28 02 2017

يستهدف برنامج "حساب المواطن" شريحة المواطنين الذين تقل دخولهم عن 5,375 دولار شهرياً؛ وشهد البرنامج تسجيل أكثر من 1.4 مليون مواطن خلال أول يومين من تدشينه. دشّنت السعودية مؤخراً برنامج "حساب المواطن" بهدف تخفيف الأعباء على الأسر ذات الدخل المنخفض والمتوسط، ولمساعدة مواطنيها على تحمل إجراءات التقشف والإصلاح الاقتصادي التي بدأت في تطبيقها، وذلك في محاولةٍ منها لاحتواء أي حالة من الاستياء العام قد تحدث بسبب هذه الإجراءات، ولتحقيق توزيع أكثر عدالة للثروات في المملكة.

وكانت المملكة، المُصدِّر الأكبر للنفط عالميًا، قد شهدت مجموعة من الضغوط الاقتصادية في أعقابِ الانخفاضِ الحاد الذي سجّلته أسعار النفط، والذي تعودُ بداياته لمنتصف عام 2014. ولمواجهة تلك الظروف العصيبة، شرعتْ المملكة في تطبيقِ عملية إصلاح اقتصادي طالت نظام الدعم الحكومي السخي، وتضمنت أيضاً الاستعداد لفرض ضرائب جديدة بهدف تنويع مصادر إيراداتها.

هذه الإجراءات، التي تشمل رفع الدعم عن الوقودِ المحلي وأسعار الخدمات العامة، وخفض المكافآت والحوافز الممنوحة لموظفيّ القطاع العام، قد لا تحظى بالقبول والترحيب من جانب المواطن السعودي، الذي اعتاد الحصول على رواتب أكبر، والاستفادة من نظام أكثر سخاءً للدعم.

لذا تعهدتْ الحكومة بتقديم حزمة مساعدات مالية، للتخفيف من وطأة الآثار الاقتصادية الناتجة عن الإصلاحات المختلفة على ذوي الدخل المنخفض، وذلك من خلال تخصيص  25مليار ريال سعودي (6.66 مليار دولار) من موازنة  2017 لمبادرة "حساب المواطن"، وفقًا لما ورد في جريدة «عكاظ» اليومية. وذكرت الجريدة أنه من المقرر زيادة المبلغ المُخصص لهذه المبادرة سنويًا، ليصل إلى 60 مليار ريال بحلول عام 2020.

ومن المُقرر أن تساهم هذه المُخصصات في تخفيف حدة الضغوط الناجمة عن ارتفاع أسعار المحروقات والمياه على الأسر السعودية ذات الدخل المنخفض والمتوسط، فضلاً عن تشجيع ترشيد استهلاك المرافق الخدمية، وتوفير  38مليار دولار في موازنة المملكة للعام الجاري، وذلك وفقًا لتصريحات سالم بن فهد الزمام، مؤسِّس «سعودي سكوب» المُتخصِّصة في الدراسات والاستشارات الاقتصادية.

ويتوقع"الزمام" أن تصل قيمة المدخرات في الموازنة السعودية إلى 56 مليار دولار بحلول عام 2020، ومن المتوقع أن يُكلِّف الدعم الحكومي لأسعار المحروقات حكومة المملكة 80 مليار دولار سنويًا، وفقًا لأسعار النفط التي تم تسجيلها في عام 2015.

وطبقاً لسياسة الحكومة المتمثلة في توجيه المساعدات المالية إلى مستحقيها، بدلاً من تقديم دعم غير ضروري للطاقة التي يستخدمها مواطنون أكثر ثراءً، فإنه يُمكن إعادة تخصيص الأموال المُدخرة في تطوير القطاعات الاقتصادية الأخرى غير النفطية بالمملكة، وذلك وفقًا لبرنامج التحول الوطني، الذي يهدف إلى خفض الاعتماد على إيرادات المملكة من القطاع الهيدروكربوني، وتوسيع مشاركة القطاع الخاص في الأنشطة الاقتصادية.

من هم مُستحقو الدعم؟

تعتزمُ السلطات السعودية زيادة أسعار المحروقات مرة أخرى في يوليو 2017 تماشيًا مع أسعار السوق، فيما سيبدأ صرف أول دفعة نقدية لمستحقي الدعم في إطار برنامج "حساب المواطن" في يونيو المقبل؛ أي قبل الزيادة المُخططة لأسعار المحروقات.

وبدأ تسجيل المواطنين في هذا البرنامج الجديد مطلع فبراير، من خلال بوابة إلكترونية استقبلت أكثر من1.4  مليون طلب في أول يومين من فتح باب التسجيل. يُضاف إلى ذلك المُستفيدون من الضمان الاجتماعي الذين سجّلوا تلقائيًا من خلال الموقع الإلكتروني، وذلك بحسب وسائل الإعلام السعودية.

ومن المقرر أن يتم تقييم الطلبات وفقًا لخمس شرائح تم تقسيمها وفقًا لدخل الأسرة السعودية؛ حيث تتضمن الشريحة الأولى الأسر التي لا يزيد دخلها الشهري عن 8,699 ريال (2,320 دولار)، فيما تضم الشريحة الثانية الأسر التي يتراوح دخلها من  8,700 إلى 11,999 ريال، أما الشريحة الثالثة فتضم أصحاب الدخول من 12,000 إلى 15,299 ريال، بينما تغطي الشريحة الرابعة الأسر التي يتراوح دخلها من 15,300 إلى 20,159 ريال. أما الأسر التي يزيد دخلها عن 20160 ريال شهريًا، وهم الشريحة الخامسة، فلن يكونوا ضمن المستفيدين من مزايا برنامج "حساب المواطن"، وذلك بحسب ما ذكرته جريدة «سعودي جازيت».

جدير بالذكر أنه من بين المستفيدين بمزايا البرنامج أبناء السعوديات المتزوجات من أجانب، وحاملو بطاقات التنقل أو (البدون) كما يطلق عليهم.

ويرى باسم حشاد، مُحلل اقتصادي واستشاري لدى مركز التجارة الدولية، أن  "برنامج "حساب المواطن" سيساهم في تحقيق مكاسب إيجابية على الصعيد الاجتماعي والاقتصادي والسياسي، وهو الأمر الذي يتماشى مع الأهداف الإستراتيجية التي تم إعلانها في "رؤية السعودية 2030".

ويضيف: "يشمل ذلك استهداف نظام الرعاية الاجتماعية للأسر الأكثر احتياجاً ودعمهم على نحو فعال، وإدارة الأموال الحكومية بكفاءة أكثر، وإتاحة المجال للاستثمار فـي برامج طويلة المدى من شأنها تمكين التنفيذ الناجح للرؤية".

ردود أفعال الشارع

من ناحية أخرى تباينت ردود أفعال الشارع السعودي نحو البرنامج على وسائل التواصل الاجتماعي. ففي إحدى صور الكاريكاتير المتداولة على موقع «تويتر» يظهر أشخاص سعوديون يحصلون على "مصاصة للأطفال الرضع" من سلة يحملها شخص مكتوب على ذراعه "حساب المواطن". وفي مشهد آخر يوضح الاختلاف بين العدالة والمساواة، تظهر لوحة لثلاثة أشخاص بأطوال متباينة يقف كل منهم على منصة خشبية خلف حاجز لمشاهدة مباراة رياضية؛ فيما تُصوِّر لوحة أخرى نفس المشهد، ولكن في هذه المرة يُمنح الشخص الأقصر صندوقين آخرين للوقوف عليهما خلف الحاجز، حتى يتمكن من رؤية المباراة.

من جانبها أهابت حكومة المملكة بمواطنيها تحمل أعباء الإصلاح الاقتصادي الذي تنتهجه ومساندتها في ذلك.

وخفَّض القطاع الحكومي، الذي يعمل به ثُلثا المواطنين السعوديين، الحوافز والمكافآت الممنوحة للموظفين منذ أكتوبر الماضي، فيما خفَّضت الحكومة هي الأخرى رواتب الوزراء بنسبة 20 بالمائة، وخفضت كذلك رواتب أعضاء مجلس الشورى بنسبة 15 بالمائة.

وفي كلمته أمام مجلس الشورى العام الماضي، أعلن خادم الحرمين الشريفين أنه يدرك تداعيات الإصلاحات الاقتصادية التي تنتهجها المملكة.

وأضاف الملك سلمان أن "السعودية تسعى للتعامل مع مثل هذه المتغيرات...  من خلال تطبيق حزمة من الإجراءات لإعادة هيكلة الاقتصاد السعودي، بعضها قد يكون مؤلمًا على المدى القصير، غير أنه سيساهم بنهاية المطاف في حماية اقتصاد بلادكم من مشكلات أكثر سوءًا".

مخاوف التضخم

 

تهدف حكومة المملكة إلى تحقيق التوازن في موازنتها على مدى السنوات الخمس المقبلة، ونجحتْ بالفعل في تخفيض العجز في موازنتها لـ 79 مليار دولار في عام  2016، بعد أن كان عجز الموازنة قد سجل 98 مليار دولار في العام السابق. وفي تعقيبه على سلسلة الإصلاحات الاقتصادية التي تُطبقها المملكة، ذكر صندوق النقد الدولي أن هذه الإصلاحات "خطوة على الطريق الصحيح لكي تحقق المملكة أهدافها".

وسجَّلت معدلات التضخم في المملكة ارتفاعًا بنسبة 4.3 بالمائة في يناير 2016 عقب الجولة الأولى من خفض الدعم، في حين كانت معدلات التضخم أكثر استقرارًا وتدور حول نسبة 2 بالمائة فقط في الأعوام السابقة، غير أن موجة الركود الاقتصادي ساهمتْ في عودة مستويات التضخم إلى مُعدلاتها السابقة تقريبًا.

وللمرة الأولى منذ عقد كامل، شهدت السعودية، في يناير الماضي، انخفاضًا في أسعار السلع الاستهلاكية، وذلك وفقًا لتقرير صادر عن «رويترز» عرضت فيه البيانات الواردة من الإدارة العامة للإحصاء؛ وتوضحُ هذه البيانات انخفاضًا في الأسعار بنسبة 0.4 بالمائة خلال يناير الماضي مقارنة بمستواها العام الماضي، وانخفاضًا بنسبة 0.2 بالمائة مقارنةً بشهر ديسمبر الماضي.

وأرجع التقرير هذه الموجة من الانخفاضات إلى عدة عوامل من بينها الانكماش الاقتصادي الذي حدث العام الماضي، والذي دفع بعض الشركات لتخفيض أسعار منتجاتها، إلى جانب انخفاض أسعار المأكولات والمشروبات جزئيًا بسبب استمرار قوة الريال السعودي أمام الدولار الأمريكي.

وتوقع التقرير أن تكون هناك زيادات في إيرادات الحكومة، وهو ما يعني أنه من غير المحتمل أن تواصل الأسعار مشوار انخفاضها لأكثر من أشهر قليلة.

وفي فبراير، فوَّض مجلس الوزراء السعودي وزير المالية لتحديد تاريخ لفرض ضريبة بنسبة 50 بالمائة على المشروبات الغازية، وضريبة بنسبة 100 بالمائة على التبغ ومشروبات الطاقة، على أن يتم ذلك خلال الربع الثاني من العام الجاري. وشهدَ شهر يناير الماضي اعتماد مجلس الوزراء السعودي اتفاقًا بين دول مجلس التعاون الخليجي، لبدء فرض ضريبة القيمة المُضافة بنسبة 5 بالمائة أوائل عام 2018.

وفي نفس السياق، من المتوقع أن تتجه السلطات السعودية لزيادة بعض الرسوم المفروضة نظير الحصول على الخدمات الحكومية.

ووفقاً لما يراه "الزمام"، مؤسِّس «سعودي سكوب»، فإن "التأثيرات السلبية المتوقعة تتمثل في حدوث قفزة كبيرة في معدلات التضخم، مما سيؤدي إلى ضعف معدلات الإنفاق، وبالتالي التأثير على معدلات الطلب الإجمالي، وضعف وتيرة النمو الاقتصادي، لاسيما في القطاع الخاص، وهو ما سيؤثر سلبًا على توفير فرص العمل والأجور ومتوسط دخل الفرد".

وعلى حد قول محمد العنقري، كاتب ومحلل اقتصادي سعودي، فإن برنامج "حساب المواطن" يشمل تعويض المواطن مستقبلاً بما يتناسب مع حجم ارتفاع التضخم والأسعار.

وفي تصريح لزاوية، يَذكر "العنقري" أن البرنامج سيوفر قاعدة بيانات ومعلومات عن المجتمع ووضعه الاقتصادي وحجم الثروات، مما سيساعد كثيراً في تحسين كفاءة الإنفاق على البرامج الاجتماعية عموماً، ويرفع من كفاءة وضع الخطط الاقتصادية والإستراتيجية لأي قطاع".

فيما يتوقع "الزمام" أن يتم زيادة الموازنة المُخصَّصة لبرنامج "حساب المواطن" مع جمع المزيد من البيانات من العديد من الجهات الحكومية والمصارف؛ حيث تقوم المصارف السعودية بإقراض مبالغ بحوالي 93 مليار دولار للسعوديين سنويًا.

(تقرير إضافي كتبته أماني شاهين في السعودية)

© Zawya 2017