خلافاً لما قد يراه كثيرون، الهبوط الحاد في أسعار النفط هو أفضل ما حدث للسعودية في السنوات الخمس الماضية. فقد  دخل الاقتصاد في حالة من الركود وتراجع الاحتياطي الأجنبي وهبطت البورصة بشدة. ولكن هل تتاح فرصة أفضل من ذلك لإعادة تقييم الموقف وتطبيق إصلاحات؟

منذ خمس سنوات اضطررت للوقوف ثلاث ساعات في طابور قصير في انتظار موظف الجوازات الذي كان مشغولاً عن المسافرين المنتظرين بهاتفه المحمول. كنت متعباً لدرجة أنني لم أجادل سائق التاكسي ودفعت مبلغاً لا يستهان به مقابل الوصول إلى فندقي. أما الآن، بعد خمس سنوات، فقد تغير الواقع. أصبحت إجراءات الحصول على تأشيرة أسهل وكثرت الرحلات الجوية التي تقل العديد من رجال الأعمال، كما أصبح موظفو الجوازات يستقبلون الزوار بابتسامة وتتحرك طوابير بوتيرة أسرع وتقف سيارات أوبر في الانتظار خارج المطار.

الدرس المستفاد: اغتنم الفرص خلال الأزمات. هناك الكثير من الجهود المبذولة منذ عام 2014 فضلاً عن رؤية السعودية 2030 الطموحة من أجل تحسين جودة الحياة وتنويع الاقتصاد المعتمد على النفط وفتح سوق الأسهم الذي تبلغ قيمته 550 مليار دولار أمام المستثمرين الأجانب. أما في الجانب الاجتماعي، فلم يتوقع أحد أن تعاود فتح دور السينما أبوابها وأن تصبح صالات الألعاب الرياضية النسائية نشاطاً رائجاً في أحد أكثر المجتمعات المحافظة في العالم. وتسمح السعودية للنساء الآن بالقيادة، لكنك لن ترى الكثيرات منهن يقدن سياراتهن في الشوارع نظراً لفترات الانتظار الطويلة الناتجة عن الضغط الشديد على مراكز تعليم القيادة.

لا يزال النمو الاقتصادي ضعيف، وإن كان هناك ما يدعو للتفاؤل بحذر. فلا يزال النفط يمثل حوالي النصف من اقتصاد السعودية البالغ قيمته 760 مليار دولار، لكن مساعي السعودة تبشر بالخير. فالهدف في نهاية المطاف هو تخفيض نسبة البطالة المرتفعة بين السعوديين حيث تبلغ 12,7%. وتشير تقارير إلى أن حوالي مليوني أجنبي، أي 6% من السكان، قد غادروا السعودية بالفعل، ما أدى إلى مشاكل قصيرة الأجل في الاقتصاد. ولا يزال عجز الموازنة مرتفعاً عند 7% من الناتج المحلي الإجمالي لعام 2019، ولكنه أقل بشكل ملحوظ مقارنة بعام 2016 حيث كان يبلغ 17%. ويعني ذلك أن بعض الضغوط على الاقتصاد الذي يقوده القطاع العام قد بدأت بالفعل في الانحسار. 

المملكة العربية السعودية هي النجم الصاعد هذا العام. فإلى جانب الخطوات الواعية التي اتخذها صانعو السياسات من أجل فتح السوق للمستثمرين الأجانب، رفعت مؤشرات لها جمهور كبير من المتابعين مثل مؤشر إم. إس. سي.آي ومؤشر فوتسي السوق السعودية إلى مستوى الأسواق الناشئة بأوزان معيارية كبيرة على المؤشر. 

والانضمام للأسواق الناشئة يعني أن على السوق الاستمرار في جذب الاستثمارات الأجنبية إلى أن تصل لمستوى نظرائها من الملكية الأجنبية الذي يبلغ 10% مقارنة بالنسبة الحالية التي تبلغ 3% فقط. 

وقد علمت خلال لقائي مع عدد من هؤلاء المستثمرين منذ وقت قريب أن فرق إدارة الشركات السعودية الرائدة تؤكد زيادة عدد اجتماعات المستثمرين ومعدل انضمام وجوه جديدة  على مدار الشهرين الماضيين.

المنتقدون ينتظرون النتائج على أحر من الجمر. لكن التغيير لا يحدث بين عشية وضحاها. فسيظل تصنيف السعودية غير مواتٍ في عدة مجالات من بينها حرية الصحافة ومدى سهولة أداء الأعمال التجارية في المستقبل القريب. الطريق أمامنا وعر حتماً، لكن المهم هو منظور الرؤية. فلكي نعرف إن كانت السعودية تسير في الاتجاه الصحيح أم لا، علينا أولاً أن نفهم أسباب هذا التغيير وما الذي يتم بالفعل إنجازه على أرض الواقع.

(ترجمة وتحرير رنا منير البويطي. رنا مترجمة ومحررة مستقلة منذ عام 2011 وعملت سابقاً مترجمة صحفية بموقع أصوات مصرية التابع لمؤسسة تومسون رويترز)

* تم إعادة نشر المقال لإضافة تفاصيل أكثر عن الكاتب

© Opinion 2019

المقال يعبر فقط عن عن أراء الكاتب الشخصية
إخلاء المسؤوليّة حول المحتوى المشترك ومحتوى الطرف الثالث:
يتم توفير المقالات لأغراض إعلامية حصراً؛ ولا يقدم المحتوى أي استشارات بخصوص جوانب قانونية أو استثمارية أو ضريبية أو أي نصائح أو أراء بشأن ملاءمة أو قيمة أو ربحية استراتيجية أستثمارية معيّنة.