تتكون منطقة الشرق الأوسط وشمال إفريقيا (MENA) من مجموعة غير متجانسة من البلدان تتراوح من الدول ذات الدخل المرتفع في الخليج العربي إلى الدول المتوسطة الدخل وتلك الأقل نمواً. 

 ويشكل الاعتماد الكبير على النفط والغاز المصدر الرئيسي للثروة في البلدان ذات الدخل المرتفع، في حين تعتمد الدول الأقل نموا على الزراعة التقليدية.  

هذا النموذج الاقتصادي القائم على تأمين النقد الأجنبي من الصادرات النفطية واستخدامها لاستيراد المنتجات الرئيسية الصناعية والغذائية يتميز بتقلب النمو وارتفاع البطالة.

فالنمو بات يعتمد بشكل رئيسي على أسعار المواد الخام يرتفع بارتفاعها وينخفض معها، في حين أدت الثقافة الاستهلاكية نظرا لتوافر النقد الأجنبي الى تغييب القطاعات المنتجة والتي عادة ما تلعب دور رئيسي في عملية خلق الوظائف.  

وتدل الآثار الاقتصادية والاجتماعية للأزمات الأخيرة على حجم التحديات التي تواجه المنطقة والحاجة إلى تنويع القطاعات وتعزيز تنمية القطاع الخاص وريادة الأعمال في المنطقة وتحسين مؤشرات القدرة التنافسية للأعمال.  

ومن أجل القيام بذلك يجب على صانعي السياسات في هذه الدول العمل لتقديم الدعم التنموي التقني للاستفادة من سلسلة القيمة العالمية في قطاعات التكنولوجيا.

والدراسات الاقتصادية تشير الى فرص كبيرة لا تعد ولا تحصى في هذا المجال.  

التنوع الاقتصادي

سمعنا هذا المصطلح كثيرا، فما هو وكيف يمكن الوصول إليه؟ 

التنوع الاقتصادي هو السعي لتحويل الاقتصاد الذي يعتمد على سلعة واحدة كمصدر رئيسي للدخل إلى اقتصاد له مصادر دخل عبر قطاعات متعددة (زراعة، صناعة، تجارة، سياحة، مواد خام..). يهدف هذا التنوع في مصادر الدخل إلى تسريع الإنتاجية وخلق فرص العمل. الهدف الرئيسي هنا هو تحقيق النمو الاقتصادي المستدام من خلال بناء المرونة في مواجهة تقلبات الظروف الاقتصادية تطبيقا للمثل الشائع "لا تضع كل بيضك في سلة واحدة".  

ونظرًا لموقعها الاستراتيجي كجسر بين شمال العالم وجنوبه، وكمصدر أساسي للطاقة في العالم، بإمكان الدول العربية ان تلعب دور مهم في الاقتصاد العالمي. وبالتالي فان ذلك لن يعود بفوائد اقتصادية إقليمية فقط كتحسين المرونة الاقتصادية وخلق المزيد من فرص العمل لشباب المنطقة، وتحقيق الاستقرار الاقتصادي والأمن الغذائي والسياسي، بل ان هذا التكامل مع الاقتصاد العالمي سيؤدي أيضًا إلى تراكم المنافع الاقتصادية العالمية.  

هذا الطريق إلى التنوع الاقتصادي يعتمد على استكشاف كل بلد لميزاته النسبية (comparative advantage)، أي تحديد تلك القطاعات الاقتصادية التي يمكن للبلاد القيام بها بكفاءة اعلى من المنافسين، ثم القيام بالإصلاحات الاقتصادية، وتوفير الموارد البشرية، والمؤسسات السليمة، للاستثمار فيها.  

الحاجة الى تحرير التجارة 

ان التحرير المتوازن للتجارة يمكن أن يسرع من النمو الاقتصادي ويفيد جميع الشركاء التجاريين.

في العقدين الماضيين، نفذت الدول العربية بعض الإصلاحات الهيكلية لتحسين أداء الاقتصاد الكلي. ومع ذلك، لم يكن هناك نجاح حقيقي في معالجة المشاكل الهيكلية عميقة الجذور؛ كما لم يتم التطرق إلى قضايا الحوكمة واصلاح المؤسسات. وبالتالي، هناك حاجة لمزيد من الإجراءات، بما في ذلك إعادة تقييم دور الدولة في الاقتصاد وخلق بيئة تنظيمية فعالة، وإصلاح أسواق المال والعمل، وتحسين الشفافية. 

إضافة الى ذلك، يعد خفض تكاليف النقل الداخلي أمر مهم في تمكين المناطق الداخلية من توسيع التجارة وفي عملية التحول الهيكلي. كما يمكن ان يساهم ذلك في ربط البنية التحتية بعضها ببعض، الأمر الذي يعزز التجارة الحرة وحرية حركة راس المال.   

محاولات بحاجة للمتابعة  

أُنشئت مبادرة الشرق الأوسط وشمال إفريقيا ومنظمة التعاون الاقتصادي والتنمية في مجال الحوكمة والقدرة التنافسية من أجل التنمية بناءً على طلب دول الشرق الأوسط وشمال إفريقيا في عام 2005. وتهدف هذه المبادرة إلى تسهيل التعاون بين المنطقتين وبالتالي تعزيز سياسات النمو المستدام والشامل. 

كم انه بموجب الاتفاقيتين الرئيسيتين الساريتين حاليًا - "منطقة التجارة الحرة العربية" و "اتفاقية أغادير" - تم إلغاء معظم التعريفات الجمركية في المنطقة. ومع ذلك، فإن تنفيذها يفتقر إلى الخدمات اللوجستية الضعيفة، والافتقار إلى الشفافية، والتخليص الجمركي المعقد. 

وفي الوقت نفسه، لم تُظهر بلدان الشرق الأوسط وشمال إفريقيا اندماج كبير في سلاسل القيمة العالمية. في حين أن انتشار فيروس كورونا وقطعه لسلاسل التوريد من المرجح أن يعزز زخم السياسات التي تتطلع إلى الداخل.

لجني الإمكانات الكاملة لسلاسل القيمة العالمية في منطقة الشرق الأوسط وشمال إفريقيا، يجب معالجة عدد من العقبات في مجال الخدمات اللوجستية، وتنمية الموارد البشرية، والبنية التحتية للمعلومات.

والآن وقت فرص، ولابد ان نبدأ حتى لا يصبح الكلام عن التنوع الاقتصادي مجرد كلام.

(إعداد:  محمد طربيه، المحلل الاقتصادي بزاوية عربي و أستاذ محاضر ورئيس قسم العلوم المالية والاقتصادية في جامعة رفيق الحريري بلبنان 

(للتواصلyasmine.saleh@refinitiv.com

  سجل الآن ليصلك تقريرنا اليومي الذي يتضمن مجموعة من أهم الأخبار لتبدأ بها يومك كل صباح

© ZAWYA 2021

بيان إخلاء مسؤولية منصة زاوية
يتم توفير مقالات منصة زاوية لأغراض إعلاميةٍ حصراً؛ ولا يقدم المحتوى أي نصائح قانونية أو استثمارية أو ضريبية أو أي آراء تتعلق بملاءمة أو قيمة ربحية أو استراتيجية ‏سواء كانت استثمارية أو متعلقة بمحفظة الأعمال . للشروط والأحكام