السلع في اتجاه صعودي، ويعود السبب الرئيسي في ذلك للثلاثية المتمثلة في تعافي الاقتصاد العالمي، وضعف الدولار وإمكانية نشوء دورة نمو عملاقة بعد انحصار أزمة كوفيد-19.  

انضم النفط إلى الارتفاع مع تداول خام برنت فوق 70 دولار للبرميل، مرتفعًا بنسبة 40% هذا العام. لكن التحول غير العادي في أسعار النفط في الأشهر الـ 12 الماضية يدين بالكثير لأوبك + وسعيها الحازم لإعادة التوازن إلى السوق. 

وقال قسم الأبحاث في بنك اوف أميركا (Bank of America) في مذكرة الشهر الماضي: "نعتقد أن التعافي القوي في الطلب العالمي على النفط سيفوق نمو العرض خلال الأشهر ال18 المقبلة، مما يزيد من استنزاف المخزونات ويمهد الطريق لارتفاع أسعار النفط". 

ورفع البنك توقعاته لأسعار خام برنت لهذا العام والعام المقبل، وذكر التقرير أن انخفاض العرض وازدياد الطلب على النفط في عام 2022 قد يدفع النفط لفترة وجيزة إلى 100 دولار للبرميل.  

المحرك الأكبر

 هو انتعاش الاقتصاد العالمي. 

يتوقع الاقتصاديون نمو إجمالي الناتج المحلي العالمي بنسبة 5% هذا العام بسبب إطلاق اللقاحات التي تحرر الاقتصادات من الإغلاق. وفي الدول المتقدمة في محاربة الجائحة عادت وسائل النقل الى العمل، مما أدى إلى زيادة استهلاك البنزين ووقود الطائرات.  

وأظهر تقرير أسبوعي عن حالة النفط الصادر عن إدارة معلومات الطاقة الأمريكية (EIA) أن الطلب المحلي خلال الأسبوع المنتهي في 11 يونيو قد قفز بنسبة 16% على أساس أسبوعي، مع زيادة الطلب على البنزين بنسبة 10% واستهلاك وقود الطائرات بنسبة 22%. وقالت الوكالة إنه خلال الأسابيع الأربعة السابقة لذلك، بلغ متوسط استهلاك الولايات المتحدة من البترول 19.3 مليون برميل في اليوم، بزيادة 17% عن نفس الفترة من العام الماضي. 

ولكن أحد المخاطر التي تواجه نمو الطلب هو حدوث إغلاقات جديدة في بعض البلدان. وكانت الموجات الجديدة من الفيروس في الهند وجنوب شرق آسيا وأجزاء من أوروبا وأماكن أخرى أحد الأسباب التي جعلت الطلب على النفط أقل من التوقعات الأولية في الأشهر الأولى من هذا العام.  

في المقابل، سيكون النمو في عرض النفط صغير مقارنة بنمو الطلب المتوقع في عام 2021. 

تمارس أوبك + قدر كبير من الحذر للحفاظ على توازن السوق وتجنب الفوائض مع تعافي الاقتصاد. ويتوقع المحللون ان تزيد أحجام المحروقات بمقدار 1.3 مليون برميل في اليوم فقط هذا العام، بينما يتوقع أن ينمو الطلب 5.9 مليون برميل في اليوم. 

تضيف منظمة البلدان المصدرة للبترول وحلفاؤها أوبك +، أكثر من مليوني برميل في اليوم إلى السوق. ومع ذلك، تتوقع المجموعة زيادة الطلب العالمي على النفط بنحو 6 ملايين برميل في اليوم في النصف الثاني من هذا العام، متجاوزة نمو العرض. 

بالإضافة إلى ذلك، تتوقع الأسواق ما يقرب من مليون برميل في اليوم بنهاية عام 2021 من الصادرات الإيرانية المحتملة، في حالة افضت المحادثات بين الولايات المتحدة وإيران في فيينا إلى رفع العقوبات النفطية. 

انخفاض المخزونات  

المخزونات في انخفاض حاد، مما يعكس تشديد السوق. فقد انخفضت مخزونات منظمة التعاون الاقتصادي والتنمية (OECD) بالفعل بمقدار 100 مليون برميل عن الذروة التي حققتها في مايو 2020، ووفقًا لتوقعات صناديق الاستثمار في الطاقة ستنخفض بمقدار 100 مليون برميل أخرى بحلول نهاية هذا العام إلى أقل بكثير من مستويات ما قبل الوباء. 

أوبك+ اللاعب الأكثر تأثيرا  

قد تشهد أسعار النفط مزيد من الصعود في الأشهر المقبلة. ونرى ذلك الآن مع تجاوز  خام برنت 75 دولار.

 وتتمتع دول أوبك + حاليًا بأسعار عالية حيث تسعى لاسترداد بعض من 335 مليار دولار من الإيرادات التي خسرتها المجموعة العام الماضي عندما انهار السوق.  

سيف ذو حدين  

ولكن هناك حد للمدة التي يمكن أن تخاطر فيها أوبك + بلعب هذه اللعبة. فارتفاع الأسعار يمكن أن يضعف الانتعاش الاقتصادي العالمي.  

تحفز أسعار النفط المرتفعة المستهلكين على الاعتدال في استهلاك النفط والتحول إلى مصادر طاقة منخفضة الكربون. 

التحولات في مجال الطاقة جارية بالفعل في جميع أنحاء العالم حيث يسعى صناع السياسات والشركات الحكومية إلى الحد من الانبعاثات ومعالجة تغير المناخ. ويقول المحللون إن هذا سيؤدي قريباً إلى إبطاء معدل النمو في الطلب. 

اما كبار تجار السلع في العالم فيتوقعون، وبالتأكيد يتمنون، العودة إلى 100 دولار لبرميل النفط. 

(إعداد:  محمد طربيه، المحلل الاقتصادي بزاوية عربي و أستاذ محاضر ورئيس قسم العلوم المالية والاقتصادية في جامعة رفيق الحريري بلبنان وحاصل على درجة الدكتوراه في إدارة الأعمال)  

(للتواصل: yasmine.saleh@refinitiv.com) 

 

 

 

© Opinion 2021

المقال يعبر فقط  عن أراء الكاتب الشخصية
إخلاء المسؤوليّة حول المحتوى المشترك ومحتوى الطرف الثالث:
يتم توفير المقالات لأغراض إعلامية حصراً؛ ولا يقدم المحتوى أي استشارات بخصوص جوانب قانونية أو استثمارية أو ضريبية أو أي نصائح أو أراء بشأن ملاءمة أو قيمة أو ربحية استراتيجية استثمارية معيّنة.