من محمد جاد، الصحفي بموقع زاوية عربي

 

صعود الحماية التجارية وتباطؤ الاقتصاد العالمي

خفض صندوق النقد الدولي في أكثر من مراجعة من توقعاته للنمو الاقتصادي العالمي في ظل تزايد الحماية التجارية بين أمريكا وشركائها التجاريين, والتي تعني فرض رسوم جمركية جديدة على الواردات الأمريكية من عدة دول أبرزها الصين والتي أدت الى حرب تجارية بين أمريكا والصين منذ العام الماضي.

تفاصيل أكثر عن الحرب التجارية بين أمريكا والصين وأهم احداثها في الروابط التالية:

آخر المستجدات في الحرب التجارية الأمريكية الصينية

ما هي نتائج الحرب التجارية بين الولايات المتحدة والصين؟

 وكان آخر تخفيضات صندوق النقد للنمو الاقتصادي العالمي صدر في أبريل الماضي. وقدرت المؤسسة الدولية نمو العام الجاري بـ 3.3%، وهو أقل معدل نمو منذ الأزمة المالية العالمية 2007-2008.

التوقع أيضا جاء أقل من توقع سابق لصندوق النقد نشر في يناير من العام السابق حيث توقعت المؤسسة نموا قدره 3.5 % لهذا العام و 3.6 % للعام القادم. المؤسسة قد قدرت سابقا معدل النمو الاقتصادي العالمي في 2018 ب 3.6 %.

ويقول أحمد شمس، رئيس قطاع البحوث بالمجموعة المالية هيرميس والتي تتخذ من القاهرة مقرا لها، إن تباطؤ التجارة العالمية قد يؤثر سلبا على إيرادات مصر من قناة السويس.

ونفس الحال بالنسبة للإمارات حيث قد ينعكس أداء التجارة العالمي على شركات لها علاقة مباشرة بالتبادل التجاري بين الدول مثل الشركات التي تدير موانيء.

ويضيف أنه إذا ما اثمرت الحرب التجارية عن دولار أكثر قوة أمام العملات الأخرى فسيكون لذلك تأثيره على دول مثل الإمارات.

حيث يعلق بأن " زيادة سعر الدولار امام عملات الاسواق الناشئة يعني ارتفاع تكاليف السياحة واسعار العقارات في الإمارات، وهو ما يجعل هذه الانشطة تحت المخاطر".

وتستهدف السياسات الأمريكية في الوقت الحالي تقليل العجز التجاري للبلاد بقدر الإمكان وجعل الولايات المتحدة أكثر قدرة على التصدير وأقل ميلا للاستيراد وذلك يساهم في تعزيز عملتها.

وفي المقابل تتأثر عملات الأسواق الناشئة والتي من ضمنها الدول العربية بسياسات زيادة الفائدة الأمريكية والتي تجعل المستثمرين أكثر اقبالا على شراء الدولار والتعاملات المالية المرتبطة به وأقل اقبالا على التعاملات المالية المرتبطة بعملات الأسواق الناشئة.

لكن باسكال دوفا، الاقتصادي ببنك بي. إن. بي باريبا والمقيم في باريس يرى أن الاقتصاد المصري على وجه التحديد لديه فرصة للحماية من التباطؤ الاقتصادي العالمي في ظل اعتماده القوي على الانفاق المحلي في خلق الطلب الذي يساعد على نمو الناتج الاقتصادي للبلاد.

ويعد الانفاق المحلي، سواء كان من مستهلكين محليين او جهات مؤسسية، أحد المكونات الرئيسية للناتج الاقتصادي الذي تنتجه أي بلد، كما يساهم في خلق الناتج الاقتصادي كل من الصادرات والاستثمارات.

 

تأثير الحرب التجارية على أسعار النفط بالمنطقة

يعتبر باسكال أن التأثير الأبرز لتباطؤ أسواق كبرى مثل الصين على الخليج سيأتي من انخفاض ايرادات النفط، حيث يتوقع أن يتسبب تباطؤ الصين، ثاني أكبر اقتصاد في العالم بعد الولايات المتحدة، في اضعاف أسعار النفط الخام.

ويشير إلى أن 70% من مجمل الإيرادات المالية للسعودية و80% من مجمل صادرات البلاد ترتبط بالنفط، وكذلك 60% من الإيرادات المالية للإمارات و25% من صادراتها.

ويرى في المقابل أن مصر كبلد مستورد للبترول ستستفيد من انخفاض أسعار النفط عالميا، حيث سيقلل انخفاض الأسعار من فاتورة وارداتها، وسيحد من التضخم ومن النفقات العامة المرتبطة بدعم الطاقة.

ولا ينكر أحمد أن أسعار البترول تأثرت بالفعل بالحرب التجارية، ولكنه يرى أن مؤشرات العرض والطلب ترجح زيادة الاسعار في الاجل المتوسط ، خلال ثلاث سنوات قادمة، لأكثر من 80 دولار للبرميل. هذا بجانب تأثير العقوبات الأمريكية علي إيران والتي قد تزيد من الطلب على المعروض من النفط.

ويقول أحمد إنه في حالة عدم استجابة أسواق النفط لقوى الطلب الحالية بما يساعد على رفع سعر البرميل إلى المستويات التي أشار لها .

و يضيف: " المؤكد أننا لن نعود لانهيارات 2014 التي مثلت ضغطا على الوضع المالي في الخليج والمؤكد انها (الأسعار) لن تنخفض عن المستويات المستهدفة في الموازنات الخليجية والتي تتراوح بين خمسين وستين دولار (للبرميل) ".

وقد بلغ سعر خام برنت نحو 66 دولار للبرميل اليوم الساعة 9:39  صباحا بتوقيت دبي، بعد أن كان يتداول عند ما يقرب من 75 دولار في أبريل الماضي.

 

تأثير الحرب  التجارية على السلع الاستهلاكية والصناعية

تصاعدت الرسوم الجمركية الأمريكية الجديدة المفروضة على الصين خلال 2018 و2019 ولكن بعد المحادثات الأخيرة بين الرئيسين الأمريكي والصيني في قمة العشرين  في الأيام الماضية قال دونالد ترامب إنه لن يفرض رسوما جديدة على الصين.

ولكن الرسوم التي تم فرضها كانت باهظة بالفعل، وقد تشجع الرسوم الأمريكية مصدرو الصين على التوجه بمنتجاتهم لأسواق بديلة، وهو ما يعني منافسة أكثر شراسة من السلع الصينية مع الصناعات الوطنية في بعض الدول العربية.

ويقول أحمد "نحن مقبلون على عصر زيادة الحماية التجارية. مصر تفرض بالفعل رسوما على البليت المستورد ودول مجلس التعاون تفرض خمسة بالمائة على منتجات الصلب المستوردة من خارج بلدان المجلس منذ 2010 وهي رسوم قد تزيد مع تصاعد الحرب التجارية".

وبدأت مصر في أبريل الماضي تحصيل رسوم” وقاية مؤقتة“ بنسبة 25 % على واردات حديد التسليح والصلب و15% على البليت ، وهو من المكونات الرئيسية الذي يدخل في صناعة الحديد، كلاهما لمدة 6 شهور.

ورسوم الوقاية المؤقتة يتم فرضها حتى تنتهي السلطات من دراسة السوق والتأكد من أن الشركات المصدرة لا تقوم بممارسات إغراق. والمقصود بالإغراق هو تصدير شركة لمنتجاتها بأسعار أقل من السعر السائد في البلد المُصدر.

ويتم فرض رسوم الإغراق لزيادة سعر المنتج المستورد حتى لا تتضرر الشركات المحلية من المنافسة غير العادلة.

لكن أحمد يشير إلى أن اسهام الصناعة في الناتج الاجمالي في ناتج البلدان العربية الثلاث يعد محدودا وهو ما يقلل من تأثرها بالمنافسة الاسيوية.

ويقول "في السعودية والامارات تتم عمليه انتاج البتروكيماويات بشكل كامل على اراضيهم وهو ما يعزز من قدرتهم على التحكم في سعر المنتج النهائي ومواجهة بالمنافسة".

ويذهب باسكال لاستنتاج مقارب اذ يقول " لا اعتقد انه سيكون له (تدفق المنتجات الصينية) تأثير على هذه البلدان لأنها لا تتنافس مع البلاد الآسيوية على (انتاج) نفس المنتجات".

 

تأثير الحرب  التجارية على الاستثمارات الاجنبية

المستقبل الضبابي للحرب التجارية قد يقلل من قدرة المستثمرين على أخذ القرارات طويلة الأجل، فهل ينعكس ذلك على تدفق الاستثمارات الأجنبية المباشرة على السعودية، الإمارات ومصر؟

يقول أحمد إن الاستثمارات المباشرة طويلة الآجل، التي تتأسس للعمل لفترات أطول من 3 سنوات، في العالم تأثرت بحالة عدم الاستقرار التجاري في الفترة الأخيرة، ويظهر ذلك في السوق المصري مع ضعف الاستثمارات المباشرة خارج قطاع البترول ونفس الحال بالنسبة للسعودية.

 لكنه لا يرى لها تأثير قوي على حركة الاندماج والاستحواذ بالمنطقة حيث يقول:" بالعكس في هذه الفترات يكون من المفيد عمليات اعادة الهيكلة".

ويضيف "انها (الاستثمارات الأجنبية المباشرة) منخفضة في السعودية ومحدودة في الإمارات ومتركزة على السوق العقاري الذي يعاني حاليا من الضغوط. وفي مصر تتركز الاستثمارات الأجنبية المباشرة في قطاع الطاقة وهو ليس شديد التأثر بعدم اليقينية".

ويختتم باسكال بقوله: "بصفة عامة فإن منطقة الشرق الأوسط وشمال افريقيا ليست معرضة بقوة للحرب التجارية بين الولايات المتحدة والصين لأن بلدانها ضعيفة الاندماج في سلسلة الإنتاج العالمية. مصر ليست من البلدان المصدرة الكبيرة وبلدان مجلس التعاون الخليجي تتركز صادراتها في المنتجات الهيدروكربونية".

وبحسب بيانات منظمة الأونكتاد، وهي منظمة تابعة للأمم المتحدة، بلغ حجم تدفقات الاستثمار الأجنبي المباشر في 2018 بالسعودية 3.2 مليار دولار  وفي الإمارات 10.4 مليار دولار  وفي مصر 6.8 مليار دولار.

 

* الكلمات التي داخل قوسين مثل (تدفق المنتجات الصينية) و (انتاج) هي مضافة من قبل الكاتب الصحفي للتوضيح.

 

(قام بعمل اللقاءات الصحفية وكتابة المقال محمد جاد: وقد عمل محمد في عدد من المؤسسات الاعلامية مثل صحيفة الشروق المصرية وموقع أصوات مصرية وصحيفة الشرق الأوسط السعودية)

(تحرير ياسمين صالح:yasmine.saleh@refinitiv.com)

© ZAWYA 2019

 

إخلاء المسؤوليّة حول المحتوى الأصلي
تم كتابة محتوى هذه المقالات وتحريره من قِبل ’ ريفينيتيف ميدل ايست منطقة حرة – ذ.م.م. ‘ (المُشار إليها بـ ’نحن‘ أو ’لنا‘ (ضمير المتكلم) أو ’ ريفينيتيف ‘)، وذلك انسجاماً مع
مبادئ الثقة التي تعتمدها ريفينيتيف ويتم توفير المقالات لأغراض إعلاميةٍ حصراً؛ ولا يقترح المحتوى أي استشارات بخصوص جوانب قانونية أو استثمارية أو ضريبية أو أي آراء بشأن ملاءمة أو قيمة أو ربحية أي استراتيجية معيّنة تتعلق بالاستراتيجية الأمنية أو المحافِظ أو الاستثمار.
وبموجب الحد الذي يسمح به القانون المعمول به، لن تتحمّل ’ ريفينيتيف ‘، وشركتها الأم والشركات الفرعية والشركات التابعة والمساهمون المعنيون والمدراء والمسؤولون والموظفون والوكلاء والمٌعلنون ومزوّدو المحتوى والمرخّصون (المشُار إليهم مُجتمعين بـ ’أطراف ريفينيتيف ‘) أي مسؤولية (سواءً مجتمعين أو منفردين) تجاهك عن أية أضــرار مباشــرة أو غيــر مباشــرة أو تبعيــّة أو خاصــة أو عرضيّة أو تأديبية أو تحذيريّة؛ وذلك بما يشمل على سـبيل المثـال لا الحصـر: خسـائر الأرباح أو خسارة الوفورات أو الإيرادات، سـواء كان ذلك بسبب الإهمال أو الضـرر أو العقـد أو نظريـات المسـؤولية الأخرى، حتـى لـو تـم إخطـار أطـراف ’ ريفينيتيف ‘ بإمكانيـة حـدوث أيٍ مـن هـذه الأضرار والخسـائر أو كانـوا قـد توقعـوا فعلياً حدوثهـا