10 01 2017

لا شك في أن الخبرة القضائية تعتبر من الوسائل المساعدة للقضاء، ولا يمكن للمحاكم في دولة الإمارات العربية المتحدة الاستغناء عنها بأي حال من الأحوال. وتعرف الخبرة القضائية بأنها اجراء للتحقيق يعهد به القاضي إلى شخص متخصص في مسألة فنية وتقنية تخرج عن اختصاصه عملاً بأحكام المادة 69 من قانون الاثبات في المعاملات المدنية والتجارية الإتحادي رقم (10) لسنة 1992 وتعديلاته. ومن ثم فالخبراء عنصراً مهماً لاستقامة العدالة، إلا أنه بات مؤخراً ما يثير الحيرة ويبعث القلق في نفوس المتقاضين ومن يمثلهم من المحامين بل والقانونيين بشكل عام. تلك السلطة الفعلية التي أوجدها الواقع العملي للسادة الخبراء الذين يتم ندبهم من قبل المحاكم للاستنارة برأيهم في المسائل التقنية والفنية التي يستلزمها الفصل في الدعاوى.

إذ يظهر للمراقب أنه من الناحية العملية لم يعد ممكناً البت في معظم الدعاوى - أياً كان نوعها أو طبيعتها - دون الاستعانة برأي الخبراء، حيث توكل إليهم المحكمة مهمة تحقيق جلّ عناصر الدعوى وبحث المستندات والأدلة المقدمة من المتداعين. وقد امتدت إلى درجة أضحى معها بعض الخبراء يصادرون على سلطة المحكمة في إصدار الأحكام والتي هي من صميم اختصاصها - أي المحكمة - والشاهد في المسالة ليس المقصود منه النعي على المشرع الذي أجاز للمحكمة اللجوء إلى الخبرة كإحدى وسائل الإثبات المخولة للمحكمة عند الاقتضاء في حدود معينة لا ينبغي أن تجاوز المسائل الفنية التي يستلزمها الفصل في الدعاوى المطروحة عليها.

وذلك بما ينطوي على إشارة واضحة تؤكد حرص المشرع على عدم إطلاق الاستعانة برأي الخبراء إلا في المسائل الفنية التي تقتضيها طبيعة الدعوى التي قد تنطوي عليها من تفاصيل لا يفهم معناها إلا أهل الخبرة و الاختصاص. الأمر الذي يوجب على المحكمة الالتجاء إليهم في المجال الذي تدور في فلكه وقائع الدعوى وأدلة اثباتها حرصاً من المشرع على إصدار الأحكام بفهم سليم لوقائع الدعوى وتعليلها تعليلاً قانونياً لا يدانيه القصور، مستجمعة لكافة الشرائط والمتطلبات المتوجبة لإصدار القرارات والأحكام طبقا لما انطوت عليه وقائع الدعوى وادلة إثباتها سواء كانت قانونية أم واقعية أم فنية. إلا أن الواقع العملي يؤكد أن ما دأبت عليه المحاكم بشأن الإستعانة بالخبراء في أغلب الدعاوى قد ينطوي في حقيقته على تفويض الخبراء في الفصل في مسائل قانونية أو واقعية تدخل في صميم عمل القاضي.

يمتنع على الخبير التصدي لأية مسألة قانونية أو الفصل في أية مسألة واقعية، إذ أن دوره يقتصر على بحث العناصر الواقعية فقط دون ترجيح أحدها على الأخرى، وهنا فلا ننعى على المحاكم إستعانتها بالسادة الخبراء في مسائل فنية معينة تخرج عن اختصاصها مثل المحاسبة او الهندسة او الطب أو الأسواق المالية. إلا أن ما يُنعى عليها هو عدم تحديد مهمة الخبراء بشكل واضح وجازم مما يوجد حالة من الارتباك لدى الخبراء والمتقاضين ثم يعقبه اعتماد المحاكم على آراء الخبراء وتقاريرهم في اصدار الاحكام والبت في الدعاوى، وهو ما يعكس حالة من تعاظم السلطة الفعلية للخبراء بمواجهة فرقاء الدعوى الذين لا يقوون في كثير من الاحيان على مجابهة تلك السلطة حال مناقشة الخبير لموضوع الدعوى خشية ان يصب غضبه على من اقترب من سلطته الفعلية أو مسّها مما يكبل الخصوم في مسلكهم في التصدي للدفاع عن حقوقهم خصوصاً اذا ما ادركوا أن المحكمة في الغالب الأعم قد تاخذ بتقارير الخبراء محمولة على اسبابها باعتبار ذلك من المسائل التقديرية لمحكمة الموضوع ولا رقابة على حكمها بهذا الخصوص لمحكمة التمييز أو المحكمة الإتحادية العليا، الأمر الذي وسع من نطاق السلطة الفعلية للخبراء في مواجهة فرقاء الدعوى فبات الخبير يحظى بسلطة وصلاحيات تقتص من حدود وصلاحيات قاضي الموضوع، وهو ما قد يؤثر على حقوق المتقاضين ومراكزهم القانونية في الخصومات القضائية.

لذا فالأمل كل الأمل أن تتحقق العلة المقصودة من الإستعانة بالخبراء في الحدود التي تستلزمها دواعي الفصل في الدعاوى بما يشمل ذلك من بسط رقابة المحكمة على اعمال الخبير ابتداءً من تحديد مهمته بموجب الحكم التمهيدي وانتهاءً بالتقرير الذي يقدمه في نهاية مهمته كي لا يظلم في كنفها أحد، وبما أن الخبير هو عون ودرع للعدالة يدعم القاضي على إقامتها لذا تبدو ملامح خطورة مهمة الخبير في دورة حياة القضية امام المحاكم بما ينبغي معه التعامل معها بحكمة واهتمام.       

  

© Opinion 2017