22 02 2017

مركز كوروم يرصد أسباب ارتفاع الذهب الأسود وهبوطه منذ 1991

لا «أوپيك» ولا غيره.. فتش عن «بازل 3»

على الحكومة الكويتية الاستعداد لهبوط الأسعار والتركيز على الاقتصاد غير النفطي

الأسعار استمرت أقل من 40 دولاراً حتى 2004 رغم أزمات عالمية كبرى

تشديد بازل يدفع البنوك لتصريف المشتقات النفطية ويعيد الوضع إلى طبيعته قبل 2008

«دويتشه بنك» خفض محفظة المشتقات بـ 12 تريليون يورو قبل يناير 2015

أعد طارق الرفاعي الرئيس التنفيذي لمركز كوروم، وهو مركز كويتي متخصص في الدراسات الاستراتيجية والأزمات المالية، دراسة ترصد التطور التاريخي لأسعار النفط منذ مطلع التسعينيات، مرجعا موجات ارتفاع النفط القياسية الى نشاط سوق المشتقات المالية الذي وصل الى 7 أضعاف حجم الاقتصاد العالمي وتراجع الأسعار بعد يونيو 2014 الى تقليص البنوك العالمية انكشافاتها على تلك المشتقات تطبيقا لقرارات بازل 3 والتي بدأ تطبيقها في يناير 2015 .

وأكد الرفاعي ان الادعاء بان المملكة العربية السعودية والكويت وأعضاء الأوپيك هم السبب وراء هبوط أسعار النفط يعتبر أمرا غير صحيح.

وتوقع الرفاعي ان يصل سعر برميل النفط الى مستوياته التاريخية عند 20 دولارا خلال العامين المقبلين وهو متوسط سعر البرميل على مدار 13 عاما في الفترة من 1991 2004 حين كان أقصى سعر للبرميل خلال تلك الفترة 40 دولارا بضغط من تشديد لجنة بازل قواعد الانكشاف على المشتقات.

وأوصى الرفاعي بضرورة الاستعداد للأسوأ وعدم التفاؤل بعودة ارتفاعات أسعار النفط مرة أخرى وتحوط الحكومة الكويتية للتعرض لتلك المستويات السعرية.

بدأ سعر خام برنت بالهبوط في يونيو 2014، حيث بلغ سعره آنذاك ما يزيد على 100 دولار أميركي للبرميل الواحد منذ عام 2011 ولكن الأحداث التي طرأت في يونيو 2014 أدت الى هبوط حاد في السعر.

بلغ سعر النفط في 19 يونيو ما يزيد على 115 دولارا أميركيا للبرميل الواحد، حيث بدأ بعدها بالهبوط سريعا ليصل الى 55 دولارا أميركيا للبرميل الواحد في نهاية عام 2014.

وهذا يعني هبوطا بنسبة 50% خلال 6 أشهر. وقد تم آنذاك إلقاء اللوم سريعا على المملكة العربية السعودية والكويت وأعضاء منظمة الأوپيك.

وصفت وسائل الإعلام العالمية هذا الوضع آنذاك بحرب الأسعار التي أطلقتها المملكة العربية السعودية وساندها في ذلك أعضاء منظمة الأوپيك الآخرون، وذلك لتحطيم منتجي النفط الصخري الأميركي في السوق.

بدأ إنتاج النفط الصخري في النمو سريعا منذ عام 2007 وقد ادعى خبراء النفط أن هذا الأمر قد أضر كثيرا بمنتجي النفط من منظمة الأوپيك.

في الشهور التي أعقبت هبوط أسعار النفط تطورت القصة لتتحول الى حرب اسعار بين اسعار السعودية ـ الأوپيك من جهة وأسعار منتجي النفط الصخري الأميركي، حيث صاحب ذلك تراجع كبير في الطلب على النفط من الدول الناشئة وخاصة الصين.

كما أن التباطؤ في الصين والهند يعني أن ازدياد الإنتاج من قبل الأوپيك سيؤدي الى انخفاض الاسعار ما لم يقم منتجو النفط بتخفيض الانتاج.

أزمات كبرى والنفط تحت 40 دولاراً

لم يتم تداول أسعار النفط خلال الفترة من 1991 الى منتصف عام 2004 بما يزيد على 40 دولارا أميركيا للبرميل الواحد.

وقد تضمنت فترة الـ 13 عاما هذه نهاية الاحتلال العراقي الغاشم على الكويت والأزمة المالية الآسيوية وأزمة الروبل الروسي وأزمة «الدوت كوم» والهجمات الإرهابية في 11 سبتمبر على أميركا والحرب الأميركية في العراق وافغانستان والكثير من الاحداث غيرها والتي يقول الخبراء الماليون بأنها كانت السبب وراء ارتفاع اسعار النفط بشكل سريع ولكن هذه لم تكن الحقيقة، لماذا؟كما كان هناك ايضا ارتفاع في الطلب على النفط من الأسواق الناشئة مثال الصين والهند والبرازيل في حين أن توريد النفط كان ينمو بمعدل بطيء نسبيا مع العلم بأنه لم يكن هناك اي انتاج للنفط الصخري الأميركي آنذاك.

2004 انطلاق المشتقات النفطية

ارتفعت أسعار النفط في اواخر عام 2004 الى ما يزيد على 40 دولارا أميركيا واستمر هذا الارتفاع ليصل الى مستوى خرافي 143 دولارا أميركيا للبرميل الواحد في يوليو 2008 وأرجع الخبراء ذلك الارتفاع الى النمو السريع في الطلب العالمي الناتج عن ازدياد طلب الأسواق الناشئة للحصول على النفط، حيث كان ذلك مصحوبا بانخفاض معدل انتاج النفط العالمي على الرغم من بدء الأسواق الناشئة النمو في 1999.تكمن الإجابة عن هذا السؤال في المشتقات المالية. عندما تمت إضافة قصة المشتقات المالية الى قصة النفط بدأ كل شيء يتضح ويبدو منطقيا.

قامت الولايات المتحدة الأميركية عام 1999 بتسهيل القوانين المتعلقة بالمشتقات المالية وذلك بعد الكثير من المداولات بين اكبر البنوك. لقد كان تداول المشتقات منخفضا نوعا ما آنذاك ولكن الأمر كان مربحا جدا للبنوك التي قامت بإصدار المشتقات وتداولها.

بدأ تداول المشتقات العالمية بالنمو سريعا من بضعة تريليونات من الدولارات الى مئات التريليونات من الدولارات خلال سنوات قليلة.لم يكن هناك مشتقات نفطية قبل عام 2004.

أدى إطلاق المشتقات النفطية الى أعطاء البنوك والمضاربين أدوات مالية جديدة يمكنهم استخدامها للتلاعب بأسعار النفط. نتيجة لتزايد الاهتمام بالمضاربة في السلع مثال النفط بدأ سوق المشتقات بالنمو سريعا، حيث استمرت أسعار السلع والنفط بالارتفاع.

وقد برر خبراء الصناعة ووسائل الإعلام العالمية بأن ارتفاع أسعار السلع والنفط يعود الى الدول النامية وزيادة الطلب على النفط متجاهلين بذلك آثار المشتقات على السوق تماما.

75% تراجعا في 5 أشهر!

بدأت أسعار النفط والسلع الأخرى عام 2008 بالهبوط. وقد هبط سعر النفط بمعدل قياسي من 143 دولارا أميركيا للبرميل الواحد في يوليو 2008 الى 34 دولارا في نهاية السنة وهذا يعني هبوطا بمعدل 75% خلال 5 أشهر مع العلم ان هذا الأمر لم يحدث أبدا في تاريخ صناعة النفط.

وقد تم عزو هذا الهبوط الى الأزمة المالية العالمية التي أدى الى إشعالها انهيار بنك ليمان براذرز. ومرة أخرى نقول ان السبب كان صحيحا جزئيا فقط.

لقد أدت الأزمة المالية العالمية الى التسبب بتعرض العديد من الدول للركود الاقتصادي ما أدى الى انخفاض الطلب على النفط ولكن هذا الأمر لا يوضح أسباب هبوط الأسعار بشكل سريع جدا في تلك المدة القصيرة.عندما نقوم بإضافة قصة المشتقات هنا فإننا سنرى كيف ستصبح القصة أكثر منطقية.

أدى انهيار بنك ليمان براذرز الى حدوث موجات صادمة للأسواق المالية عالميا. لقد تجمدت أسواق الائتمان العالمية وتوقفت البنوك عن تقديم القروض الى بعضها البعض بسبب نقص الثقة.

وقد أصاب البنوك الكبرى الخوف بأن تكون هي التالية في الانهيار. ان نقص الثقة وتراجع عمليات الإقراض بين البنوك قد تسببا في توقف سوق المشتقات العالمية.

الإنقاذ المالي ينعش المشتقات

استرد سوق النفط تعافيه، حيث بلغ سعره في أوائل عام 2011 حوالي 100 دولار أميركي للبرميل الواحد مرة أخرى. وقد عزت وسائل الإعلام العالمية السبب في ذلك الى النمو الاقتصادي العالمي وزيادة الطلب على النفط مرة أخرى.

وعلى أي حال فإن الشيء الذي طرأ عليه التحسن والتعافي حقيقة هو سوق المشتقات حالما قامت الحكومات والبنوك المركزية في أميركا وأوروبا بإنقاذ بنوكها فقد بدأت تعود الثقة وبدأت أسواق الائتمان تنفتح مرة أخرى وعادت تلك البنوك لتلعب اللعبة نفسها مرة أخرى.

عادت عمليات تداول المشتقات المالية المربحة لتحتل مركز الصدارة مرة أخرى حيث قررت البنوك الكبرى الاستفادة من فرصها الجديدة والفضل في ذلك يعود الى عمليات الإنقاذ.

ضغوط «بازل 3» على البنوك

وبعد ذلك وفي النهاية نصل الى ما نحن عليه اليوم. هبط سعر النفط الى مستويات منخفضة جديدة مرة أخرى ولكنه عاد ليتعافى مرة أخرى من 25 دولارا أميركيا للبرميل في يناير 2016 الى اكثر من 50 دولارا أميركيا للبرميل حاليا. وقد تم إبلاغنا بأن هذا الهبوط في الأسعار يعود الى حرب الأسعار التي بدأتها المملكة العربية السعودية والتي يدعمها الأوپيك في ذلك للتخلص من منتجي النفط الصخري الأميركي. وقد جاء هذا الأمر مصاحبا لحقيقة أن الأسواق الناشئة قد أصبحت بطيئة.

ومع ان هذا الأمر صحيح جزئيا إلا أنه لا يوضح القصة الكاملة.وقع اللوم الخاص بهبوط أسعار النفط هذه المرة على بازل 3.

قامت لجنة بازل عقب الأزمة المالية العالمية التي يشرف عليها بنك التسويات الدولية في سويسرا بإصدار قوانين جديدة للبنوك والتي كانت تأمل أن تؤدي الى حل بعض المشاكل التي أدت الى حدوث الأزمة مثال تداول المشتقات.

وفي حين ان المشرعين العالميين قد رأوا مخاطر المشتقات المالية وسعوا الى زيادة قوانينهم الا أنهم فشلوا حتى هذا اليوم في اتخاذ اي إجراء بخصوص هذا الموضوع. ويعود السبب الرئيسي في ذلك الى الخوف من التسبب بحالة من الهلع وإشعال فتيل أزمة مالية أخرى.

أدى حجم سوق المشتقات العالمية الى تخوفهم، حيث وصل حجم سوق المشتقات الى حوالي 7 أضعاف الاقتصاد العالمي السابق، حيث تمت إضافة المشتقات الخاصة بالرهونات الى الرهونات الأخرى دون أي أصول مساندة.

رأت لجنة بازل ان المشرعين قد يكونون بطيئين في تنظيم المشتقات وعليه فقد قامت بوضع بعض من قيودها الخاصة بخصوص كيفية تداول البنوك للمشتقات.

وعلى وجه الخصوص فقد قامت بزيادة الهامش المطلوب من قبل البنوك التي تحتفظ بالمشتقات وذلك لتتمكن من الالتزام بمتطلبات وقوانين بازل 3 والتي تتقيد بها جميع البنوك الكويتية في يومنا هذا وانه يوجد لديها القليل او لا يوجد لديها انكشاف تجاه المشتقات ولكن هذا الحال لا ينطبق على البنوك الأميركية.

ان زيادة الهامش المطلوب يعني أن البنوك كانت مجبرة على تخفيض حجم المشتقات ابتداء من يناير 2015.

وعليه فقد بدأت البنوك بحل هذه المشتقات في النصف الثاني من عام 2014 وهو الوقت الذي بدأت فيه أسعار النفط بالانخفاض.

بالنسبة لبنك دويتشه وحده فقد هبطت المشتقات المالية بمقدار 12.7 تريليون يورو من 54.6 تريليونا عام 2013 الى 41.9 تريليون يورو عام 2015 وذلك وفقا للتقارير السنوية للبنك.

وفقا لبنك التسويات الدولية فإن مشتقات السلع قد انخفضت بنسبة 45% اعتبارا من يونيو 2014 الى نهاية 2015.

بالنسبة لبنك دويتشه فقد هبطت مشتقات السلع بما يزيد على 60% خلال الفترة نفسها.

المشتقات المالية

تم تعريف المشتقات المالية على انها أدوات تحوط يتم استخدامها للوقاية ضد أي خسائر مالية متعلقة بالأصل او العملة او السلع ولكن المشتقات المالية المساندة لا تعتبر اصولا في حد ذاتها.

انها بكل بساطة مجرد وعد او عقد تأمين او رهان من احدى المؤسسات المالية الى مؤسسة مالية أخرى او الى المستثمر للدفع في حالة ما استحق رهن المشتقات المالية مثال الهبوط في قيمة السند بحيث يسعى المستثمر الى الحصول على التعويض عن الخسائر في قيمة السندات.

كما أن معظم المشتقات مبنية على أساس أسعار الفائدة والعملات الأجنبية. ان جزءا بسيطا فقط من المشتقات المالية مبني على السلع مثال الذهب والنفط.

© Al Anba 2017