27 03 2017

محاكم دولة الإمارات بشكل عام، فضلاً عن كافة المحاكم الوطنية، تختص بالنظر في أي دعاوى ترى أن أحد الأحكام يخالف السياسة العامة، وقد تستلزم مثل هذه الادعاءات إعادة النظر في الأسس الموضوعية للحكم

رأس الخيمة، الإمارات العربية المتحدة،

يحق لأي من أطراف التحكيم في دولة الإمارات رفع دعوى لإبطال حكم التحكيم إذا كان غير مرضي بالنسبة لهم، ولهذا الحق استثناء واحد، وهو أن يكون الأساس الذي يستند عليه الطرف الساعي للبطلان مقتصراً على عدد من الأسس الإجرائية الضيقة (انظر المادة 216 من قانون الإجراءات المدنية الاتحادي).

وقد يحدث هذا، على سبيل المثال، عندما تفصل المحكمة في مسائل لا يشملها اتفاق التحكيم، أو عندما لا يتم إخطار أحد الأطراف بالإجراءات؛ وهنا لا يمكن للطرف صاحب دعوى البطلان القول بأن المحكمة جانبها الصواب في قرارها، أو أنها أساءت فهم القانون.

ويتمثل هذا الاستثناء في السياسة العامة؛ فإذا تم الادعاء بأن هناك حكم يخل بقواعد السياسة العامة، وجب على المحكمة النظر في الجوانب الموضوعية للحكم، ومدى مطابقته للقانون. ويعتبر التطابق مع السياسة العامة أحد أهم الشروط والمتطلبات الأساسية في جميع الإجراءات والأحكام القانونية، سواء القضائية أو التحكيمية.

غير أنه ليس هناك تعريف قاطع لمفهوم السياسة العامة في القانون الإماراتي، لكنها تتعلق بشكل أساسي بتلك القواعد والمعايير الضرورية للغاية، والتي يؤدي عدم الامتثال لها لإلحاق الضرر بالصالح العام أو سيادة الدولة؛ لذا فإن أي عقد أو قرار تحكيم يخالف السياسة العامة يطرح جانباً ويكون باطلاً.

وقد أخذت محكمة تمييز دبي مؤخراً في الاعتبار مدى مطابقة الحكم أو مخالفته للسياسة العامة، وحدث ذلك  في الاستئناف المدني للنقض رقم 275 لسنة 2014. حيث خلصت المحكمة إلى أن بعض القضايا المتعلقة بملكية الممتلكات العقارية في دولة الإمارات تعتبر قضايا ذات أهمية عامة، وبالتالي يجب الفصل فيها أمام المحاكم المحلية، بدلاً من الفصل فيها من خلال محكمين، أو إخضاعها لاتفاق تسوية خاصة؛ لذلك تدخلت المحكمة لإعادة النظر في موضوع الدعوى وأسباب صدور قرار التحكيم، لكنها وجدت في نهاية المطاف أن الحكم لم يخل بالسياسة العامة، وتم الاعتراف به وإنفاذه.

ملخص القضية

في عام 2007، دخل المدعي (ليس من مواطني دول مجلس التعاون الخليجي) في اتفاق حول حصة بيع وشراء مع المدعى عليه (مواطن من المملكة العربية السعودية)، وبموجب هذا الاتفاق باع المدعي إلى المدعى عليه 25% من أسهمه في شركة عقارية؛ مما أدى بعد ذلك إلى امتلاك المدعى عليه لنسبة 75% من أسهم الشركة، وامتلاك المدعي للنسبة المتبقية وهي 25%. ونشأ خلاف بين الطرفين حول تنفيذ الالتزامات بموجب اتفاق حصة البيع والشراء.

ووفقاً لأحكام تسوية منازعات اتفاق حصة البيع والشراء، قام المدعي برفع دعوى أمام مركز دبي للتحكيم الدولي، لتسوية النزاع، وإبطال الاتفاق. لكن هيئة التحكيم قضت بصحة اتفاق حصة البيع والشراء وأمرت المدعي بدفع تعويض إلى المدعى عليه.

المحكمة الابتدائية ومحكمة الاستئناف

قام المدعي برفع دعوى أمام محكمة دبي الابتدائية لإبطال الحكم. فقضت المحكمة الابتدائية بأن الحكم الصادر يستند إلى إجراءات تحكيم سليمة ويعتبر صحيحا.

ثم أقام المدعي دعوى استئناف على الحكم، لكن محكمة الاستئناف في دبي أيدت الحكم الصادر عن المحكمة الابتدائية.

محكمة التمييز

بعد ذلك تقدم المدعي بطعن على الحكم أمام محكمة التمييز، استند فيه على أساس أن هيئة التحكيم تجاوزت سلطتها من خلال البت في مسائل تتعلق بالسياسة العامة، واستدل على ذلك بالآتي:

·         أن ملكية الأسهم في الشركة مخالفة للقانون الاتحادي للإمارات بشأن الشركات التجارية، والذي يوجب على الشركة التي تنشأ في دولة الإمارات أن يكون واحداً أو أكثر من الشركاء فيها من مواطني الدولة، على ألا تقل حصتهم في رأس مال الشركة عن نسبة 51%.

·         تضمن اتفاق حصة البيع والشراء نقل قطع أراضي وعقارات إلى ملكية الشركة، وهذه الأراضي والعقارات تقع في مناطق من دبي لا تعتبر ضمن مناطق التملك الحر، وهي من المناطق التي تم قصر الملكية فيها على مواطني دولة الإمارات ودول مجلس التعاون الخليجي (بموجب المادة 4 من القانون رقم (7) لسنة 2006 بشأن تسجيل الممتلكات العقارية)، والشركة ليست مملوكة بالكامل لمواطن من دولة الإمارات أو من دول مجلس التعاون الخليجي.

·         تم بيع الأراضي والعقارات دون تسجيلها في السجل العقاري، وهو ما يعني أن عقود البيع باطلة، وبالتالي يكون اتفاق حصة البيع والشراء باطلاً أيضاً.

رفضت محكمة التمييز الطعن وأيدت الحكم. وأوضحت المحكمة في حيثيات الحكم أن الاتفاقية الاقتصادية الموحدة بين دول مجلس التعاون الخليجي (التي صادقت عليها دولة الإمارات بموجب المرسوم رقم 55 لعام 2002) منحت جميع المواطنين الطبيعيين والاعتباريين لدول مجلس التعاون الخليجي نفس معاملة مواطني دولة الإمارات، بما في ذلك جميع الأنشطة الاقتصادية، وخاصة المشاركة في جميع المجالات الاقتصادية والاستثمارية وأنشطة الخدمات، وملكية الأسهم وتأسيس الشركات.

وينص القانون رقم 7 لسنة 2006 بشأن التسجيل العقاري في دبي على أن الحق في تملك عقارات في إمارة دبي يقتصر على مواطني دولة الإمارات، ومواطني دول مجلس التعاون الخليجي، والشركات المسجلة بشكل قانوني في دولة الإمارات. ووجدت المحكمة أن الشركة تم تأسيسها بشكل قانوني في دولة الإمارات، وأن أحد مساهميها مواطن في دول مجلس التعاون الخليجي، ويمتلك الحد الأدنى من رأس المال وهو نسبة الـ 51?. ولم يكن هناك ما يقيده من تملك عقارات في دبي، أو التجارة أو شراء الأسهم وتأسيس الشركات.

وفيما يتعلق بالإخفاق في تسجيل الممتلكات، قالت المحكمة إن المدعي بدأ بمطالبة هيئة التحكيم بالتعويض عن الأضرار المزعومة، وفقدان الربح أو الفرص؛ ولم يدعِ أي من الطرفين في ذلك الوقت بأن الاتفاقات باطلة لعدم التسجيل في السجل العقاري المؤقت. وعليه، فإن هيئة التحكيم قامت فقط بمراجعة وتحديد القضايا المعروضة عليها، ولم تنظر في قضايا صحة الاتفاقات أو تغريب الممتلكات؛ وخلصت فقط إلى النتائج الواقعية التي تبين أن 51% من أسهم الشركة كانت مملوكة لمواطن من دول مجلس التعاون الخليجي، وأن ذلك لا يتعارض مع قانون الشركات.

ومن ثم فقد خلصت محكمة التمييز إلى أن الحكم لم يخالف السياسة العامة، ووجدت أن حجة المدعي في هذا الشأن لا أساس لها، وتم رفضها.

ويعتبر هذا الحكم بمثابة تأكيد على أن محاكم دولة الإمارات بشكل عام، فضلاً عن كافة المحاكم الوطنية، تختص بالنظر في أي دعاوى ترى أن أحد الأحكام يخالف السياسة العامة، وقد تستلزم مثل هذه الادعاءات إعادة النظر في الأسس الموضوعية للحكم، والتي لا تقوم بها المحكمة في العادة؛ ولكن هذا لا يعني ما يخشاه البعض أحياناً من أن المحكمة ستُسيء استخدام هذه السلطة لإيجاد سبل لإبطال هذا الحكم. وكما يتضح في هذه الحالة، فقد نظرت المحكمة في الادعاءات، ورفضتها، وأيدت الحكم.

 بقلم عمار هيكل وعدنان العرقسوسي- / a.haykal@tamimi.com  a.alerqsousi@tamimi.com 

© Al Tamimi & Company 2017