بعد مرور أكثر من عقد على خروج دبي من أزمة ديونها، تواجه الإمارة خلال السنوات القليلة المقبلة استحقاقات ديون بدأت تلفت الأنظار وسط تداعيات جائحة كورونا المستمرة. 

فما هو وضع دين الإمارة الآن وكيف يبدو المستقبل؟

حجم الدين

تقدر مديونيات حكومة دبي والكيانات التابعة لها ب 78 مليار دولار، بحسب تقديرات شركة الاستشارات كابيتال إيكونوميكس، ومقرها لندن، والوكالات العالمية لتقييم جدارة الائتمان S&P و Moody's. ويحين موعد استحقاق 39.5 مليار دولار منها بحلول نهاية 2024، شاملةً 18.2 مليار دولار واجبة السداد في 2023، طبقاً لكابيتال إيكونوميكس.

يستخدم الاقتصاديون مصطلح "debt wall" أو "جدار الديون" لوصف مثل تلك الحالات، عندما يتطلب رد مبالغ كبيرة في فترة وجيزة. عادةً ما يتم الوفاء بالدين بسلاسة عن طريق الاحتياطيات النقدية أو بالاقتراض من جديد، إلا إذا وقع ما لا يمكن توقعه، مثل هبوط أسعار الأصول وجفاف الموارد والأسواق بشكل متزامن وهو ما حدث مع دبي في 2009.

وبالرغم من صعوبة تجمع العوامل التي أدت إلى وقوع الأزمة آنذاك، ينذر تزامن استحقاق الديون مع عدم الاستقرار الاقتصادي الناتج عن جائحة كورونا وازدياد اعتماد الإمارة على القطاع العقاري باحتمالية وقوع ضغوط في المدى القريب للمتوسط، بحسب باحثين متابعين للشؤون الاقتصادية في الشرق الأوسط تحدثوا مع زاوية عربي.

"الأمر المقلق هو أن جدول سداد الديون خلال السنوات المقبلة كبير،" هكذا علق جيمس سوانستون، الخبير الاقتصادي لدى كابيتال إيكونوميكس، مضيفا أن الجائحة "زادت معدلات الطاقة الإنتاجية الفائضة في قطاعي العقارات والضيافة ... والتي قد تزداد أكثر مع انتهاء إكسبو في بدايات العام القادم،" إلى جانب احتمالية انخفاض أعداد السياح والزوار عن المتوقع.

وتابع: "في نهاية المطاف، سيؤدي هذا إلى إيرادات أضعف من المتوقع للشركات والكيانات التابعة للحكومة" التي تمتلك تلك الشركات، وهو ما سيزيد من صعوبة تسديدها لخدمات الديون.

عند سؤاله من موقع زاوية عربي خلال مؤتمر صحفي يوم الأربعاء 13 أكتوبر للإعلان عن تفاصيل إغلاق طرح سندات سيادية دولارية، رفض يونس الخوري وكيل وزارة المالية الإماراتية التعليق على مستويات الدين الحكومي لدبي ومستحقاته، قائلا إن حكومة دبي هي المنوطة بالتعليق على ذلك.

وقال خلال المؤتمر إن الدين العام الإماراتي "بيكون دين مستقر، لا يشكل.. أعباء كبيرة على الميزانية العامة." 

وقد تواصلنا مع حكومة دبي عبر الهاتف والبريد الإلكتروني لطلب التعليق من اقتصادية دبي، الجهة المسؤولة عن هذا الشأن في الإمارة، لكننا لم نتلقى رد حتى اللحظة.

الديون لا تساوي أزمة

يستبعد الاقتصاديون الذين تحدثت معهم زاوية عربي تطور الأمر إلى درجة أزمة، وذلك لعدة عوامل تقلل من التهديد الذي تشكله هذه الديون، أبرزها مساندة متوقعة من أبوظبي حيث ان سبق وتدخلت لمساعدة دبي في 2009.

أيضا، نجحت قرارات الحكومة التقشفية في أعقاب أزمة 2009 في ضبط الإنفاق، ونتج عنها انخفاض نسبة مديونية دبي إلى ناتجها المحلي لتبلغ حوالي 77%، مقارنة ب103% في 2009، طبقاً لحسابات زاوية عربي التي تستند على المعلومات المتوفرة من شركات التصنيف الائتماني و حكومة دبي.

يقول خالد السيد مدير مركز سينرجيز للدراسات الدولية والاستراتيجية، ومقره القاهرة، إن "دبي اتخذت خطوات ملموسة للغاية لتعزيز وتنويع اقتصادها على مدى السنوات القليلة الماضية،" لكن "لا تزال هناك بعض التدابير التي من شأنها تحسين مرونة الاقتصاد."

من جانبه، يعتقد سيدريك بيري المدير المساعد بوكالة فيتش للتصنيف الائتماني أن اقتصاد دبي بشكل عام مازال يفتقر إلى التنوع. 

وقال بيري إن "النموذج الاقتصادي لدبي اتضح انه سريع التأثر جدا بصدمة الجائحة، حيث انكمش الناتج المحلي الإجمالي الحقيقي [للإمارة] بنسبة 10.9% في 2020 بالرغم من حملة تطعيمات ناجحة جدا."

ويوضح المحلل أن "هذا هو نتيجة ضخامة مساهمة تجارة التجزئة والنقل والإقامة في الناتج المحلي الإجمالي،" حيث أن جميعها قطاعات تأثرت بشدة بآثار الجائحة.

وأضاف بيري أن تجارة الجملة والتجزئة، وإصلاح السيارات والدراجات النارية، والإنشاءات والعقارات تمثل أكثر من 40% من الناتج المحلي الإجمالي للإمارة.

وقال "اقتصاد دبي معتمد على التضخم السكاني. تشير الأرقام الرسمية إلى انكماش في التعداد السكاني بنسبة 2.3% في عام 2020 في الإمارات.. وهو ما قد يؤثر بالسلب على التعافي الاقتصادي" في دبي إذا لم تغير من نمط الاعتماد على التضخم السكاني.

ولا تزال الإمارة تحظى بثقة المستثمرين ونجحت في بيع  سندات بقيمة 2 مليار دولار في الأسواق العالمية العام الماضي. وسجلت آنذاك طلبات المستثمرين المحليين والعالميين خمسة أضعاف القيمة المستهدفة للإصدار.

يقول سكوت ليفرمور من إكسفورد إيكونوميكس: "لا أظن أن لدينا نفس التهديد الممنهج كما حدث في 2009-2010 مما يجعل حدوث أزمة ديون أقل ترجيحا."

وأشار المحلل إلى أن الأسواق أصبحت بشكل عام أكثر تساهلا فيما يتعلق بمتطلبات الأمان لأدوات الدين في ظل صدمة جائحة كوفيد-19 وحاجة دول عدة إلى حزم تحفيزية، وأن توقعات نمو اقتصاد دبي قوية نسبيا، مما يسهل إدارة مستويات الدين.

حساب الديون

تثير عملية احتساب ديون دبي الحيرة بشكل عام، فبعضها محسوب على الحكومة والبعض الآخر على صندوق الثروة السيادي، وقسم آخر على مجموعة دبي القابضة، أداة الاستثمار المملوكة لحاكم دبي، والتي تملك أصول وممتلكات في القطاع العقاري وقطاع الضيافة تقدر قيمتها ب 35 مليار دولار.

احتاجت دبي في عام 2009 لإنقاذ مالي بقيمة 10 مليار دولار من أبوظبي، الغنية بالنفط، لتفادي الدخول في أزمة مالية مع انهيار أسعار العقارات عالميا، الأمر الذي هدد بإجبار بعض الشركات شبه الحكومية على التخلف عن سداد مليارات الدولارات. 

وتختلف حكومة دبي مع المراقبين من الخارج، حيث أنها لا تعتد إلا ب 34 مليار دولار من ال 78 مليار دولار التي ذكرناها سابقا اقترضتها بشكل مباشر، وليس بالباقي المقترض من قبل الشركات التابعة لها. أما شركات التصنيف الائتماني، فتعتبر ديون هذه الكيانات جزء من ديون الإمارة لارتباطها بها من حيث الملكية المباشرة وغير المباشرة.

يرجع جزء كبير من المبالغ المستحقة على تلك الكيانات بحلول عام 2024 للأزمة المالية في 2009 حين تفاوضت دبي على تمديد فترات السداد، لكن حاليا يبدو الوضع مختلف بعض الشيء، إذ أن الإمارة لم تعد تذهب بسرعة لمد يد العون لكياناتها التابعة حين تواجه صعوبات في سداد ديونها.

فقد أعلنت شركة التطوير العقاري ليمتلس المملوكة لحكومة دبي العام الماضي، أنها عاجزة عن سداد ديونها التي تراكمت بفعل أزمة 2009، وأنها تسعى لإعادة  هيكلة الديون.

كما أبلغت شركة دبي القابضة، أداة الاستثمار الخاصة بالشيخ محمد بن راشد آل مكتوم حاكم دبي، دائنين أنها مستعدة لتصفية إحدى شركاتها التابعة بعد تعثرها عن سداد المستحقات عن قرض قيمته 1.2 مليار دولار.  

يقول بيري بوكالة فيتش: "من وجهة نظرنا، تحسنت ادارة الكيانات المملوكة للدولة منذ الأزمة المالية العالمية، لكن الشفافية تظل منخفضة والمخاطر قد تحدث." وأضاف أن "نحو نصف ديون دبي الحالية تعزى إلى بنك دبي الإمارات الوطني الذي يرتبط بعلاقات وثيقة بالحكومة، وهو ما يزيد من المرونة المحيطة بهذا الجزء من الدين في حالة وجود ضغوط على السيولة."

مخاطر العقار

يعتبر القطاع العقاري أحد المحركات الرئيسية لاقتصاد دبي. ارتفعت مساهمة القطاع العقاري، الذي كان انهيار أسعاره عالميا سبب أزمة الديون عام 2009، في الناتج المحلي الإجمالي لدبي إلى أعلى مستوى في عام 2019، مشكلة 7.2% من الناتج المحلي الإجمالي للإمارة، بحسب تقرير لدائرة أراضي دبي.

تبلغ هذه النسبة أكثر من 3 أضعاف مساهمة قناة السويس في الدخل القومي المصري، على سبيل المثال، وتكاد تعادل حصة ولاية نيويورك بأكملها في الاقتصاد الأمريكي.

لكن أسعار العقارات - بالرغم من انتعاشها حاليا بسبب إكسبو - في دبي مازالت عند أدنى مستوياتها خلال عشر سنوات، كما أن المؤشرات تشير إلى أن الطريق لا يزال طويل أمام تعافي القطاع.

شهد القطاع إبان أزمة 2009، مع الخسائر التي منيت بها شركاته، عمليات إعادة هيكلة فيما أفلس بعض المطورين في السنوات التي أعقبت الأزمة. وتسببت تداعيات جائحة كورونا، التي دفعت عدد كبير من العمالة والأجانب للمغادرة، في خسائر أدت لظهور المزيد من عمليات إعادة الهيكلة والدمج، إذ تخطط إعمار، أكبر مطور عقاري في دبي والتي تساهم فيها الحكومة أيضا للاندماج مع شركتها التابعة إعمار مولز وإلغاء إدراجها بنهاية العام، وكذلك هناك خطط لضم مراس القابضة المملوكة لحكومة دبي إلى دبي القابضة.

وقالت وكالة S&P في تقرير الشهر الماضي إن انكشاف البنوك في الإمارات على القطاع العقاري وغيرها من القطاعات الأكثر تضررا من جائحة كورونا يجعلها الأكثر عرضة للمخاطر ضمن بنوك دول مجلس التعاون الخليجي.

وإضافة إلى ذلك، فإن المشكلة الأساسية التي تسببت في انخفاض أسعار العقارات منذ عقد لا تزال قائمة؛ وهي التخمة في المعروض، فقد تجاوز المعروض من المنازل والشقق الجديدة الطلب لسنوات، وهو النهج المتوقع استمراره وتوسعه في العالم الحالي، بحسب S&P.

من جانبه، يرى بري من وكالة فيتش إنه "تظل هناك بعض المخاطر من أن بعض الكيانات القريبة للحكومة والتي تعتبر مهمة بشكل منتظم (للاقتصاد) قد تحتاج دعم الحكومة."

ومع انطلاق حدث الإكسبو تقترب الإمارة الملقبة ب "نمر الخليج" — في إشارة لازدهارها السريع — من اختبار جديد لاستمرارية نموذجها الذي يسعى عدد من حكام المنطقة لتطبيقه. بعد أزمة الماضي المريرة، تتجه الأنظار الآن بتدقيق أشد إلى مدى قدرتها على تجاوزه.

 

(إعداد: شريف طارق، ويعمل شريف مع أهرام اونلاين وافريكا ربورت، وهو أيضا رئيس تحرير نشرة دلتا دايجست، وقد عمل سابقا في مؤسسات إعلامية أخرى من بينها لوس أنجلوس تايمز ومريم عبد الغني، وقد عملت مريم سابقا في عدة مؤسسات إعلامية من بينها موقع أصوات مصرية التابع لمؤسسة تومسون رويترز وتلفزيون الغد العربي)

(تحرير: أحمد نعمة الله، وقد عمل أحمد في عدة صحف ووكالات إعلام عالمية ومحلية منها بلومبرغ)