في 18 سبتمبر/أيلول 2017، أصدر صاحب السمو الشيخ خليفة بن زايد آل نهيان، رئيس دولة الإمارات العربية المتحدة، المرسوم الاتحادي رقم 10 لسنة 2017 بشأن تعديل قانون الإجراءات المدنية الصادر بموجب القانون الاتحادي رقم 11 لسنة 1992 ("القانون"). ويتيح هذا التعديل استخدام تقنيات الاتصال عن بُعد المعروفة باسم "المُحاكمات الإلكترونية" في الإجراءات المدنية بدولة الإمارات العربية المتحدة. وسوف يتم إنفاذ هذا القانون بعد مرور ستة أشهر من نشره في الجريدة الرسمية بتاريخ 28 سبتمبر 2017.

يتمثل الهدف من هذا القانون في تعزيز سيادة القانون، ودعم وتحسين العدالة الناجزة، وتقديم المُحاكمات المدنية السريعة، ومواكبة التغييرات التقنية المُتقدمة في قانون الإجراءات المدنية. واعتبارًا من العام المُقبل، سوف يَسمح القانون باستخدام مكالمات الفيديو خلال المحاكمات في المحاكم المدنية والمحاكم المتخصصة، للنظر في الدعاوى والمنازعات المُتعلقة بالعمل والمسائل المالية والتعاقدات وحقوق الملكية الفكرية، من بين قضايا أخرى.

ويعتبر هذا القانون مثالًا واضحًا على تَبنّي المحاكم الإماراتية لأحدث تقنيات المعلومات، بطريقة تجعل إجراءات المحاكمات في دولة الإمارات العربية المتحدة أكثر سهولة وكفاءة وفعالية من حيث التكلفة، وبما يتماشى مع أفضل الممارسات الدولية.

وتهدف استراتيجية وزارة العدل الإماراتية إلى إطلاق أربع مبادرات سيتم تنفيذها على مدار السنوات الأربع المقبلة لضمان إجراء محاكمات عادلة وسريعة، مع ضمان سهولة الوصول إلى العدالة. وبحلول عام 2021، ستكون هناك آلية لتسوية المنازعات عبر الإنترنت.

وسوف يشهد النظام القضائي في دولة الإمارات العربية المتحدة "قفزة ذكية"، حيث من المُقرر أن يتم التخطيط لتقديم محاكمات إلكترونية عبر مكالمات الفيديو أثناء الجلسات (أي بدون الحضور في قاعات المحكمة المادية)، وكذلك حدوث الترجمة الفورية في إجراءات المحكمة من خلال شاشة تربط بين المُترجمين وأمناء المحكمة والقضاة، بالإضافة إلى خدمات الوساطة والتوفيق الإلكترونية في مجال العدالة الجنائية.

إضافة فصل جديد

يضيف القانون فصلًا جديدًا لقانون الإجراءات المدنية بعنوان "استخدام وسائل الاتصال عن بُعد في الإجراءات المدنية". ويسمح هذا القانون ويحدد استخدام "الفيديو كونفرانس" في الإجراءات المدنية، كما تُعرِّف المادة (332) من الفصل الجديد "تقنيات الاتصال عن بُعد" على أنها "أدوات لتمكين الاتصالات المرئية والمسموعة بين طرفين أو أكثر عن بُعد لاستخدامها، بما في ذلك تبادل الصور والوثائق، مثل تسجيل الدعوى، وإجراءات إرسال الإخطارات القانونية والمحاكمات، وتنفيذ الحكم الصادر عنها".

وتتضمن تقنيات الاتصال عن بُعد مكالمات الفيديو عبر الإنترنت في المحاكمات بالمحاكم المدنية والمحاكم المتخصصة، التي يتم استخدامها في جلسات استماع الدعاوى العُمالية والمالية والتعاقدات وحقوق الملكية الفكرية والدعاوي القانونية الأخرى. ويُستمَد هذا النهج من المحاكم التجارية، حيث يتوصل رئيس المحكمة إلى الحُكم النهائي في المحاكمة بمساعدة اثنين من الخبراء العاديين، وهما ليسا من القُضاة المدربين، وإنما من الخبراء المحليين أو الدوليين. ويتعين وضع الأحكام في صيغتها النهائية وفقًا للإجراءات المُبيّنة في قانون الإجراءات المدنية، ويتم التوقيع عليها من قِبَل القاضي فقط، في حين يقوم الخبيران بالتوقيع على المُسودة الأصلية للأحكام.

ينص القانون على تلبية متطلبات الحضور والعلانية عند استخدام تقنية الاتصال عن بُعد. وفي المادة 335، يكون لرئيس المحكمة أو القاضي المُختص أو من يُفوضه الحق في السماح بإجراءات المحاكمة من خلال تقنية الاتصال عن بُعد، متى كانت هناك حاجة لذلك في كل مرحلة من مراحل الإجراءات المدنية بما يحقق تسهيل إجراءات المحاكمة.

يسمح القانون للطرفين بالحق في أن يطلب أي منهما من المحكمة حضور جلسات الاستماع المادية في أي درجة من درجات التقاضي، عندما يتم عقد المحاكمة عن بُعد؛ وسوف تنظر المحكمة في الطلب بعد إخطار الطرف الآخر.

وللحفاظ على سرية إجراءات المحاكمة يؤكد القانون على ضرورة أن يتم التعامل مع كافة التسجيلات الإلكترونية على أنها معلومات سرية، وأنه لا يجوز نشرها أو نسخها إلا بإذن من المحكمة المُختصة حسب ما تقتضيه الحاجة. وتخضع تقنية الاتصال عن بُعد المنصوص عليها في هذا القانون للوائح وسياسات أمن المعلومات المُعتمدة في دولة الإمارات العربية المتحدة.

علاوة على ذلك، يؤكد القانون على أن سجلات المحاكمة التي يتم إعدادها من خلال استخدام تقنية التواصل عن بُعد سيتم تسجيلها والحفاظ عليها إلكترونيًا، وسوف يتم التعامل معها كمعلومات سرية. ولا يجوز تداول هذه السجلات أو الاطلاع عليها أو نسخها أو حذفها من نظم المعلومات الإلكترونية إلا بعد الحصول على تصريح من المحكمة المُختصة.

ويجب أن يتمتع التوقيع الإلكتروني والمستندات الإلكترونية بنفس الحُجية التي تتمتع به التوقيعات والمحررات الورقية الرسمية المُشار إليها في أحكام قانون الإثبات في المعاملات المدنية والتجارية (القانون الاتحادي رقم 10 لسنة 1992) وقانون المعاملات والتجارة الإلكترونية (القانون الاتحادي رقم 1 لسنة 2006).

أهمية القانون الجديد

يجوز استخدام الإجراءات عن بعد لتنفيذ الإنابات والمساعدات القضائية مع الدول الأجنبية، طبقا للأحكام الواردة في القانون الاتحادي رقم  39  لسنة 2006 ، المشار إليه.

نتوقع أن يكون لعقد المحاكمات عبر مكالمات الفيديو أهمية كبيرة للنظام القضائي في دولة الإمارات العربية المتحدة، حيث يمكن من خلالها الحصول على المساعدة القضائية الأجنبية، أو استخدام الشهادات الصادرة عن الخبراء الخارجيين في الدول الأجنبية، وذلك وفقًا للاتفاقيات والمعاهدات الدولية التي وَقّعَت عليها دولة الإمارات العربية المتحدة. وقد دخلت دولة الإمارات في العديد من اتفاقيات التعاون القضائي المتبادلة مع دول أخرى، بما في ذلك دول مجلس التعاون الخليجي، وفرنسا، والصين، والهند، ومصر.

تتمثل أحد التغييرات الأخرى الملحوظة في هذا القانون في إدخال نظام جديد في المادة رقم (343) لقبول تقديم الوثائق المصورة التي تتعلق بالدعاوي المدنية التي يجري النظر فيها من خلال استخدام تقنيات الاتصال عن بُعد؛ والجانب المُبتَكر في هذا القانون هو أن الطرف الآخر لا يستطيع الاعتراض على تقديم هذه الوثائق لمجرد أنها نسخ مصورة وليست نسخ أصلية، إلا إذا كانت تُعارض صحة المستندات، أو إذا تم الإدعاء بأنها لم تصدر عن أو لا تتعلق بالطرف الذي تخصه.

وقد أعطي القانون للمحكمة سُلطة فرض عقوبات على الطرف الذي يُجادل بشكل غير مبرر بشأن المستندات المصورة المُقدّمَة إلى المحكمة، فإذا كانت الوثائق صحيحة يمكن فرض غرامة لا تقل عن 1,000 درهم إماراتي ولا تزيد عن 10,000 درهم إماراتي من قِبَل المحكمة المُختصة.

وتَكمُن أهمية هذه الآلية التي تم إدخالها مؤخرًا في تعزيز الدور الإيجابي للقاضي المدني في إدارة القضية بشكل إيجابي، ومَنْح القاضي المُختص أداة رئيسية لضمان إجراء محاكمات عادلة وأسرع وأكثر فعالية، وردع الأطراف من اللجوء إلى الإجراءات القانونية غير المُبررة وغير القانونية، التي تؤدي إلى إطالة مُدّة إصدار الأحكام أو التأخير في إصدارها.

في الختام، تُعدّ هذه التعديلات الجديدة لقانون الإجراءات المدنية خطوة رئيسية إلى الأمام بالنسبة لدولة الإمارات العربية المتحدة تجاه تحقيق خططها الإستراتيجية، لكي تكون واحدة من أفضل 25 دولة في مؤشر سيادة القانون العالمي خلال السنوات الخمس المقبلة. وفي العام الماضي، احتلت الإمارات العربية المتحدة المرتبة 33 من أصل 113 دولة وولاية قضائية في جميع أنحاء العالم في مؤشر سيادة القانون.

ويُعتبر هذا القانون خطوة رئيسية وشجاعة لتحقيق العدالة السريعة والناجزة، حيث يتم الوفاء بجميع ضمانات المُحاكمات العادلة وإنجازها لتجنب الضرر الناجم عنها بأقصى قدر ممكن، "تأخر العدالة هو إنكار للعدالة".

"يُعتبر هذا القانون مثالًا واضحًا على كيفية تَبنّي المحاكم الإماراتية أحدث تقنيات المعلومات بطريقة تجعل إجراءات المحاكمات في دولة الإمارات العربية المتحدة أكثر سهولة وكفاءة وفعالية من حيث التكلفة، وتتماشى مع أفضل الممارسات الدولية".

محمد المرزوقي - m.almarzouqi@tamimi.com وأشرف شكري - a.shoukri@tamimi.com – أبو ظبي

© Al Tamimi & Company 2018