قال مختصون واقتصاديون، إن إعلان "أرامكو السعودية" بإجراء مناقشات مع صندوق الاستثمارات العامة بشأن الاستحواذ على حصة استراتيجية من "سابك" يؤكد مضي "أرامكو" قدما نحو البحث عن الاستثمارات الذكية التي تعزز تنافسيتها عالميا قبل الطرح، وذلك من خلال الاستفادة من المقومات القوية لـ "سابك" في الأسواق العالمية، الأمر الذي يعد خطوة ستعزز من مكانة الشركتين عالميا.

وأكدوا لـ"الاقتصادية"، أن الخطوة ستكون لها انعكاسات إيجابية على صناعة البتروكيماويات محليا وعالميا، إضافة إلى التأثير الجيد على "سابك" في السوق المحلية سواء من الناحية الأساسية والاستراتيجية.

وأوضح عبد الرحمن الراشد، رئيس لجنة الطاقة بمجلس الشورى، أن "أرامكو" كشركة عالمية تقوم بتقييم استثماراتها وتوجيه أصولها الاستثمارية نحو قطاعات متنوعة، وبالتالي إذا رأت أن قطاع البتروكيماويات سيدعم توجهاتها المستقبلية في هذا المجال كما هو الحال لشركات نفط عالمية لديها استثمارات وصناعات كبيرة في البتروكيماويات والكيميائيات، فإن هذا التوجه لن يكون غريبا على "أرامكو"، مبينا أنها استثمرت مع شركة يابانية متخصصة في مجال البتروكيماويات في رابغ، ولديها استثمارات أخرى في الخارج.

وأضاف: "هذا توجه معلن من "أرامكو" في السابق، للاستثمار في البتروكيماويات لتحويل النفط الخام لمنتجات بتروكيماوية متعددة"، مبينا أن "أرامكو" لن تدخل في سوق الأسهم لشراء أسهم من "سابك" مباشرة وإنما سيتم ذلك من خلال صفقة خاصة مع صندوق الاستثمارات العامة.

وأشار إلى أن "سابك" ستكون مستفيدة من الصفقة المحتملة، ولا سيما أن "أرامكو" تنتج منتجات نفطية كاللقيم والغاز الذي يدعم صناعة البتروكيماويات، وبالتالي ستعزز "أرامكو" كيفية استفادة "سابك" من هذه المنتجات النفطية وتعظيم المردود المالي على كل برميل نفط تنتجه "أرامكو".

من جهته، قال فهمي صبحة، خبير اقتصادي، إن الاستحواذ المحتمل لـ"أرامكو" على حصة في "سابك" تعتبر من الفرص الاستثمارية البديلة الأخرى أمام "أرامكو" محليا وخارجيا، مشيرا إلى أن "سابك" التي تحتل مرتبة متقدمة عالميا في مجال الصناعات البتروكيماوية المبتكرة ستبقى هدفا استراتيجيا لشركة أرامكو ذات الأبعاد التنافسية البحتة، حيث تعتمد "أرامكو" في عملياتها وعوائدها المختلفة على الحفر والتنقيب والتكرير على أسعار النفط العالمية وتذبذباتها، بينما "سابك" تعتمد على عوائد التصنيع المبتكر للمنتجات البتروكيماوية المختلفة وهي ذاتها استراتيجية عالمية في كبرى الشركات العالمية في هذا المجال.
وأشار إلى أن الصفقة قيمة مضافة جديدة تدعم وتساند بقوة الخيارات التنافسية لـ"أرامكو"، مبينا أن نقطة هامش الأمان الإاستراتيجي في الفكرة تكمن في أن معدل النمو في صناعة البتروكيماويات 3 في المائة وهي أعلى من معدلات النمو في الاقتصاد العالمي.

وأوضح، أن "أرامكو" اتجهت في الفترة الأخيرة إلى البحث عن نقاط قوة استراتيجية تكميلية للنشاط الأساسي في عمليات الحفر والتنقيب والتكرير لتنتقل في فكر استراتيجي متقدم للاستحواذ على حصة في "سابك" كنقاط قوة تنافسية ضمنت فيها تحسنا واضحا متوقعا في التكاملية ما بين كلاسيكية منتج النفط الخام وتصنيع البتروكيماويات وهي الحصة الأكبر على مستوى العالم لثبات عوائدها على الدوام لتنافس مثيلاتها عالميا.

وأضاف: "ستكون هناك فرص متوقعة محليا وخارجيا ستتعدى إلى قطاعات دولية بعينها، ما يعني طرح أرامكو بمفهوم جديد وفريد يدعم ويرفع القيمة العادلة لأنشطتها ككل ليكون الطرح بعوائد ثابتة وناجحة".

وأوضح أن الاستحواذ حتى الآن يبقى فكرة وليدة، لَم تؤثر على تداولات سوق الأسهم، خاصة أن الأموال الاستثمارية الذكية تنتظر تقييم الآثار الإيجابية المحتملة على السوق في الفترة القصيرة.

وذكر أنه في المدى القصير والمتوسط ستنعكس الكثير من الآثار الإيجابية المحتملة على السوق، حيث إن من أهم الحوافز المحتملة أن أسعار النفط العالمية في مسار صاعد خلال الفترة المقبلة لينعكس ذلك على تداولات السوق الذي يتخذ حتى اللحظة مسارا صاعدا لأغلب قطاعاته مستفيدا من فكرة "أرامكو" الذكية التي ستضيف قيمة مضافة جديدة في قطاعات مختلفة، حيث تعتبر من بين المحفزات الإيجابية الأخرى.

من جانبه، قال محمد الشميمري، محلل اقتصادي، إن الإعلان عن الصفقة سيكون له تأثير إيجابي على السوق، خاصة، أن الخبر موجود في موقع "تداول" منذ الخميس الماضي، لذا فإن جميع المستثمرين والمتداولين في السوق على علم بأن "أرامكو" تنوي شراء حصة من "سابك"، مبينا أن هذا الشراء لن يؤثر في السوق باعتبار أن الشراء ليس من السوق مباشرة.

وأضاف: "لكن في كل الأحوال فإن الإعلان عن الصفقة سيكون إيجابيا على "سابك" في المستقبل أساسيا واستراتيجيا، كما أن تصريح رئيس "أرامكو" بأن الصفقة سيكون لها أثر في طرح "أرامكو"، ما سينعكس بصورة إيجابية على الناحية النفسية للمستثمرين والمتداولين في السوق".

وذكر أن توجهات "أرامكو" نحو الاستثمار في فرص عالمية يأتي بعد دراسة عميقة مستفيضة للعوائد الحقيقية التي ستحقق للشركة من هذه الفرص، مبينا أن الصفقة المحتملة لشراء حصة في "سابك" وغيرها من الشركات المحلية أو العالمية سيدعم الموقع التنافسي لـ"أرامكو" والاستفادة من الخبرة التي تتمتع بها "سابك" عالميا كونها شركة رائدة في قطاع البتروكيماويات التي تعتمد عليها كثير من الصناعات الأخرى.

من جانبه، توقع وليد الراشد، باحث اقتصادي، أن تقود "سابك" قطاع البتروكيماويات في السوق المحلية لتحقيق مكاسب جديدة بعد الإعلان عن الصفقة المحتملة، ولا سيما أن هناك فوائد مثمرة ستجنيها "سابك" من هذا الاستحواذ من خلال الاستفادة من مكانة "أرامكو" عالميا، ما يفتح أمام "سابك" أبواب أسواق عالمية جديدة.
وأكد أن "سابك" ستكون محط أنظار المستثمرين خلال الفترة المقبلة، ما ينعكس إيجابا على تعاملات وقرارات المستثمرين محليا وعالميا، خاصة أن صناعة البتروكيماويات تحقق عوائد مشجعة للمستثمرين، بفضل النمو الذي تحققه سنويا.
وأوضح الراشد أن الشركات العالمية مثل "أرامكو" عندما تبحث عن الاستثمارات الاستراتيجية فإنها تنقب عن الفرص البديلة ومقارنتها بمعدلات النمو عالميا في الاقتصاد، وهذا ما يتحقق عند الاستثمار في صناعة البتروكيماويات التي تحقق مستويات نمو جيدة مقارنة بقطاعات صناعية عالمية أخرى، فضلا عن تحقيق عوائد ربحية للمستثمرين قد تكون أفضل من الاستثمار في قطاع النفط الذي عادة ما يكون مرهونا بتذبذبات الأسعار وتقلباتها عالميا، وبالتالي تنخفض هوامش ربح المستثمرين.

وأشار إلى أن توجه "أرامكو" نحو الاستثمارات الذكية العالمية سيعزز من مسألة طرحها، مبينا أن "أرامكو" تسعى لتعزيز مبدأ التنافسية من خلال البحث عن استثمارات محلية وعالمية في قطاعات متنوعة تأتي في مقدمتها الاستثمار في البتروكيماويات خلال الاستفادة من المقومات المكملة لشركة "سابك" التي تحقق عوائدها المالية الثابتة من منتجات صناعية مبتكرة، فضلا عن أن أرباحها في تحسن.

يشار إلى أن المهندس أمين الناصر رئيس وكبير الإداريين التنفيذيين لشركة أرامكو السعودية، أكد أن الشركة في مرحلة مبكرة للغاية من المناقشات مع صندوق الاستثمارات العامة بشأن الاستحواذ على حصة استراتيجية في شركة سابك، مبينا أنه عادةً في هذه المرحلة الأولية لا يمكن الجزم بأن الصفقة ستتم.
وكشف الناصر عن أن "أرامكو" بصدد تقييم فرص استحواذ أخرى حاليا، مشيرا إلى أن برنامج "أرامكو" للتحول الاستراتيجي الذي بدأته الشركة في عام 2011، وضع هدفا يقضي بتحول "أرامكو" من كونها الشركة الأولى الرائدة في العالم في مجال الطاقة إلى أن تكون الشركة الرائدة في العالم في مجال الطاقة والكيماويات.

وأوضح أنه بخصوص الكيماويات فإن هناك خيارين عن طريق إنشاء مشاريع جديدة (مثل مشروع صدارة)، أو عن طريق الاستحواذ.
وأكد أن استراتيجية "أرامكو السعودية" تضمنت إعادة موازنة مجموعة أعمالها التي كانت تركز في العقود الماضية على إنتاج النفط والغاز بحيث تتوسع بشكل كبير في قطاع التكرير والمعالجة والتسويق والكيماويات، مضيفا: "ونحقق طموحنا في أن نكون الشركة العالمية الرائدة في الطاقة والكيماويات. طبعا هذا التحول يتضمن الكثير من مزايا التكامل وفرص النمو والقيمة المضافة وتنويع مصادر الدخل".

ولفت إلى أن قطاع الكيماويات ينمو بمعدل نحو 3 في المائة، وهو أسرع من معدل نمو الاقتصاد العالمي أو الطلب الإجمالي على الوقود، وسينمو بمقدار 50 في المائة عما هو عليه الآن على مدى الـ20-25 سنة المقبلة، موضحا أن الاستثمار في الكيماويات هو أحد السبل لدعم الأعمال في مجالي التكرير والتسويق التي تشهد هي الأخرى نموًّا.

وقال: "لدينا تطلع طموح للغاية ضمن استراتيجيات الشركة نسعى لتحقيقه على المدى البعيد، وهو أن يتم تحويل اثنين إلى ثلاثة ملايين برميل من إنتاجنا من النفط إلى كيماويات، هذا الهدف له عدة فوائد منها زيادة القيمة المضافة من كل برميل وتنويع مصادر الدخل، وتأمين مصدر لتسويق إنتاجنا الضخم من النفط على المدى البعيد خارج قطاع النقل، حاليا غالبية استهلاك النفط العالمي يتم في قطاع النقل، واستحداث أثر إيجابي فيما يتعلق بالتغير المناخي لأن الاستخدام النهائي للنفط في مجال الكيماويات وليس في مجال المحروقات يساعد في خفض انبعاثات الكربون".

وبين أن الشركة سعت إلى النمو في مجال الكيماويات من خلال طريقين على مدى الأعوام الماضية، الأول مشاريع جديدة مثل "صدارة" و"بترو رابغ"، وصفقات الشراء والاستحواذ مثل شراء حصة 50 في المائة من "لانكسيس" الألمانية التي تمت قبل عامين من الآن.

وأفاد بأن "أرامكو" تبحث كل الفرص الاستثمارية المتاحة على الصعيدين الوطني والعالمي لتنمية أعمالها في مجال الكيماويات بما يتوافق مع استراتيجياتها، مضيفا: "وتأتي في هذا السياق الصفقة المحتملة للاستحواذ على حصة استراتيجية في "سابك"، وهي الشركة السعودية المرموقة التي تعد الثالثة عالميا والتي تربطها مع "أرامكو السعودية" علاقات متميزة منذ بداية تأسيسها".

© الاقتصادية 2018