01 02 2017

شهد العراق تغييرًا كبيرًا في صناعة الإعلام والاتصالات على مدار العقدين الماضيين؛ فخدمات مثل الإنترنت وشبكات تغطية الهاتف المحمول والقنوات التليفزيونية الفضائية لم تكن متاحة قبل عام 2003، ولكنها الآن أصبحت شائعة الانتشار اليوم. ومع ذلك، يخلق وصول الجمهور العريض إلى المعلومات في ظل وجود قيود محدودة واستمرار الصراع مع المذاهب المتطرفة مزيجًا صعبًا بالنسبة للمشرعين والمنظمين الذين يتعين عليهم تحقيق التوازن بين المصالح المتعددة، والتي أحيانًا ما تبدو وكأنها يتعذر التوفيق بينها. تهدف هذه المقالة إلى تقديم تقرير دقيق عن الوضع الراهن والأسباب الكامنة وراء الاتجاهات الحالية في التنظيم الحكومي. سأبدأ بلمحة عامة عن القانون، ومن ثم الانتقال إلى التحديات الخاصة التي يواجهها المشرعين العراقيين وكيفية استجابتهم.

الإطار القانوني لوسائل الإعلام في العراق

تكفل المادة (38) من الدستور العراقي الحالي "حرية التعبير" وحرية الصحافة". غير أنه حسب الضرورة في اللغة الدستورية، فإن النظام العام والمبادئ الأخلاقية يحدان من هذه الحماية. أحدث الدستور الحالي تحولاً ملحوظًا في السياسة المتبعة بالنسبة للعراق، وتغيرًا حقيقيًا نتج عنه تواجد العديد من الناشرين والمذيعين العاملين في العراق اليوم. وبالرغم من ذلك، فنحن بحاجة لتغطية الأجزاء المتناثرة من التشريعات العراقية لإعطاء صورة دقيقة للوائح وسائل الإعلام. كما أن القيود المفروضة على حرية التعبير موجودة في كل من قوانين الإرث والتدابير الجديدة التي أدخلت بعد عام 2003. على سبيل المثال، يحتوي قانون العقوبات العراقي (القانون رقم 111 لسنة 1969) على عدد من العقوبات، والتي، رغم أنها يُحتمل أن تجد دعمًا شعبيًا في العراق، يمكن أن يساء استخدامها لتقييد حرية التعبير بشكل غير قانوني. هذا وسوف أتناول هنا مجموعتين من العقوبات: تهمة التشهير والحفاظ على النظام العام.

العقوبات الجنائية بشأن تهمة التشهير

إهانة المجتمع العربي، والشعب العراقي (بما في ذلك أي فئة من السكان)، والَعَلم الوطني أو أي شعار للدولة (المادة 202)؛

الإهانة العلنية لأي مؤسسة أو مسؤول حكومي (المادة 226)؛

الإهانة العلنية لدولة أجنبية أو عَلَمها أو شعارها الوطني، أو أي منظمة دولية لها مكتب في العراق (المادة 227)؛

إهانة موظف عام أو هيئة حكومية في أثناء العمل (المادة 229)؛

  • مهاجمة العقيدة الخاصة بأقلية دينية، أو إهانة رمز أو شخص يمثل موضع تقديس أو عبادة، أو توقير (المواد 372 (1) و(5)؛

    التشهير بشخص آخر، وإذا تم نشر التشهير في وسائل الإعلام، فإن هذا يعتبر جريمة خطيرة (المادة 433)؛

    التشهير بشخص آخر، بما في ذلك توجيه الإساءة التي يمكن أن تمس شرفهم أو وضعهم الاجتماعي، أو تسيء لهم. كما أن نشر مثل هذه الإساءات في وسائل الإعلام يُعد بمثابة جريمة خطيرة (المادة 434)؛

    إهانة شخص في لقاء شخصي أو في محادثة هاتفية، أو في خطاب خاص (المادة 435).

    عقوبات جنائية للحفاظ على النظام العام

    الترويج للأفكار الصهيونية أو الماسونية، والذي قد يشمل الانضمام إلى المؤسسات ذات الصلة، أو عن طريق الترويج لهذه الأيديولوجيات بطريقة أدبية أو بأي طريقة أخرى (المادة 201)؛

    المجاهرة أو الغناء على نحو يُحرَّض على المعارضة والانشقاق (المادة 214)؛

    حيازة المواد (بهدف النشر، أو التجارة، أو التوزيع) التي تعكر صفو الأمن العام أو تُلطخ سمعة البلاد (المادة 215).

    يمكن أن تسبب العقوبات المدرجة أعلاه مشاكل في حرية التعبير لأنها تحتوي على لغة واسعة بشكل كبير بالنسبة للقانون الجنائي؛ وذلك نظرًا لأن القانون الجنائي يحمل في طياته العقوبات التي تجعل منه أداة قوية للغاية، وبالتالي، فإنه غير ملائم لتحقيق بعض أهداف السياسة العامة المشروعة، مثل حماية السمعة أو الحفاظ على النظام العام. كما يمكن استخدامها في تهديد أو تخويف الأصوات المعارضة. ولحسن الحظ، أن المحاكم العراقية ليست متحمسة بشكل كبير لتطبيق العقوبات الجنائية؛ وكذلك تبين القراءة في أحكام القضاء أن العلاج المدني هو الأكثر انتشارًا. في عام 2011، أصدر البرلمان العراقي القانون رقم 61 لحماية حقوق الصحفيين؛ وينص القانون على بعض الفوائد ولكنه لم يتناول العقوبات الجنائية التي تمس حرية التعبير. في عام 2014، أصدر رئيس الوزراء الجديد آنذاك، حيدر العبادي، أمرًا بسحب جميع قضايا الحكومة المعلقة المرفوعة ضد الصحفيين ووسائل الإعلام الأخرى. ومع ذلك، رفعت الجهات الحكومية عددًا من القضايا الجديدة في عام 2015؛ ولا يزال قانون العقوبات، في الوقت الراهن، قابع في الكتب بدرجات متنوعة من التطبيق.

    تنظيم وسائل الإعلام من قبل هيئة الاتصالات والإعلام

    تتمثل الجهة المسؤولة عن تنظيم وسائل الإعلام في العراق في هيئة الاتصالات والإعلام، وهي كِيان حكومي مستقل أنشئ من قبل سلطة الائتلاف المؤقتة بموجب الأمر رقم (65). تكون هيئة الاتصالات والإعلام مسؤولة عن منح التراخيص لمذيعي وسائل الإعلام، مثل التلفزيون والإذاعة، فضلًا عن غيرها من مزودي خدمات الاتصالات، مثل شركات الهاتف الخلوي ومزودي خدمات الإنترنت. أصدرت هيئة الاتصالات والإعلام قانونًا جديدًا للممارسة المهنية في عام 2014، يتكون القانون المطبق لقواعد السلوك المهني من 22 صفحة ويشمل المجالات التالية، بالنسب التالية:

    التحريض على العنف أو الكراهية (4 صفحات)؛

    الأخلاق والسياسة العامة (2 صفحة)؛

  • المواد المزيفة (2 صفحة)؛

    الدقة والنزاهة والشفافية في نقل المعلومات (4 صفحات)؛

    الخصوصية (2 صفحة)؛

    البرامج الدينية (1صفحة)؛

    التشهير (0.5 صفحة)؛ و

    الإعلانات التِجارية (0.5 صفحة).

    النشاط المتزايد لهيئة الاتصالات والإعلام بسبب مخاوف بشأن الأمن القومي والسلم الأهلي

    على الرغم من أن هيئة الاتصالات والإعلام مستقلة هيكليًا، إلا أنها تتأثر بسياسة الحكومة بشكل أوسع؛ وقد دفعت الأجواء الحالية في العراق هيئة الاتصالات والإعلام إلى تصعيد لائحتها التنظيمية لوسائل البث كاستجابةٍ للوضع الأمني المتدهور. تعتمد المنظمات الإرهابية اعتمادًا شديدًا على التغطية الإعلامية لنشر أيديولوجياته؛ وهذا من شأنه أن يخلق توترًا شديدًا بين المخاوف الأمنية وبين حماية حرية التعبير. فعلي سبيل المثال، استخدمت هيئة الاتصالات والإعلام مدونة قواعد السلوك المهني لإلغاء تراخيص البث لقنوات تلفزيونية معروفة تبث برامجها في العراق في عام 2014، وقبل استيلاء تنظيم داعش على الموصل للتغطية الصحفية الناقدة للاضطرابات التي سبقت انهيار قوات الأمن. ويتوقع أن يستمر موقف هيئة الاتصالات والإعلام الحالي حتى ترتضي إنه تم التوصل لاستقرار كافٍ على الأقل، بعد التعرض للتمرد من أجل المطالبة بتخفيف لائحتها التنظيمية.



  • © Al Tamimi & Company 2017