27 03 2017

مختصون يحذرون من كارثة.. ويتساءلون: من سمح لهم بذلك؟!

حذّر خبراء من السكن في المخططات "المردومة" وهي التي بنيت على بيئة بحرية، مشيرين إلى أنها تنذر بكارثة صحية وبيئية خاصة فيما يتعلق بصحة الانسان، نتيجة تكاثر الحشرات فيها التي تنقل الامراض الوبائية القاتلة مثل مرض( زيكا ) وحمى الضنك، كما تتصاعد من تربة تلك المخططات غازات سامة وضعت خلال الردم في تربتها الاساسية ينتج عن استنشاقها الاصابة بأمراض سرطانية خطيرة.

واعتبر الخبراء في حديثهم لـ"الرياض" أن البناء على البحر كما يحدث في المناطق الساحلية وخاصة في جدة والمنطقة الشرقية كارثة بحق البيئة البحرية وكارثة قانونية كونها اعتداء مباشر على البيئة، مؤكدين أنها تقضي عملية الردم على "كنوز وثروات بحرية هائلة" كما أن من يسكنون في تلك المخططات يتعرضون لدمار منازلهم بعد زمن وأمراض وبائية نتيجة الردم متسائلين "من يسمح لهم بذلك".

أمراض خطيرة

وقال د. علي عشقي أستاذ علم البيئة، "إن دفن البحار وتحويلها إلى مخططات جديدة يضر بصحة البيئة بشكل كبير، مثل البحر الاحمر، كونه صحراء زرقاء وطبيعة الحياة فيه كالربع الخالي والدهناء لا ترتفع عن 2.5متر، والباقي صحراء والحياة تتركز في البنية الشاطئية التي قاموا بردمها فقضوا على الحياة في البحر الاحمر، فالموانئ الاقتصادية والثروات البحرية جميع هذه الاشياء دفنوها من عام 1980 عندما شيدوا الكورنيش على الشعب المرجانية على البحر الاحمر، كما أن هناك خطأ فادح آخر في تهديد الثروة البحرية تتمثل في رمي مخلفات الصرف الصحي في البحر وهذه مياه صرفية ملوثة معدنية، وملجأ للبعوض لأنها تحولت من بيئة بحرية إلى بيئة مستنقعات كما حدث في تلك المخططات القائمة على بحر في الاساس، وتلك المستنقعات تنمو فيها كل الحشرات، بما فيها البعوض وهناك نوع من البعوض في هذه الاماكن يسبب نقل زيكا وحمى الضنك والكثير من الامراض، فالمشكلة تكمن في دفن البحر وتحويل جزء منه إلى مخططات، والمشكلة الثانية رمي مخلفات الصرف الصحي به، ولذلك فأن البيئة الفيزيائية والكيميائية في البحر الأحمر تحولت إلى بيئة أخرى غير البيئة البحرية وأدت إلى تكاثر البعوض وأصبحت مرفأ للفئران والحشرات، وهناك من يقدم على ردم البحر فقط من أجل الحصول على 100 ألف متر للاستثمار".

وأشار عشقي إلى أن هناك أضرار صحية يصاب بها من يعيش على مثل هذه المخططات التي كانت في أصلها بحر مطمور فالبحر بطبيعته يوجد فيه مد وجز وهذا المد والجزر كل ست ساعات ترتفع نسبة المياه وتنخفض كل ست ساعات أخرى بحسب ارتفاع الارض عن المياه ، فهناك على سبيل المثال 4 ترددات سطحية لانتظام مياه البحر الاحمر، وكذلك المد الفصلي حيث ترتفع المياه الجوفية في فصل الشتاء متر واحد عن فصل الصيف وهذه الامور أثرت كثيرا في البيوت التي بنيت على مثل هذه المخططات ، حتى أن هناك من هجر منزله بعد الضرر الذي لحق به أو بيعه لأن الدور الأول تحول إلى نقع للمياه وفيضانات كلما ارتفع المد ونزل وأصبح فيه تردد فإنها تؤثر على أساسات البناء وعلى الصحة وتؤدي إلى بيئة غير صحية في البيت الذي أنشأ على أصول ذلك المكان.

وأضاف عشقي، غالبا ما يتأثر الهواء في مثل هذه المخططات حيث يكون هواء غير نقي وتشوبه الكثير من الروائح بسبب غاز كبريت الهيدروجين وهذا يتفاعل وينتج بكتريا غير هوائية ناتجة من ذلك الغاز، ومثل تلك الروائح إنما هي جزء طفيف من غاز كبريتيت الهيدروجين، وذلك يعود أيضا إلى المواد الاساسية التي وضعت من خلال الدفن في مثل هذه المنطقة فهي مواد مشعة يوجد بها نسبة كبيرة من عنصر "الرادون"، بشكل يفوق غيرها من المناطق الأخرى وهذا الغاز المشع يسبب مرض السرطان بنسبة عالية، حتى في المياه الجوفية في المملكة".

وشّدد على أنه من سنوات طويلة والخبراء يدعون إلى الوقف عن ردم البحر بسبب تلك الاضرار الجسيمة، داعيا إلى ضرورة أن يتم اللجوء دائما في البناء سواء بناء منزل أو حتى مصنع لابد من عمل دراسة بيئة صادقة من خبراء في البيئة حتى يخبروه بمدى صحة المنطقة قبل البناء، مشيراً إلى أن وزارة الشؤون البلدية والقروية لا تلزم بذلك النوع من الدراسات الصحية، وأن أي مستثمر يستطيع أن يخطط ويبيع دون رقيب، مضيفاً أن المشكلة في أن الجهات المعنية لا يعنيها رأي الخبراء في مثل هذه الكوارث البيئة على الرغم من محاولاتهم للإفادة من علمهم وبحوثهم.

الاعتداء على الساحل

بدوره أكد د. عبدالعزيز العمري اكاديمي ورجل أعمال، أن هناك من يحاول أن يستخدم اسلوب دفن جزء من البحار من أجل المصالح الشخصية التي تقوم على الاستفادة من هذه المخططات المجاورة للبحر على الرغم من أنه نوع من الاعتداء على البيئة لمصالح ذاتية لا يمكن تبريره ويجب منعه، مبينا أن هناك سوء للتخطيط يتعلق بالأراضي المجاورة للبحر والتي قد تلحق بمبانيها الضرر الكبير كما حدث في المدن الساحلية لدينا، وقال" أن الاعتداء على الحبر وسواحله هي مشكلة تخطيطيه واجهناها في السابق واليوم ننتظر من الجهات المعنية للاعتناء بمثل هذه الاشكاليات خاصة فيما يتعلق بالاعتداء على الاراضي الساحلية، ففي جميع دول العالم تبقى المناطق المنخفضة منخفضة والممرات المائية من بحر وغيره تبقى كما هي".

وأوضح العمري، أن هناك ثغره في كيفية الاستلاء على مثل هذه الاراضي وتحويلها إلى ملكيات خاصة على الرغم من كونها بحر في الاساس، مبيناً أن مثل هذه الأفعال التي تقوم على طمر البحر بدفنه وتحويله إلى مخططات، إنما ذلك يصب في مصلحة المستفيد ولا يصب في مصلحة المدينة نفسها والتي تحتاج إلى المحافظة على متنزهاتها والتي يمثل البحر أهمها، لافتا إلى أن ذلك يعد اعتداء على اصحاب عقارات سابقا كانوا مطلين على البحر، وأنهم بين فينة وأخرى فجأة ظهرت بينهم وبين البحر أراضي ومخططات تبنى كعمائر تباع مما تسبب بضرر كبير من ناحية تغير وتدني من قيمتها عن السابق حينما كانت تطل على البحر وفقدت هذه القيمة بعد الاستيلاء على جزء من البحر بعد دفنه، مشيراً إلى أن ذلك يعتبر اعتداء على حقوق الاخرين وليس الاعتداء فقط على البحر، لافتا إلى أن من يتملك مسكن في مخطط كان سابقا بحر ودفن فأنه يستطيع أن يحصل على حقوقه القانونية في حال الضرر من خلال القانونين والحقوقيين والجهة القضائية المخولة لذلك.

الملاحقة القانونية

من جانبه أكد د. صالح الشريدة المحامي والاستشاري الحقوقي وعضو الجمعية الوطنية لحقوق الانسان، أن دفن البحار مؤلم جدا ولابد أن تكون البحار مفتوحه ويستفاد منها كبيئة للأسماك والوسائل البحرية، مبيناً أن تلك الأفعال تتم بطريقة غير نظامية، مضيفاً أن المتظلم ممن بنى في مخطط يعود أصله إلى كونه بحر ولم يكن يعلم بأنه مخطط مطمور من البحر فيمكنه أن يتقدم إلى المحاكم الشرعية واثبات أن هذا بحرا ومطمور وله الحق في المطالبة بحقوقه، مؤكداً أن ذلك يعتبر من قبيل الغش في المعاملات التجارية، مشيراً إلى أن المتظلم في حال كان يعلم بأن أصل الارض بحر مطمور فذلك يعود إلى تقدير القاضي خاصة مع تنوع الرؤية القضائية ، إلا أنه إذا كان يعلم بإشكالية المخطط فالقانون لا يحمي المغفلين فيسقط حقه بعلمه.

وتابع الشريدة قائلا" السؤال الاهم الذي لابد أن يوجه إلى من منحهم الاراضي ولمن أخرج الصكوك الشرعية على أراضي بحرية فمن سمح لهم بالدفن ثم الاستثمار بها كمخططات جديدة لملكيات خاصة، خاصة بأن البحر ملك عام ولا يحق لأحد تملك السواحل لأنه مرفأ عام ويحق للجميع، فلا يحق لأي جهة اصدار الصكوك فيها وهذا يدخل في نظام المرافئ العامة وهي للناس وليس لأي شخص"، مشددا على ضرورة أن يتم التدخل من قبل الجهات المعنية لمنع دفن اجزاء من البحر أو تملك تلك الاراضي التي تمثل جزء من السواحل، أما من يتعذر بالتوسع العمراني فهناك توسع أفقي وهناك رأسي ولا يجب أن يؤثر التوسع الافقي على متنزهات الوطن.

قانون يمنع

وأشار د. جمال العليان أستاذ الفلسفة في التصميم المعماري والمحافظة على المعمار في جامعة الملك سعود إلى أن في جميع دول أوربا هناك قانون يمنع البناء بالقرب من الشواطئ، مستدلاً بقانون غالسو بايطاليا منذ منتصف القرن الماضي، الذي يمنع البناء في مسافة أقل من 100 متر من خط الساحل البحري أو من حدود النهر، وهو أن هناك سببان لذلك الأول احترام الطبيعة وقوانين اتزانها لأن عدم احترامها يعني كوارث بيئية وطبيعية، مما يؤدي إلى زيادة اثر الفيضانات التدميري على الاماكن المطمورة، والسبب الثاني تماشيا مع مواثيق اليونسكو العالمية في الحفاظ على جمال الشواطئ الطبيعية.

© صحيفة الرياض 2017