زاوية عربي

من محمد الحايك، الصحفي في موقع زاوية عربي

رويدا رويدا بدأت الحياة تستعيد الكثير من ملامحها الطبيعية في تونس عقب إعلان رئيس الحكومة إلياس الفخفاخ في حوار مع قناة فرانس 24 قبل أسبوع نجاح بلاده في احتواء فيروس كورونا.

وقال الفخفاخ خلال الحوار: "سجلنا نسبة شفاء مرتفعة فاقت 70% من مجموع الحالات كما سجلنا استقرار في نسبة الوفيات. يمكن القول بأن تونس نجحت في احتواء الفيروس". وأضاف أن الدولة لا تزال تتوخى الحذر تحسبا لحدوث موجة ثانية من الفيروس. 

وتعتبر تونس من ضمن الدول العربية الأقل تسجيلا للإصابات بعد مرور أكثر من 3 أشهر على بدء انتشار الفيروس في المنطقة، بحسب بيانات الدول العربية الرسمية عن عدد الحالات المسجلة حتى أمس.

ووفق صفحة وزارة الصحة الرسمية على فيسبوك، بلغ إجمالي عدد الإصابات في البلاد حتى أمس الثلاثاء 1,044 و826 حالة شفاء فيما وصل عدد الوفيات إلى 47.

فماذا فعلت تونس لتحقيق هذا؟

قالت جليلة بن خليل عضو اللجنة العلمية لمجابهة فيروس كورونا بوزارة الصحة التونسية وأستاذة الإنعاش الطبي بمستشفى عبد الرحمان مامي باريانة الحكومية في اتصال هاتفي مع موقع زاوية عربي من تونس إن: "تونس نجحت بالسيطرة على انتشار فيروس كورونا لأنها كانت سباقة في وضع كامل الإجراءات الاحترازية اللازمة للوقاية من فيروس كورونا".

وأضافت أن السلطات الصحية كانت سباقة في تقصي الحالات من خلال فحص كافة المسافرين القادمين إلى البلاد من جميع الدول الأخرى قبل مرحلة وقف الرحلات الجوية من وإلى تونس وليس فقط المسافرين القادمين من الصين فقط. والصين هي الدولة التي بدأ الفيروس بالانتشار في عدد من مدنها أواخر عام 2019.

وأوضحت أنه: "عند تسجيل أول حالة إصابة بفيروس كورونا قبل أشهر قمنا على الفور باتخاذ كل الإجراءات لتقصي الحالات المخالطة لهذه الإصابة، وهو ما جعل تونس تنجح في التصدي لانتشار هذا الفيروس".

قررت تونس منتصف شهر مارس الماضي فرض حظر التجول، بقاء المواطنين في منازلهم وعدم الخروج إلا للحالات الضرورية، منع التنقل من مدينة إلى أخرى، منع التجمعات وتأجيل الفعاليات، إغلاق جميع المرافق ما عدا المتاجر الأساسية والخدمات الحيوية كالمنشآت الصحية والغذائية، تعليق الرحلات البحرية والجوية باستثناء رحلات الإجلاء، وإغلاق الحدود البرية، وفق تقارير صحفية محلية وعربية.

بينما تأخرت دول عربية عدة منها لبنان على سبيل المثال حتى أواخر شهر مارس الماضي لاتخاذ قرار بوقف الرحلات الجوية وتعطيل الأعمال، كما أنه لم يقرر فرض حظر تجول، بحسب تقارير صحفية محلية.

خلفية سريعة عن وضع كورونا الحالي

شهد معدل الإصابات بفيروس كورونا في تونس تراجع ملحوظ خلال الفترة الأخيرة حيث مرت 5 أيام متتالية من دون تسجيل أي إصابة قبل أن يتم تسجيل 10 إصابات جديدة خلال الأيام ال4 الماضية، بحسب وزارة الصحة التونسية.

وبحسب تقارير محلية وعالمية:

بدأت تونس في 4 مايو الجاري تخفيف ساعات حظر التجول الليلي إلى جانب فتح المتاجر الكبرى والأسواق بالتزامن مع المحافظة على التدابير والإجراءات الصحية الخاصة بالتباعد الاجتماعي وارتداء الكمامات.

وقرر الرئيس التونسي قيس سعيد خفض ساعات حظر التجول في البلاد لتبدأ من الساعة ال11 ليلا وحتى ال5 صباحا بالتوقيت المحلي بدلا من ال8 مساء وحتى ال6 صباحا بالتوقيت المحلي، وذلك بعد 10 أيام من فتح المرافق الحكومية والاقتصاد بشكل تدريجي.

وأبقت الحكومة في المقابل على بعض قيود الحركة والتنقل بما فيها إغلاق المدارس، المساجد، المقاهي، والمطاعم.

وفتحت المحلات التجارية الصغيرة وصالونات الحلاقة أبوابها من جديد، فيما شهدت بعض المناطق، الأسواق، والشواطئ العامة ازدحام مع بدء تخفيف قيود الحركة والتنقل.

ولكن حذرت جليلة من إمكانية حدوث موجة ثانية من انتشار فيروس كورونا في تونس طالما أن الفيروس لا يزال منتشر في غالبية دول العالم ولم يتم اكتشاف علاج له.

وقالت إن "إعادة فتح الاقتصاد في الوقت الحالي ستكون آمنة في حال الالتزام التام بكافة التوصيات الطبية كالتعقيم، لبس الكمام، غسل اليدين، التباعد الجسدي، وعدم التجمع وغيرها من التدابير الاحترازية الأخرى".

وأكد رئيس الوزراء في الحوار التليفزيوني الذي أجراه منذ أيام قليلة أنه: "لا يمكن الإقرار بصفة نهائية بأن تونس انتصرت على فيروس كورونا".

ما تأثير هذا على الاقتصاد؟

خلفية سريعة عن الوضع والإجراءات الاقتصادية

أكد رئيس الحكومة التونسية في مقابلة تلفزيونية مع فرانس 24 يوم الثلاثاء الماضي أن بلاده ستطلب تمويل خارجي هذا العام بنحو 5 مليارات يورو (5.4 مليار دولار) من أجل تجاوز الأزمة الاقتصادية التي زادت حدتها بفعل إجراءات الإغلاق التي رافقت انتشار فيروس كورونا طوال الفترة الماضية.

قررت الحكومة التونسية في مارس الماضي اتخاذ إجراءات استثنائية بقيمة 2.5 مليار دينار تونسي (871.9 مليون دولار) لحماية المواطنين والمؤسسات الاقتصادية المتضررة من تداعيات فيروس كورونا إلى جانب تأجيل أقساط القروض المصرفية لمدة 6 أشهر لمن لا يزيد دخله الشهري عن 1,000 دينار (348.8 دولار)، بالإضافة إلى دعم فئة محدودي الدخل، وفق تقرير منشور على موقع العربية نت.

رأي خبير

بشكل عام

قال قيس قريعة مدير البحوث في Alphamena للتحليل المالي ومقرها تونس في اتصال هاتفي مع زاوية عربي من تونس إن: "انتشار فيروس كورونا أثر بشكل سلبي جدا على الوضع الاقتصادي في تونس لاسيما وأن النمو الاقتصادي خلال العام الماضي لم يكن جيد، وبالتالي فإن فيروس كورونا زاد من تداعيات الأزمة الموجودة أصلا".

وتراجع نمو الناتج المحلي الإجمالي في تونس إلى 1% خلال 2019 مقابل 2.7% في 2018، بحسب بيانات نقلتها وكالة الأنباء الرسمية تونس افريقيا للأنباء. والناتج المحلي الإجمالي هو مجموع قيمة السلع والخدمات داخل اقتصاد الدولة.

وضع القطاع السياحي

أوضح قيس أن الكثير من القطاعات الاقتصادية تضررت بسبب الإغلاق المرتبط بفيروس كورونا ولكن يبقى القطاع السياحي الأكثر تضررا إلى جانب المطاعم، الفنادق، والمنشآت التي تعتمد على السياح القادمين من الخارج.

وتوقع أن: "تؤدي الأزمة التي ضربت الاقتصاد بشكل عام والقطاع السياحي الذي يعد واحد من أهم القطاعات الاقتصادية في البلاد بشكل خاص إلى زيادة معدلات البطالة بشكل ملحوظ".

وأظهرت رسالة رسمية بعثتها السلطات التونسية إلى صندوق النقد الدولي قبل شهر تقريبا أن قطاع السياحة في البلاد مهدد بخسائر قد تصل إلى 4 مليار دينار (1.4 مليار دولار) وفقدان 400 ألف وظيفة بسبب كورونا، وفق تقرير لوكالة رويترز.

وبحسب نفس التقرير، تعد السياحة مصدر رئيسي لجلب العملة الأجنبية، واستقبلت تونس العام الماضي 9 مليون سائح وحققت إيرادات وصلت إلى حوالي ملياري دولار.

قرارات الحكومة

رأى قيس أن القرارات الاقتصادية التي اتخذتها الحكومة خلال الفترة الماضية جاءت بشكل يتناسب مع قدراتها المادية المتواضعة مع تراجع الصادرات التونسية بنسبة 48.9% خلال شهر أبريل الماضي وتراجع الواردات بنسبة 46.8% بسبب الشلل الاقتصادي القائم.

ورجح قيس أن يسجل الاقتصاد التونسي انكماش بنسبة تتراوح بين 4.5 و5 % هذا العام، وهذا رقم قياسي وكبير جدا بالنسبة لتونس التي لم تسجل مثل هذا الانكماش والتراجع بالنمو الاقتصادي في تاريخها.

صندوق النقد الدولي

اعتبر قيس أنه ينبغي على الدولة المسارعة إلى إجراء مفاوضات مع الجهات والمؤسسات الدائنة من أجل إعادة هيكلة الديون وتقليل فوائدها إذ إن وضع تونس الاقتصادي بات في غاية الصعوبة.

"اللجوء إلى صندوق النقد الدولي هو حتمي بالنسبة للحكومة التونسية، والحكومة تحاول في الوقت الراهن الاستعانة بالبنوك المحلية ولكن قدرات البنوك المحلية محدودة، واللجوء إلى صندوق النقد الدولي مجددا بات أمر لا مفر منه للخروج من الأزمة الراهنة"، وفق قيس.

واتفقت تونس مع صندوق النقد الدولي في مايو 2016 على قرض بقيمة 2.9 مليار دولار على دفعات حصلت منهم تونس على 1.6 مليار دولار كانت آخر دفعة منهم في يونيو 2019، بحسب بيانات صندوق النقد الدولي.

للمزيد: تحديات اقتصادية مهمة تنتظر الحكومة التونسية الجديدة

(وقد عمل محمد في السابق في عدة مؤسسات، منها صحيفة الراي الكويتية، وقناة أخبار المستقبل الفضائية اللبنانية)

(تحرير: ياسمين صالح، للتواصل: Yasmine.Saleh@refinitiv.com)


© ZAWYA 2020

إخلاء المسؤوليّة حول المحتوى الأصلي
تم كتابة محتوى هذه المقالات وتحريره من قِبل ’ ريفينيتيف ميدل ايست منطقة حرة – ذ.م.م. ‘ (المُشار إليها بـ ’نحن‘ أو ’لنا‘ (ضمير المتكلم) أو ’ ريفينيتيف ‘)، وذلك انسجاماً مع
مبادئ الثقة التي تعتمدها ريفينيتيف ويتم توفير المقالات لأغراض إعلاميةٍ حصراً؛ ولا يقترح المحتوى أي استشارات بخصوص جوانب قانونية أو استثمارية أو ضريبية أو أي آراء بشأن ملاءمة أو قيمة أو ربحية أي استراتيجية معيّنة تتعلق بالاستراتيجية الأمنية أو المحافِظ أو الاستثمار.
وبموجب الحد الذي يسمح به القانون المعمول به، لن تتحمّل ’ ريفينيتيف ‘، وشركتها الأم والشركات الفرعية والشركات التابعة والمساهمون المعنيون والمدراء والمسؤولون والموظفون والوكلاء والمٌعلنون ومزوّدو المحتوى والمرخّصون (المشُار إليهم مُجتمعين بـ ’أطراف ريفينيتيف ‘) أي مسؤولية (سواءً مجتمعين أو منفردين) تجاهك عن أية أضــرار مباشــرة أو غيــر مباشــرة أو تبعيــّة أو خاصــة أو عرضيّة أو تأديبية أو تحذيريّة؛ وذلك بما يشمل على سـبيل المثـال لا الحصـر: خسـائر الأرباح أو خسارة الوفورات أو الإيرادات، سـواء كان ذلك بسبب الإهمال أو الضـرر أو العقـد أو نظريـات المسـؤولية الأخرى، حتـى لـو تـم إخطـار أطـراف ’ ريفينيتيف ‘ بإمكانيـة حـدوث أيٍ مـن هـذه الأضرار والخسـائر أو كانـوا قـد توقعـوا فعلياً حدوثهـا