كانت السنوات القليلة الماضية مضطربة لصناعة السدود العالمية. 

في بعض الحالات، خسر المستثمرون مئات الملايين من الدولارات. وكان البنك الدولي، الذي تؤثر قراراته الاستثمارية على مقرضين آخرين، قد أعلن مؤخرا عن عدم حماسه للسدود الكبيرة، ووفقًا لريكاردو بوليتي، أحد كبار المديرين بالبنك الدولي، في  حديث له في عام 2018 فأن البنك كان يدعم حينها  "عدد قليل جدًا جدًا من مشاريع الطاقة الكهرومائية الكبيرة"   

منذ فترة طويلة تفوقت الشركات الصينية على البنك كالممول الرائد في العالم في بناء السدود الدولية.  

والآن أصبح الاستثمار العالمي في طاقة الرياح والطاقة الشمسية يفوق بكثير الاستثمار في الطاقة الكهرومائية. 

ووفقًا لتقرير سابق لبرنامج الأمم المتحدة للبيئة، إن حصة السوق من الطاقة المائية آخذة في التناقص مقابل طاقة الرياح والطاقة الشمسية.   

تكاليف اقتصادية وبيئية واجتماعية  

اغلب الدراسات والأبحاث العالمية حول السدود تشير الى أن الفوائد المهمة قصيرة ومتوسطة الأجل، وتميل إلى أن تتبعها تكاليف اقتصادية وبيئية واجتماعية كبيرة وغير مقبولة طويلة الأجل.    

تم توثيق التكاليف البيئية للسدود بشكل جيد. تؤكد الأبحاث إلى إنها تدمر مصايد الأسماك عن طريق منع هجرة الأسماك، وتخل بنظم الأنهار التي تعتمد عليها النباتات والحيوانات.   

وبالرغم من انه غالبًا ما يتم الترويج للسدود كمولدات للطاقة النظيفة، الا ان هذا ليس صحيح. 

خلصت دراسة أجرتها جامعة أكسفورد عام 2014 على 245 سد كبير تم بناؤهم بين 1934 و2007،  إلى أنه بدون مراعاة التكاليف الاجتماعية والبيئية الهائلة للسدود، فإنها مكلفة للغاية "بحيث لا تحقق عائد إيجابي" - أي أن السدود ليست فعالة من حيث التكلفة. ووجدت الدراسة أن متوسط التكاليف الفعلية للسدود كانت أعلى بنسبة 96% من تكاليفها المقدرة، وأن متوسط المشروع استغرق وقت في بنائه 44% أطول مما كان متوقع.   

أزمة غاز الميثان   

الرابطة الدولية للطاقة الكهرومائية (IHA) - التي تمثل مخططي السدود والبناة والملاك في أكثر من 100 دولة -تصف السدود على أنها تقنية نظيفة، ولكن الباحثون يعتقدون ان هذا ليس صحيح  لأن العديد من الخزانات تنبعث منها كميات كبيرة من غاز الميثان، وهو غاز قوي ينبعث من النباتات المتحللة والمواد العضوية الأخرى التي تتجمع في الخزانات الفقيرة بالأكسجين.   

وجدت دراسة أجريت عام 2016  أن انبعاثات الميثان من الخزانات تشكل 1.3 % من جميع انبعاثات غازات الاحتباس الحراري العالمية التي يسببها الإنسان. 

وتحدث  انبعاثات الميثان  بشكل رئيسي في الخزانات الاستوائية الضحلة. ولكن وفقًا لجون هاريسون، الأستاذ في كلية البيئة بجامعة واشنطن وأحد مؤلفي الدراسة هناك "أدلة قوية ومتنامية" على أن الخزانات المعتدلة الطقس يمكن أن تنتج غاز الميثان بمعدلات مماثلة لتلك التي تم الإبلاغ عنها من الخزانات الاستوائية.  

تقر الرابطة الدولية للطاقة الكهرومائية بأن العديد من الخزانات تنبعث منها غاز الميثان. ولكنها تقول بدراستها الخاصة - التي شاركت في رعايتها منظمة الأمم المتحدة للتربية والعلم والثقافة،  أن الطاقة الكهرومائية هي أحد أنظف مصادر الطاقة لأن محطات الطاقة التي تعمل بالفحم تنبعث منها غازات الميثان أكثر  ب 40 مرة.

حسابات التكلفة: وجهتي نظر   

يجادل دعاة حماية البيئة بأن السدود يجب أن تبطل، بينما يواصل المقرضون والبناة وحلفاؤهم السياسيون جني الأموال من السدود.  

عند حساب الفعالية من حيث التكلفة، يركز العلماء وخبراء البيئة على أداء السدود على مدى العمر التشغيلي لها، والذي قد يكون قرن أو أكثر وتداعياته البيئية، بينما يهتم السياسيون والمقرضون بالعقد الأول أو العقدين من عمر السد على الأكثر.   

قلة من السياسيين يفكرون فيما يتجاوز  فترة حكمهم. يحبون السدود لأنهم يعدون بالكهرباء للصناعات والمدن، ومشهد المياه المتدفقة من بوابات السدود هو مظهر دراماتيكي للقوة - السدود هي خلفيات رائعة لمراسم قص الشريط.  

لا تهم الفعالية من حيث التكلفة لمقرضي السدود أيضًا؛ ما يريدون معرفته هو ما إذا كان سيتم سداد قرضهم لمدة 10 أو 15 عام أو لا.   

اشكاليات متضاربة   

تواجه السدود اشكاليات متضاربة. يجب أن تُبنى السدود بشكل أكبر لاستيعاب الفيضانات الهائلة، ولكن أصغر حجمًا لتبرير تكلفة بنائها أثناء فترات الجفاف. يجب إبقاء مستويات مياه الخزان منخفضة بحيث لا توجد حاجة إلى إطلاق المياه أثناء الفيضانات، لكن انخفاض مستويات الخزان يعوق توليد الكهرباء، وهو الهدف الرئيسي لمعظم السدود الكبيرة.  

وفي النهاية، يمكن أن يؤدي ظهور طاقة الرياح والطاقة الشمسية، إلى جانب التكاليف الاجتماعية والبيئية والمالية المتزايدة لمشاريع الطاقة الكهرومائية، إلى نهاية عصر السدود الكبيرة.  

 لكن حتى النشطاء المناهضين للسدود يقولون إنه من السابق لأوانه إعلان زوال محطات توليد الطاقة المائية على نطاق واسع.  

* المقال الجزء الأخير من سلسلة مقالات تناقش مشكلة وأبعاد أزمة سد النهضة وهذه هي الأجزاء السابقة:  

الجزء الأول:  الإشكالية 

الجزء الثاني: تاريخ نزاعات السدود   

(إعداد:  محمد طربيه، المحلل الاقتصادي بزاوية عربي و أستاذ محاضر ورئيس قسم العلوم المالية والاقتصادية في جامعة رفيق الحريري بلبنان وحاصل على درجة الدكتوراه في إدارة الأعمال)  

(للتواصل: yasmine.saleh@refinitiv.com) 

 

© ZAWYA 2021

بيان إخلاء مسؤولية منصة زاوية
يتم توفير مقالات منصة زاوية لأغراض إعلاميةٍ حصراً؛ ولا يقدم المحتوى أي نصائح قانونية أو استثمارية أو ضريبية أو أي آراء تتعلق بملاءمة أو قيمة ربحية أو استراتيجية ‏سواء كانت استثمارية أو متعلقة بمحفظة الأعمال . للشروط والأحكام