يعاني لبنان من كساد اقتصادي حاد وطويل الأمد.

ويرجع ذلك اجمالا إلى الاستجابات السياسية غير الملائمة للأزمة المعقدة التي تواجهها البلاد.

فقد انخفض نمو الناتج المحلي الإجمالي بنسبة 20.3% في عام 2020، وبلغت نسبة التضخم ثلاثة أرقام بينما يستمر سعر الصرف في فقدان قيمته، ويرتفع الفقر بشكل حاد. مع افتقار لبنان إلى سلطة تنفيذية حيث لايزال يحاول تشكيل حكومة هي الثالثة في فترة تزيد قليلاً عن عام. 

ويستمر الاضطراب النقدي والمالي في دفع ظروف الأزمة، حيث باتت التفاعلات بين سعر الصرف وتضييق الأموال والتضخم من الأحداث اليومية الرئيسية.

و الاستراتيجية المتبعة لتخفيف المديونية عن طريق التضخم وطبع الليرة يتركز على المودعين الأصغر والشركات الصغيرة والمتوسطة حيث يتم السماح للمودعين بسحب الودائع من البنوك على سعر الصرف 3,900 ليرة مقابل الدولار في حين بلغ سعر الصرف في السوق فوق 10,000.

 هذه الآثار التضخمية تؤثر بشكل كبير على الفقراء والطبقة الوسطى.

والتأثير الاجتماعي الحالي، الذي هو بالفعل رهيب، يمكن أن يصبح كارثيًا.

حيث ارتفع معدل التضخم في لبنان في عام 2020 إلى 84.8%، وهو أعلى معدل منذ عام 1992 بينما بلغ معدل التضخم  السنوي في ديسمبر 145.8%.  

لبنان الأغلى بين الدول العربية  

في تقرير عن تأثير جائحة كورونا على تضخم أسعار المواد الغذائية في منطقة الشرق الأوسط وشمال أفريقيا، والذي شمل 19 دولة، أشار البنك الدولي إلى أن الأسعار في لبنان ارتفعت عبر جميع فئات الغذاء بين 14 فبراير 2020 و8 مارس 2021. 

وقال التقرير إن لبنان لديه أعلى أسعار للمواد الغذائية في منطقة الشرق الأوسط وشمال أفريقيا حيث يستمر التضخم في إلحاق خسائر فادحة بمعظم الفئات في البلاد. 

وبحسب التقرير، قفزت أسعار لحوم الأبقار الطازجة أو المجمدة في لبنان بنسبة 110% مسجلة أعلى زيادة في سعر هذه السلعة في المنطقة. وبالمقارنة، ارتفع سعر لحوم الأبقار الطازجة أو المجمدة بمعدل 11% في المنطقة. 

بالإضافة إلى ذلك، وبحسب نفس التقرير، ارتفع سعر البيض في لبنان بنسبة 102% خلال الفترة المشمولة، وهي أعلى زيادة في أسعار هذا المنتج في منطقة الشرق الأوسط وشمال أفريقيا. وكانت لبنان وجيبوتي وإيران وسوريا واليمن البلدان الوحيدة في المنطقة التي سجلت ارتفاعات بأكثر من 20% في أسعار البيض. وبالمقارنة، ارتفع سعر البيض بمعدل 7% في دول الشرق الأوسط وشمال أفريقيا. 

 كما ارتفع سعر الأرز في لبنان بنسبة 99.4 % بين 14 فبراير 2020 و8 مارس 2021، وهو ما يمثل أعلى معدل نمو في سعر الأرز على المستوى الإقليمي، مقارنة بمتوسط زيادة بنسبة 8.4% بين دول الشرق الأوسط وشمال أفريقيا، بحسب التقرير. 

كان لبنان، إلى جانب جيبوتي، البلدان الوحيدان في المنطقة الذان سجلا زيادات تجاوزت 25 % في أسعار البطاطس لكليهما معا. كما ارتفعت أسعار الدجاج الطازج أو المجمد في لبنان بنسبة 68.4 % في الفترة المشمولة، وهو ثاني أعلى ارتفاع بعد جيبوتي بين دول الشرق الأوسط وشمال أفريقيا ومقارنة بمتوسط نمو بلغ 16.4% على الصعيد الإقليمي، بحسب التقرير. 

آلية الدعم والغلاء والشح  

وحيث بات الأمن الغذائي للبنانيين مهدد يوميا بانقطاع السلع واستمرار ارتفاع أسعارها بشكل جنوني، يتحول تأمين الحاجات الأساسية بالسعر الأنسب والكمية الكافية، إلى ما يشبه الصراع على البقاء، واصبحت مراكز بيع المواد الغذائية تشهد يوميا عمليات تدافع وتهافت، وإشكالات وتضارب.   

وعلى الرغم من ان الحكومة اللبنانية تخصص دعم مالي (ما زالت تعتمد سعر الصرف السابق1,500 ليرة مقابل الدولار مع وصول الليرة  في السوق السوداء  مقابل الدولار لنحو 12,000) لسلة غذائية من المواد الأساسية لتمكين المواطنين من الحصول عليها بسعر منخفض مقارنة بالأسعار التي ارتفعت بشكل كبير مع الانهيار الكارثي لليرة اللبنانية، إلا إن هذه السياسة أدت إلى حصول العديد من المشاكل في عدالة توزيع المواد وانعكست في فوضى في الأسواق وسهولة في الاحتكار والتهريب.

وساهمت في انخفاض الاحتياطي الأجنبي للبنك المركزي الذي لم يعد قادر على تقديم الدعم مع نفاذ الاحتياطي تماما.  

ومع شح الدولار، يعجز البنك المركزي عن تأمين الدولار لعملية الاستيراد ما يضطر المستورد الى تأمين الدولار من السوق على السعر المرتفع، ويتأخر استيراد المواد لتلبية حاجات السوق.

ومن جهة أخرى، يؤدي انقطاع المواد المدعومة وغير المدعومة إلى تهافت المواطنين على شرائها عند توفرها، ما يؤدي إلى انقطاعها لتعود بأسعار أعلى مما كانت عليه بعد ان يكون سعر الصرف قد ارتفع أكثر.  

لا حل الا بتغيير الآلية  

ان خطة السلة المدعومة وان كانت الغاية منها نبيلة، الا انها خاطئة وأثبتت فشلها. هي بحاجة الى تعديل فوري إذا ما ارادت الدولة الاستمرار في دعم الطبقات الأكثر فقرا وحاجة.

تعاني الآلية الحالية من نقطتي ضعف أساسيتان.

أولا: هي مقدمة من احتياطي أموال الناس لدى البنك المركزي ولا يحق للدولة التصرف به.

وثانيا: هي لا تدعم الأشخاص بشكل مباشر، بل تدعم المنتج عبر تخفيض سعره فيقوم بشرائه كل من يصل اليه حتى ولو لم يكن بحاجة له، ما يطرح أسئلة كبيرة حول عدالة التوزيع ويفيد المحتكرين والمهربين.  

وكانت الحكومة في لبنان قد أعلنت عزمها اعتماد بطاقات دعم توزع على العائلات المحتاجة من أجل تقديم الدعم مباشرةً، وهو ما كان يجب القيام به، إلا إن الخطة لم تطبق حتى الآن، كما هو حال كل الإصلاحات.   

السوق تغير كثيرا في لبنان وهو مرشح للمزيد من التغيير في الأيام القادمة.

هناك انقطاع كبير للعديد من السلع وبعضها الآخر أصبحت كلفته باهظة ولم يعد بمتناول الجميع.  حتى الميسورون قد تغيرت عاداتهم التسويقية والمفاضلة بين الحاجات الأساسية والأصناف الاختيارية باتت جزء من الحياة اليومية.  

الكثير من السلع ستختفي تدريجا في المستقبل القريب مع نفاذ الاحتياطي الأجنبي كاملا لمصرف لبنان. سيصبح التسوق محصور بالمواد الأساسية والضرورية جداً كما هي حال كل البلدان الفقيرة.  

الأزمة، للأسف، مرشحة للاستمرار في ظل غياب أي مبادرة سياسية تقود الإنقاذ الاقتصادي للبلاد.

يعيش المواطن في انتظار مبادرة الحل، قبل موت الأمل. 

 

لقراءة مقالات أخرى لنفس الكاتب:  

أزمة القناة والتجارة الدولية: دروس وعبر 

عٌمان والنفط: نعمة ونقمة  

اغتيال الليرة 
 اقتصاديات ما بعد كورونا... العالم تغير كثيرا 

كورونا والاقتصاد ونحن ..كيف سنتغير؟    

القطاع المصرفي وامتحان فبراير: (الجزء الثاني)   

لبنان.. الطريق الى جهنم   

مئوية لبنان الكبير: لحظة الانبعاث او الزوال    

هل يطلق كورونا عصر العملات المشفرة؟  

لبنان في زمن التسويات الكبرى أوالحروب الكبرى  

سلطنة عمان : أحلام كبيرة تصطدم بالواقع الصعب؟   

لبنان : المصائب لا تأتي فرادى    

كورونا والكويت، كيف يبدو الوضع؟     

قرار الطرح العام أو الاستمرار كشركة خاصة.. هل هو اختيار بين جنة ونار؟   

العراق الجريح: بلد الفرص الضائعة  

لبنان إلى  أين ؟    

السودان: الصفقة والفرصة التي لا تفوت    

الكويت: الوضع الصعب  

(إعداد:  محمد طربيه، المحلل الاقتصادي بزاوية عربي و أستاذ محاضر ورئيس قسم العلوم المالية والاقتصادية في جامعة رفيق الحريري بلبنان 

(للتواصلyasmine.saleh@refinitiv.com

  سجل الآن ليصلك تقريرنا اليومي الذي يتضمن مجموعة من أهم الأخبار لتبدأ بها يومك كل صباح

© Opinion 2021

المقال يعبر فقط عن أراء الكاتب الشخصية
إخلاء المسؤوليّة حول المحتوى المشترك ومحتوى الطرف الثالث:
يتم توفير المقالات لأغراض إعلامية حصراً؛ ولا يقدم المحتوى أي استشارات بخصوص جوانب قانونية أو استثمارية أو ضريبية أو أي نصائح أو أراء بشأن ملاءمة أو قيمة أو ربحية استراتيجية استثمارية معيّنة.