18 06 2017

انتخاب ترامب وماكرون لم يؤثرا على استقرارها

وأضاف تقرير «الوطني» أن الأحداث غير المسبوقة التي عاصرناها منذ بداية العام الحالي مثل تولي ترامب مقاليد الحكم بالولايات المتحدة في بداية العام، وما اسفرت عنه الانتخابات الفرنسية في مايو الماضي من انتخاب شخص غير معروف مثل ماكرون، لم يكن لها تأثير يذكر على استقرار الأسواق.

وقد ساهمت عوامل عديدة في تدني مستوى التقلبات بما في ذلك عناصر تقنية مثل تزايد الاعتماد على الاستثمار الساكن (صناديق المؤشرات - صناديق الاستثمار المتداولة، وغيرها). غير ان المقومات الأساسية قد قامت ايضا بلعب دور رئيسي.

وفي وقتنا الحاضر حتى أوائل يونيو، لاتزال معظم أسواق الأسهم تبلي بلاء حسنا من حيث الأداء منذ بداية العام حتى تاريخه، بل تمكن بعضها أيضا من تسجيل ارتفاعات تاريخية.

مكاسب الأسواق

وارتفعت الأسهم في الأسواق المتقدمة بنسبة 8% منذ بداية العام حتى تاريخه، بينما ارتفعت الأسهم العالمية والأسواق الناشئة 9% و13% على التوالي منذ بداية العام حتى تاريخه، في حين تباطأ أداء الأسواق الخليجية وتراجعت بنسبة 2.3% منذ بداية العام حتى تاريخه في اعقاب الانتعاش المحموم الذي عاصره بعض من تلك الأسواق بنهاية العام 2016 (السعودية) أو ببداية عام 2017 (الكويت).

وعلى مدار الأيام القليلة الماضية، بدأ الصدام القطري الخليجي وقطع العلاقات الديبلوماسية والتجارية بين الطرفين في التأثير على أسعار الأصول. كما تقاعست أسعار النفط عن تقديم يد العون لدول المنطقة في ظل صراعها للبقاء في حدود 50 دولارا للبرميل (وفقا لأسعار مزيج برنت)، على الرغم من تمديد اتفاقية الأوپيك وشركائها لخفض الإنتاج لمدة تسعة أشهر اضافية تنتهي في مارس 2018.

هذا، وتتسم الآفاق المستقبلية لأسعار النفط بالضبابية وتشتت التوقعات المستقبلية، إلا اننا نبقي على توقعاتنا السابقة بخصوص الارتفاع التدريجي لأسعار النفط مستقبليا وبلوغ متوسط سعر مزيج برنت 55 دولارا للبرميل خلال العام الحالي على خلفية قيام الأوپيك بتطبيق مزيدا من خفض الإنتاج وتراجع المخزون النفطي وبدء موسم السفر والمواصلات قريبا.

ويبدو إجماع التوقعات على تراوح معدل النمو العالمي بين 3 و3.5% هذا العام منطقيا، حيث يتوقع ان يبلغ معدل النمو في الولايات المتحدة ما بين 2 و2.5%، و2.0% في منطقة اليورو، و6.5% أو أكثر في الصين، و1-1.5% في اليابان. وبالنسبة لتلك الاقتصادات الرئيسية وغيرها، يستمر تدفق البيانات التي تشير الى الاستقرار، أو بمعنى آخر تقلبات أدنى ومؤثرات خاصة أقل من المعتاد.

وينطبق نفس الوضع على بيانات التضخم، لاسيما مع انضباط أسعار النفط والطاقة إلى حد ما منذ بداية العام الحالي وحتى وقتنا الحاضر. وقام الاتحاد الفيدرالي برفع معدل الفائدة مجددا في يونيو، والأسواق ترجح رفع الفائدة مرة اخرى خلال هذا العام.

كما يتوقع أن يبدأ الاحتياطي الفيدرالي بالتوسع في «تطبيع» سياساته من خلال البدء في تقليص موازنته المتضخمة (4.3 تريليونات دولار)، حيث سيقوم الاحتياطي الفيدرالي في ديسمبر من العام الحالي او قبل ذلك بوقف استبدال كامل سندات الخزينة مستحقة السداد في محفظته المالية. وسيقوم عوضا عن ذلك باستبدال جزء من الديون مستحقة السداد فقط، على ان يتم خصم الباقي من محفظته المالية. أما بالنسبة للبنك المركزي الأوروبي، والذي لايزال يضيف مشتريات السندات شهريا إلى محفظته (60 مليار يورو شهريا)، فإنه لن يتطرق إلى موضوع تقليص المشتريات بعد، او حتى رفع أسعار الفائدة، وان كان هذا المشهد يلوح في الأفق. لاتزال أسعار الفائدة تقترب من الصفر في تلك المنطقة ويحتفظ البنك المركزي الأوروبي بالحذر الزائد، إلا أنه مع صدور بيانات أفضل من المتوقع من أوروبا بدأت الأسواق تستشعر بالفعل ما هو قادم، بغض النظر عن مدى التدرج والتأخر في تفعيل تلك الظروف (2018).

ولا تشعر ألمانيا والمستشارة ميركل هي الأخرى بالحماس تجاه سياسة أسعار الفائدة المنخفضة، حيث ذكروا أو ألمحوا الى أن عملة اليورو مقومة بأقل من قيمتها، ضاغطين بذلك على البنك المركزي الأوروبي في اتخاذ خطوته التالية، في الوقت الذي فقد فيه المتقاعدون والمدخرون صبرهم تجاه تدني أسعار العائدات إلى مستويات قياسية منخفضة إلى ما يقارب الصفر على استثماراتهم ذات الدخل الثابت. أما بالنسبة لمعدلات اليابان، فهي بطبيعة الحال قريبة من الصفر هي الأخرى (يبلغ عائد السندات لأجل استحقاق عشر سنوات 5 نقاط أساس)، أضف إلى ذلك غياب أي توقعات تجاه التحرك بعيدا عن سياسة التيسير الحالية، ولا تلوح أي بادرة أمل في الأفق حيال ذلك، حيث يظل الانكماش في التضخم بعبعا مخيفا. ويبلغ معدل التضخم في مؤشر أسعار المستهلك الياباني 0.5% على أساس سنوي مقارنة بنسبة 2% المستهدفة.

ويترجم النمو العالمي المطرد واستقرار التضخم إلى أسهم مرتفعة وأسعار فائدة مستقرة وتدني مستوى التقلبات. وبالفعل فإن أسعار الفائدة تتحرك نحو الارتفاع إلى حد ما على المدى القريب مع اتباع البنوك المركزية سياسة تشددية (الاحتياطي الفيدرالي الأميركي)، إلا أن معدلات الفائدة للأجل الطويل تظل ثابتة بفضل الآفاق المستقبلية المعتدلة للتضخم ولتعطش المستثمرين لتحصيل عوائد على استثماراتهم. أما فيما عدا ذلك، فيتم تثبتيها عن طريق التسيير الكمي (البنك المركزي الأوروبي من خلال سندات الخزانة الألمانية لأجل عشر سنوات بعائد 30 نقطة أساس، وسندات بنك اليابان المركزي لأجل عشر سنوات بعائد 5 نقاط أساس).

وكما ذكرنا آنفا، فان بعض الاحداث السياسية التي كان متوقعا أن يكون لها وقع مدو، وان كان بصفة مؤقتة هذا العام، أتت ومضت ولم تسفر الا عن ضجة بسيطة او إضافة لا تكاد تذكر لمستوى التقلبات السائد. وحتى الفضائح المتعلقة بترامب، أو الفضائح المزعومة، اعتاد عليها الناس، وان كان بعض من مشاكله السياسية من شأنها ان تؤخر أجزاء مهمة في جدول أعماله بما في ذلك الإصلاح الضريبي وتعديل النظام الصحي أوباما كير المعطل حاليا. ويعد كل مسعى من هذين المسعيين معقدا جدا في حد ذاته ويتطلب الوقت ورأس المال السياسي. ومن المأمول ألا تؤدي جلسات الاستماع والتحقيقات (روسيا والتسريبات...) وما شابه ذلك، إلى إحداث تأخير إضافي للأمور، إلا انه من غير المحتمل ان نشهد أي احداث على هذا الصعيد قبل نهاية العام. ولجعل الأمور تزيد سوءا بحلول شهر سبتمبر القادم، سيتعين أيضا خوض معارك تتعلق بالموازنة ومد أجل الديون. وتعلق الأسواق الأميركية أملها على مرور تلك التشريعات بدون أي عقبات، حتى ان أدى ذلك إلى تأجيلها. وهناك إمكانية كبيرة لحدوث خيبة أمل ويجب الا تغفل عنها الأعين نظرا لأهمية الاقتصاد الأميركي وأسواقه المالية للاقتصاد العالمي.

علاوة على ذلك، ومع توقع قيام الاحتياطي الفيدرالي برفع أسعار الفائدة ثلاث مرات خلال العام الحالي من ضمنها رفع الفائدة في مارس ويونيو، أبدت بيانات تقرير الوظائف الأميركي مظاهر كافية من الضعف لتلقي بظلالها على تلك التوقعات وعلى توقعات الفيدرالي في رفع الفائدة ثلاث مرات خلال عام 2018، حيث تمت إضافة 138 ألف وظيفة جديدة فقط في مايو، وتضع المراجعة الأخيرة متوسط الثلاثة أشهر عند مستوى 121 ألف وظيفة، وهو أدنى متوسط على مدى خمس سنوات. وكان تراجع معدل البطالة بواقع 4.3% خادعا إلى حد ما، حيث انه تراجع بسبب انخفاض القوى العاملة وليس بسبب زيادة التوظيف. اما الأجور فقد ذكر التقرير انها تتقدم بمعدل ثابت بلغت نسبته 2.4% على أساس سنوي.

كما أن تراجع الوظائف وثبات الأجور من الأمور غير المستبعدة لدرجة ان تؤدي إلى عرقلة الاحتياطي الفيدرالي عن رفع أسعار الفائدة بواقع 25 نقطة أساس في 14 يونيو، إلا انها كافية لإثارة الشكوك بشأن التحركات اللاحقة خلال هذا العام والعام المقبل. وقد أدى هذا التقرير إلى ارتفاع اليورو وتراجع الدولار في ظل قيام المستثمرين بإعادة تقييم مسار الاحتياطي الفيدرالي ومع استقرار الأرقام الأوروبية أكثر مما كان متوقعا. ولم تأخذ أسواق العملات الأجنبية في اعتبارها حتى الآن تحول البنك المركزي الأوروبي نحو التشديد حتى وان كان بعد حين. كما يستفيد اليورو من التطورات السياسية، مع توقع اجراء حملتي انتخابات في مستهل شهر يونيو، حيث اظهرت الانتخابات في المملكة المتحدة (8 يونيو) ان رئيسة الوزراء ماي قد فقدت قبضتها على الأمور، وان لم يكن على الانتخابات ككل، الأمر الذي أحدث ضغوطا على الجنيه الإسترليني. في حين ان الحزب الجديد للرئيس ماكرون قد حقق نجاحا جيدا في الدورة الاولى من الانتخابات البرلمانية في يونيو. نتيجة لذلك فمن المتوقع ان يفوز بالأغلبية البرلمانية بما يعزز الآفاق المستقبلية لكل من الاتحاد الأوروبي واليورو.

لذا، فإن السيناريو السائد حاليا هو «الملاحة السلسة للاقتصاد العالمي» مع اتجاه الاحتياطي الفيدرالي نحو التشديد، وتراوح وضع أوروبا السلس ما بين مقبول وجيد، واختفاء أي عوامل إضافية من سياسات الصين واليابان، بما يؤدي بالاقتصاد العالمي للإبحار نحو عاما خاليا من الاحداث، إلا انه على الرغم من ذلك، فقد ارتفعت المخاطر هامشيا نظرا لإمكانية تراجع الدولار الأميركي او ابتعاد الإصلاحات الأميركية عن مسارها، بالإضافة إلى احتمال حدوث بعض السجالات في أوروبا ربما في اعقاب انتخابات المملكة المتحدة والتي عكرت صفو الآفاق المستقبلية لانفصالها عن الاتحاد الأوروبي لكلا الجانبين، وخاصة في ظل عجز رئيسة الوزراء ماي من الفوز بشكل حاسم. من جهة أخرى، يعد النفط عاملا آخر جديرا بالمراقبة خلال الثلاثة أشهر المقبلة، نظرا لأهميته القصوى للآفاق المستقبلية لدول مجلس التعاون الخليجي والأسواق.

© Al Anba 2017