12 02 2017

يبدو أن التطور الذي عرفته العولمة في مجرى العقود الماضية قد وصل إلى نهايته، خاصة مع ظهور قوى إقليمية وتزايد الحمائية، اللذين يعدان مؤشران مهمان على التغييرات المقبلة.

في تقريره "ما وراء العولمة"، يوصي معهد بحوث "كريدي سويس"، ثاني أكبر المصارف السويسرية، بالتحرك نحو التعددية القطبية، لتجنب أسوأ السيناريوهات.

وتقرأ "الاقتصادية" في التقرير، أن عام 2017 يؤذن بحقبة جديدة في تاريخ العولمة، فمختلف الأحداث التي وقعت في العام الماضي شهدت نهاية مرحلة طويلة من العولمة هيمنت عليها أساسا الشركات متعددة الجنسيات، والأسواق، والقوانين الغربية، جنبا إلى جنب مع زيادة ثروات الاقتصادات الناشئة.

ومع الأخذ في الاعتبار التدفقات التجارية، والمالية، ووسائل الإعلام، يحلل تقرير "كريدي سويس"، ثلاثة محاور محتملة، وهى: "العولمة تواصل طريقها؛ والعولمة تصبح متعددة الأقطاب؛ ونهاية العولمة".

الأطروحة الأولى هي أن العولمة مستمرة في الشكل الذي وصلنا إلى معرفته وفهمه على مر السنوات الثلاثين الماضية، وجوهر هذه الرؤية، أن الدولار سيواصل دوره الأول، بين سائر النظراء من العملات الرئيسة الأخرى، في عالم تبادل العملات الأجنبية التجاري والمالي.

وإضافة إلى استمرار هيمنة الشركات متعددة الجنسيات على الساحة التجارية العالمية، على أن تبقى صناعة القانون الدولي والمؤسسات، غربية في طبيعتها، وفي مجال الاقتصاد، تنخفض تقلبات الاقتصاد الكلي، وتنمو التجارة مع انقطاعات قليلة بسبب الحمائية، وينمو اقتصاد الإنترنت عبر الحدود.

وعلى الصعيد الاجتماعي - السياسي، يكمن التطور الهام في تحسن التنمية البشرية، التي ستتميز بـ "مجتمعات أكثر انفتاحا"، ويقر التقرير أن هذه الرؤية تصف الماضي أفضل من المستقبل، وأنه قد يكون جيدا بأن العالم في سباق من أجل عالم ذا أقطاب أكثر عددا.

أما الرؤية الثانية فتقوم على نهاية العالم الأحادي القطب بصعود آسيا واستقرار منطقة اليورو، حيث سيرتكز الاقتصاد العالمي، بصفة عامة، على ثلاث ركائز: الأمريكتين، وأوروبا، وآسيا بقيادة الصين.

ويتوقع التقرير أن تتفوق مؤسسات إقليمية جديدة على مؤسسات مهمة قائمة من النظام القديم من أمثال البنك الدولي، وصعود "الديمقراطيات المدارة" من قبل الحكام، والمزيد من النسخ الإقليمية "المقبولة" لسيادة القانون، وأن تصبح الهجرة أكثر إقليمية وحضرية بدلا من عبور الحدود، وأن تتطور المراكز المالية الإقليمية، والقطاع المصرفي والمالي بطرق جديدة.

وعلى صعيد الشركات، سيتمثل التغير الكبير بصعود "أبطال إقليميين" من الشركات، تحل محل الشركات متعددة الجنسيات في كثير من الحالات، ويتوقع التقرير أن نرى أيضا تحسينات متفاوتة في التنمية البشرية تؤدي إلى قيام اقتصادات محلية أكثر استقرارا، وثراء، مع استمرار تصاعد الاتجاه الاستهلاكي للأسواق الناشئة والتدفق التجاري والمالي. أما في أوروبا، فسيوقف الاتحاد الأوروبي توسعه الخارجي، وعلى نحو متفائل، سيزدهر التكتل الأوروبي أكثر بعد إعادة هيكلة المصارف والشركات الغربية.

ويشير التقرير عموما إلى أن ظهور عالم متعدد الأقطاب سيكون نتيجة للعولمة بحد ذاتها، لأن واحدة من تأثيراتها الجانبية الإيجابية هو توزيع أفضل للثروة.

ومن بين المستفيدين الرئيسيين من هذا الاتجاه، البلدان المكتظة بالسكان - مثل الهند والصين - لتصبحا من القادة الإقليميين، لكن من ناحية أخرى، فإنه في الوقت الذي سيواصل فيه الاقتصاد العالمي نموه، ستشهد مختلف المناطق نموا غير متكافئ.

أما الرؤية الثالثة، التي يصفها التقرير، بـ "الأكثر قتامة والأكثر سلبية" لأنها تعيد للأذهان انهيار العولمة في عام 1913 وما لحقها من اندلاع الحرب العالمية الأولى.

ويقول التقرير إنه على الرغم من أن العالم قد تأثر بالأزمة المالية العالمية في 2008، والهجمات الإرهابية في السنوات الأخيرة، إلا أن هذه التطورات أدت إلى المزيد، بدلا من القليل، من التعاون بين الأمم.

ويضيف أن "نهاية العولمة" لا يمكن أن تأتي إلا بتباطؤ النمو الاقتصادي والتبادل التجاري أو باتجاههما نحو الأسفل، مع إمكانية إضافة صدمة للاقتصادات الصغيرة (صدمات المديونية، وعدم المساواة، والهجرة)، وازدياد النزعة الحمائية، والاشتباكات الجيوسياسية، وحروب العملات، والأحداث المناخية المناوئة، وصعود حركات شعبوية عريضة "مضادة للعولمة"، وردود فعل عنيفة ضد الشركات العالمية، أو تراجع اتجاهات التخلص من السلطات الاستبدادية والانتقال الديمقراطي، على سبيل المثال لا الحصر.

وبحسب التقرير فإن عواقب هذه الرؤية يمكن أن تكون ضارة جدا، وإلغاءها ربما يتطلب كثيرا من الوقت والجهد، وطبقا للباحثين في معهد بحوث "كريدي سويس"، فإنه يتوقع هيمنة "أبطال وطنيون" على مقدرات بلدان ثم يقومون بتوطيد سلطات بعضهم بعضا، لتتشظى بعدها الأسواق المالية العالمية، واندلاع حروب العملات، أو حتى نزاعات مسلحة.

وأشار التقرير إلى حدثين خالفا توقعات الرأي العام في عام 2016، وهما خروج بريطانيا من الاتحاد الأوروبي، وتسلم دونالد ترمب رئاسة الولايات المتحدة، وهذا يعلمنا أن نتوقع غير المتوقع، لكن في الوقت ذاته يجعل أيضا من الرؤية الثالثة غير قابلة للتصديق".

© الاقتصادية 2017