16 08 2018

في حوار «الصباح» مع رئيس مجلس العمل التركي العراقي

شهدت العملة التركية (الليرة) خسائر تاريخية أمام نظيرتها الأميركية (الدولار) في الأيام الأخيرة، الأمر الذي أثار مخاوف دولية من تعرض واحد من الاقتصادات الصاعدة في الشرق الأوسط والعالم لأزمة من شأنها أن تنعكس بأشكال مختلفة على اقتصادات متعددة تربطها تداولات ومصالح مع المؤسسات والبنوك والشركات التركية.

ويعد العراق، بحكم الجوار والمصالح المشتركة، واحدا من الدول ذات العلاقة الاقتصادية القوية مع تركيا الأمر الذي يطرح أسئلة عن طبيعة تأثره إيجابا أو سلبا بخسائر الليرة.

وبدورنا نقلنا هذه الأسئلة فضلا عن أسئلة «أساسية» تتعلق بفهم «مشكلة الليرة» إلى رئيس مجلس العمل التركي - العراقي، ومالك مجموعة طه إحدى أكبر مجموعات الشحن الجوي والبري إلى العراق، أمين سعدون طه.

الاقتصاد التركي

•ما الذي يحدث لليرة التركية؟


- الأزمة بين تركيا وأميركا اتسعت منذ محاولة الانقلاب عام 2016، لأن تركيا ترى أن أميركا لها ضلع في المحاولة، والتوتر الأخير المبني على تصريحات الرئيس الأميركي ترامب ونائبه، والعقوبات وزيادة الرسوم (التي أسهمت في تراجع سعر صرف الليرة) هي بسبب قضية القس الأميركي ودوره في دعم الانقلابيين.

سوق المال والأعمال تأثرت تأثرا نفسيا بالمواقف السياسية. والحالة النفسية أدت إلى صعود الدولار، بعد أن دخل الخوف إلى بورصة اسطنبول والمستثمرين، وليست الحالة الحقيقية للاقتصاد التركي. يعني هذا أن اقتصاد تركيا لم يضعف بالمستوى الذي هبط فيه الدولار. هناك تناقض بين هبوط الليرة وهبوط الاقتصاد.

الاقتصاد التركي لم يتعرض لانهيار، والمنتوجات التركية لم تخسر وتباع بأسعارها وبأعداد أكبر، لكن الدولار عملة أميركية ومن يهدد هي أميركا، وأميركا لها أدوات وأساليب كثيرة وأبسطها أن السعودية والإمارات سحبتا كل استثماراتهما من تركيا.

• متى حدث هذا؟

- قبل شهرين إلى ثلاثة تقريبا، ولكن أميركا تحتاج إلى تركيا في المنطقة، فلا تريد أن تزعلها زعلا قويا. تريد أن تبقي على خط للعودة معها، ومع هذا تريد أن تضعف إردوغان عبر إضعاف الاقتصاد التركي، وحمل الناخب التركي على عدم التصويت لإردوغان. هذا هو الهدف.

تطور السلاح التركي هو السبب

• هل هذا هو الهدف الوحيد؟

- هناك هجمة أميركية مبرمجة على تركيا، وأهم أسبابها تطور صناعات الأسلحة التركية، وبيع مروحيات وزوارق حربية إلى باكستان وقطر، وتصنيع دبابات ومدرعات وطائرات مسيرة كانت سابقا تستوردها من أميركا وإسرائيل. ودخول سوق مبيعات الأسلحة أمر يثير حساسية الأميركان لأنهم أكبر مصنعي السلاح وتجاره، فكأن تركيا ستتحول في المستقبل إلى منافس تجاري في سوق الأسلحة. لذا هناك هدف لإضعاف تركيا وعدم السماح لها بتصنيع أكبر عدد ممكن من الأسلحة.

وهناك أسباب أخرى لمهاجمة تركيا، هي بناء محطة نووية مع روسيا، وشراء صواريخ اس-400 منها، والتوافق بين تركيا وروسيا وإيران في سوريا، ورفض الالتزام بتطبيق العقوبات الأميركية الأخيرة على إيران.

• ما خطورة تراجع سعر صرف الليرة على الاقتصاد التركي، وهل سيستمر؟

- هبوط الليرة أمام الدولار يؤثر في الحركة التجارية الداخلية في تركيا.

هذا الهبوط غير المرتقب وبأرقام عالية ليس في صالح الاقتصاد التركي حاليا.

هبوط الليرة سيستمر على قدر استمرار الأزمة السياسية، وإذا استمر فسيؤثر - مؤقتا - بشكل قوي في السوق التركية.

الكثير من رجال الأعمال والشركات ستتأثر. حاليا ولعدة أشهر، من 6 أشهر فصاعدا، سيهتز من لا يملك رأس مال ورصيدا قويا.
 
لكن على المدى الطويل ستتحسن الأحوال مع ارتفاع المبيعات والصادرات إلى خارج تركيا، فمن يصمد سيستمر ومن لا يصمد سينتهي.

• هل تعتقد فعلا أن دعوة الأتراك لتحويل مدخراتهم من العملة الصعبة والذهب إلى الليرة مفيدة وستعالج أزمة العملة؟

- في الحقيقة لها تأثير إيجابي وقتي وليس على المدى الطويل، لأن عالم المال والأعمال في تركيا متداخل جدا مع الدولار، وليس من السهولة حل هذه المشكلة كلها بصرف ما موجود لدى المواطن التركي من عملات أجنبية إلى العملة المحلية. 

أسواق بديلة 

• هناك حديث عن اقتصادات وأسواق بديلة يمكن أن تعتمد عليها تركيا بدل السوق الأميركية، والحديث هنا عن إيران وروسيا والصين وبعض الدول الأوروبية، ما تعليقكم على هذا الحديث؟

- ما يحدث الآن في تركيا نوع من الحصار الاقتصادي غير المعلن عليها، ولكن انفتاح تركيا على كل دول العالم، ومطاراتها على مختلف أنحاء العالم من افريقيا واوروبا الشرقية والغربية ودول البلقان واميركا اللاتينية، وقوة الحركة السياحية والتجارية فيها هي التي خففت من تأثير هبوط العملة بهذا الشكل السريع. لو حدث ما حدث في تركيا لدولة أخرى لسقطت تلك الدولة سقوطا مذهلا. بدليل كل الفنادق في اسطنبول، وفي المناطق السياحية التركية، وكذلك الأسواق والمطاعم مملوءة إلى آخرها بالأجانب وبالذات العراقيين والخليجيين والأفارقة أيضا.

اجراءات عاجلة لحماية الليرة

• حذرت غرفة صناعة اسطنبول من استمرار أزمة الليرة ودعت إلى اتخاذ إجراءات عاجلة لحماية العملة، فهل لديكم تصورات لكيفية حل هذه الأزمة؟


- نعم أزمة الليرة تحل بتشجيع المستثمرين الأجانب على الاستثمار داخل تركيا وجلب مليارات الدولارات وإدخالها إلى السوق، وآنذاك ستكثر الكمية الموجودة من الدولارات، وستقل قيمته مقابل الليرة. هذا هو الحل السريع والأحسن.

• كيف يمكن لهذا أن يحدث والحال ان المستثمرين يشعرون بالقلق وبعضهم بدأ يفقد ثقته بالليرة ولا يمكن أن يضع مليار دولار ليتحول بعد مدة إلى نصف مليار؟

- القطاع السياحي لن يخسر ولن يخسِّر المستثمر، كونه قطاعا حيويا ونشطا جدا، وعليه إقبال غير طبيعي من دول روسيا وأوروبا وافريقيا. على سبيل المثال المنتجعات السياحية والفنادق والمطاعم تدر أرباحا جيدة على من يشتريها لأنها تتعامل بالعملة الصعبة وليس بالليرة.
 
وعليه فإن من يشتري هذه الاستثمارات ويدخل فيها لن يخسر على الرغم من هبوط سعر الليرة. وهناك حالة إيجابية ستعيشها تركيا جراء هذه الأزمة أيضا هي زيادة الصادرات إلى دول العالم.

المستورد العراقي والازمة

• ما انعكاس أزمة الليرة على الاقتصاد العراقي والتاجر العراقي تحديدا.. هل يخسر منها أو يربح؟


- مصائب قوم عند قوم فوائد. نعم هذه الأزمة لها فائدة إيجابية للمستورد العراقي. لأنه سيشتري البضاعة بسعر زهيد وبسعر أقل مما كان يشتري به من قبل.

• وأنت من أقطاب السوق.. في أي المجالات سينعكس هذا؟

- طبعا سينعكس في الأدوات المنزلية الكهربائية وغيرها، والمواد الغذائية، والملابس، والأحذية، والجلود. على سبيل المثال حين كان التاجر يشتري البدلة الرجالي من اسطنبول بمئة دولار فسيشتريها الآن بسبعين دولارا، أو ثلاجة كان يشتريها بأربعمئة أو خمسمئة دولار فسيشتريها بثلاثمئة وخمسين دولارا (في حال اشترى بالليرة). تجارنا العراقيون سيتوجهون من الصين إلى تركيا لأن البضاعة التركية ستكون أرخص من الصينية وتحقق أرباحا أكثر.

• كيف تنظرون إلى التجارة الحالية بين تركيا والعراق؟

- التجارة الحالية بين تركيا والعراق أقل من المستوى المطلوب. وأسبابها كثيرة أبرزها الاستفتاء الذي حصل العام الماضي في إقليم كردستان، وما خلقه من توتر، وما رافقته من اشتباكات، ومنها ما حدث في منطقة التون كوبري، وغلق مطاري أربيل والسليمانية، هذه كلها أدت إلى انسحاب تجار ومستثمرين وشركات من العراق، وتقليل فرص تواصل رجال الأعمال وانخفاض الصادرات.

• ما حجم الصادرات التركية إلى العراق حاليا؟

- الحجم الحالي يتراوح بين 600 و800 مليون دولار شهريا.

• وما أبرز السلع المصدرة إلى العراق؟

- حتى دخول "داعش" إلى العراق عام 2014 كانت المواد الإنشائية في الصدارة، لكن حاليا الأدوات المنزلية، والمواد الغذائية، والملابس، والأحذية، والاكسسوارات، والمفروشات، والأقمشة، والجلود، والأدوية، والمشتقات النفطية، هي السلع التي تتصدر قائمة الصادرات التركية إلى العراق. 

تدفق الدولار من العراق

• هل زاد تدفق الدولار من العراق إلى تركيا بعد تراجع الليرة؟


- نعم أكيد ازداد، لأن التجار العراقيين سوف يقبلون على تركيا، لأن أسعار السلع والفنادق والمطاعم ستكون أرخص.

• كم يبلغ تدفق الدولار من العراق إلى تركيا؟

- هناك مبالغ تأتي عن طريق البنوك وهناك مبالغ تأتي عن طريق الصيرفات. لكن المعدل اليومي يبلغ تقريبا نحو 25 - 30 مليون دولار.

© Al Sabaah 2018