في تقرير حديث له، ذكر معهد التمويل الدولي International Finance Institution IIF أن حجم الديون على مستوى العالم  ارتفع بشكل كبير، بأكثر من 15 تريليون دولار مقارنة بالعام السابق، ليصل إلى 272 تريليون دولار في الربع الثالث من العام الحالي الحافل 2020، مع توقع أن يصل حجم الدين عالمياً إلى 277 تريليون دولار مع حلول نهاية العام الحالي، بنسبة 365% من الناتج الإجمالي العالمي. 

والحقيقة أنه لا يوجد توقيت مناسب أكثر من هذا كي نفتح ملف الديون بالشرح والتبسيط والتتبع، ومحاولة فهم لماذا هي قضية هامة إلى هذا الحد..  

فما هو مفهوم الدين العام؟ 

ببساطة، الدين العام هو التزامات الديون على القطاع العام، أو الديون التي يضمنها القطاع العام للدولة، من ديون خارجية (التزام الدولة نحو غير المقيمين) أو داخلية (التزام نحو المقيمين). إلا أن هذا القطاع العام يضم مستويات متعددة لها تجميعات مختلفة لمستويات مديونياتها.

فهناك الحكومة المركزية، والحكومة العامة، والموازنة العامة وبعض التصنيفات تضم البنك المركزي كذلك. ولن ندخل هنا في تفاصيل تلك التصنيفات، ولكن من المهم أن نشير إلى أن الدين العام قد يتم قياسه على مستويات مختلفة تتباين في مدى شمولها، وبالتالي عند عقد المقارنات سواء خلال فترات زمنية مختلفة أو بين البلاد المختلفة يلزم تبني نفس التعريف والتصنيف قدر الإمكان. 

لماذا تقترض الحكومات في الأساس..؟ 

قد تلجأ الحكومات للاقتراض لتمويل عمليات الإنفاق العام ومتابعة برامجها التنموية، خاصة إذا لم تحب اللجوء لرفع الضرائب أو التوسع في فرضها، أو طباعة النقود لتمويل عجز الموازنة وتدبير التمويل للإنفاق العام فيما يسمى بتسييل عجز الموازنة أو Deficit Monetization. 

ففي بعض الأحيان، قد تفضل الدولة الاستدانة على رفع الضرائب، بالذات إذا تعلق الأمر بتمويل استثمارات، حيث قد ينظر أنه من غير العدالة أن يدفع المجتمع تكلفة (وهي الضريبة) لتمويل استثمارات ستعود بالنفع للجيل اللاحق له، بينما من الأكثر عدالة أن يقوم الجيل الذي ينتفع بناتج الاستثمارات بدفع تكلفتها، وهي سداد أصل الديون بفوائدها. وطبعاً هنا، يفترض أننا نتحدث عن ديون يتم إنفاقها في عمليات استثمارية وتنموية بحتة، وليس مجرد تمويل عجز في مصروفات جارية لا تدر عائد (الأجور والدعم مثلاً أو الاقتراض لسداد مديونيات أخرى). بالإضافة لذلك، فأحياناً تفضل الحكومات تجنب رفع الضرائب في الأوقات التي يستحب فيها تجنب السياسات الانكماشية، أو قد تلجأ للاقتراض جنباً إلى جنب مع رفع الضرائب إذا كانت الاحتياجات التمويلية كبيرة بشكل ما. 

وهنا، قد تلجأ الدولة للاقتراض إما داخلياً أو خارجياً. فما الفرق وما تبعات كل منهما...؟ 

هناك تصنيفات مختلفة لاعتبار الدين داخلياً أو خارجياً، فقد يتم التصنيف وفقاً للعملة (وهو تصنيف لا يعتبر دقيق بالذات للدول التي تتعامل بعملة دول أخرى) أو محل إقامة المستثمر مشتري الدين (إلا أن هذا التصنييف يصعب تتبعه بشكل دقيق)، وبالتالي فإن التصنيف الأوسع استخداما هو مكان إصدار الدين، من حيث في أي سوق صدر أو لأي إطار تشريعي يخضع، وهكذا. 

الاقتراض المحلي: حيث تقوم الحكومة ببيع أدوات مديونية (أذون وسندات) للجهاز المصرفي المحلي، والذي يشتري تلك الأدوات مقابل فائدة تتحدد معدلاتها وفقاً للعرض والطلب ومتغيرات السوق وأسعار الفائدة الأساسية التي يقرها البنك المركزي ومعدلات التضخم المتوقعة، كل هذه العوامل وغيرها تحدد مدى جاذبية أدوات الدين المحلي للمستثمرين المحليين وحتى الأجانب. 

وبالرغم من أن الاقتراض المحلي هو عرضة لمخاطر أقل نسبياً من الاقتراض الخارجي كما سنوضح، إلا أنه كذلك يتضمن مخاطر عدة، أولها هو أن تراكم الدين الداخلي مع عدم تسارع معدلات النمو والإيرادات الضريبية بالقوة الكافية، قد تضطر معه الدولة لمزيد من الاستدانة وتمويل العجز عن طريق طباعة النقود، وهو ما يؤدي تدريجياً لانخفاض قيمة العملة وارتفاع التضخم وتآكل القوى الشرائية، وما يتبع ذلك من آثار اجتماعية وتزايد الفقر وتراجع مؤشرات التنمية.  

ولذا، يجب أن يخضع الاقتراض الداخلي لاستراتيجيات مدروسة جيداً لدراسة الحدود الآمنة للدين الداخلي، وإدارة مخاطره وآجاله، وهكذا. 

من ناحية أخرى، يعتبر الدين الداخلي هو تعبئة لموارد داخلية، وبالتالي فإن رؤوس الأموال المتاحة قد يتم استغلالها في إقراض الحكومة بدلاً من توفير الموارد اللازمة للقطاع الخاص مثلا. بمعنى آخر، قد تفضل البنوك التجارية إقراض الحكومة – على أساس انه إقراض عديم المخاطرة – على إقراض القطاع الخاص الذي بطبيعته يحتمل مخاطرة أعلى. وهذا ما يسمى بأثر المزاحمة Crowding Out. 

الاقتراض الخارجي: وله صور متعددة، فقد تقوم الحكومة بالاتفاق على قروض ثنائية من حكومات أخرى، أو من مؤسسات دولية، أو قد يكون قرض متعدد الأطراف Syndicated Loan، أو قد تطرح سندات دولية في الأسواق الخارجية لتشتريها صناديق الاستثمار الدولية مثلاً. 

وهنا، نقف بحذر لنتناول مخاطر الاستدانة الخارجية. ونحن لا نعني هنا فقط الضغط السياسي من الدولة الدائنة مثلاً أو فرض شروط سياسية في قضايا معينة لتسهيل سداد الدين أو حتى إسقاطه. وإنما تتضمن مخاطر الديون الخارجية أيضاً الحساسية الشديدة لبعض المتغيرات التي تؤثر وبشدة على القدرة على السداد، منها تغيرات سعر الصرف مثلاً، حيث في حال انخفضت قيمة العملة الوطنية يتأثر بشدة حجم الدين الأجنبي وفوائده ومخاطر السداد مما يؤثر بدوره على الموقف المالي للدولة بل وعلى قدرتها على الاستدانة مرة أخرى إلا بسعر أعلى وشروط أصعب. 
 
ماهي إذن المساحات الآمنة للاقتراض...؟ وكيف يتم قياس مستوى الاستدانة للدول المختلفة؟ هذا ما سنعرضه ببساطة في الجزء القادم. 

لقراة مقالات سابقة لإسراء:

الاقتصاد المصري: بين نظرة الرضا....والحذر 

أداء متباين للقطاع الخاص في السعودية والإمارات، المخاوف واحدة.. 

كورونا والاستثمارات الأجنبية

(إعداد: إسراء أحمد، وعملت إسراء سابقا كاقتصادي أول بشركة شعاع لتداول الأوراق المالية - مصر، وكذلك شركة مباشر لتداول الأوراق المالية، بالإضافة لعملها كباحث اقتصادي في عدة وزارات مصرية)

(للتواصل: yasmine.saleh@refinitiv.com)

تغطي زاوية عربي أخبار وتحليلات اقتصادية عن الشرق الأوسط والخليج العربي وتستخدم لغة عربية بسيطة.

© Opinion 2020

المقال يعبر فقط عن عن أراء الكاتب الشخصية
إخلاء المسؤوليّة حول المحتوى المشترك ومحتوى الطرف الثالث:
يتم توفير المقالات لأغراض إعلامية حصراً؛ ولا يقدم المحتوى أي استشارات بخصوص جوانب قانونية أو استثمارية أو ضريبية أو أي نصائح أو أراء بشأن ملاءمة أو قيمة أو ربحية استراتيجية أستثمارية معيّنة.

© Opinion 2020

المقال يعبر فقط عن عن أراء الكاتب الشخصية
إخلاء المسؤوليّة حول المحتوى المشترك ومحتوى الطرف الثالث:
يتم توفير المقالات لأغراض إعلامية حصراً؛ ولا يقدم المحتوى أي استشارات بخصوص جوانب قانونية أو استثمارية أو ضريبية أو أي نصائح أو أراء بشأن ملاءمة أو قيمة أو ربحية استراتيجية أستثمارية معيّنة.