستطلاعات الرأي لأولويات مستخدمي الخدمات القضائية لمعرفة ما يجب تجاوزه من مشكلات.

إصلاح السياسة التجارية بتبسيط الإجراءات المختلفة: حيث أشار التقرير إلى أن القطاع الخاص المصري لن يتمكن من تحقيق كل قدراته التنموية إلا مع استفادة الدولة من إمكانات مصر كمركز استراتيجي ممكن للتجارة في المنطقة، وتعزيز تنافسية صادراتها... فبعيدا عن الحواجز الجمركية، تلعب الحواجز غير الجمركية دور كبير في تشجيع النشاط التجاري أو إعاقته، وفي هذه الناحية يرى البنك الدولي أن مصر في حاجة لتحديث منظومة الجمارك بما يكون أكثر اتفاقاً مع الاتفاقيات الدولية وعلى وجه الخصوص النسخة المحدثة للاتفاقية الدولية لتبسيط وتنسيق الإجراءات الجمركية (اتفاقية كيوتو) التي دخلت حيز النفاذ في 2006، والتي انضمت مصر إليها في 2007. ولا مانع كذلك من تأسيس نوع من بطاقة الأداء Scorecard للموانئ المختلفة، لرصد أدائها وسرعتها بشكل كمي يسهل يقاسه ورصد أساليب تحسينه.

إلا أننا نشير هنا مجدداً إلى الجهود التي تمت في مجال تطوير منظومة الجمارك من خلال إصدارقانون الجمارك الجديد رقم 207 لسنة 2020، بالذات حيث أكد وزير المالية المصري في أكثر من مناسبة وجود إرادة سياسية قوية تدعم تطوير منظومة الجمارك وعلى الأخص زمن الإفراج الجمركي. وقد أوضح الوزيرفي أخبار متنوعة إنشاء أنظمة إلكترونية تتبع البضائع التي ترد تحت نظام الترانزيت غير المباشر حتى مرحلة الإفراج النهائي، والتعامل جمركياً مع البضائع المتعاقد عليها بنظام التجارة الإلكترونية الحديثة، وكذلك نظام إلكتروني للمعلومات المسبقة عن البضائع قبل شحنها من ميناء التصدير إلى الموانئ المصرية، والذي من المقرر أن ينطلق تجريبياً في إبريل المقبل.

بالرغم من كل شيء، في أعماق كورونا فرصة يجب أن نحسن استغلالها: بالرغم من مساوئ ومخاطر الجائحة وآثارها القاسية إنسانياً واقتصادياً، إلا أنها قد تحمل في طياتها فرصة لمن يحسن التفكير في المرحلة اللاحقة. فمع الصدمة، ومع تباطؤ النشاط، كان هناك الكثير من الوقت للشركات لإعادة التفكير في استراتيجيات إنتاجها، وكيف تستعد لمرحلة التعافي، وهل من الأصلح إعادة توطين استثماراتها بشكل يساعدها على الوثب بمعدلات أعلى حين يخرج العالم من كبوته. وهنا لابد من إعادة تسويق السوق المصرية من خلال إجراءات معلنة وجادة لتشجيع الاستثمارات القائمة والجديدة.

لقراءة مقالات أخرى لإسراء:

في متاهات الديون (الجزء الثالث): هل يخيم شبح أزمة الديون على الدول النامية؟

(إعداد: إسراء أحمد، وعملت إسراء سابقا كاقتصادي أول بشركة شعاع لتداول الأوراق المالية - مصر، وكذلك شركة مباشر لتداول الأوراق المالية، بالإضافة لعملها كباحث اقتصادي في عدة وزارات مصرية)

(للتواصل: yasmine.saleh@refinitiv.com)

تغطي زاوية عربي أخبار وتحليلات اقتصادية عن الشرق الأوسط والخليج العربي وتستخدم لغة عربية بسيطة.

© Opinion 2021

المقال يعبر فقط عن عن أراء الكاتب الشخصية
إخلاء المسؤوليّة حول المحتوى المشترك ومحتوى الطرف الثالث:
يتم توفير المقالات لأغراض إعلامية حصراً؛ ولا يقدم المحتوى أي استشارات بخصوص جوانب قانونية أو استثمارية أو ضريبية أو أي نصائح أو أراء بشأن ملاءمة أو قيمة أو ربحية استراتيجية أستثمارية معيّنة.