10 10 2017

إن ارتكاب جرائم الاحتيال من جانب إدارة أي شركة أو أي من موظفيها يمكن أن يكون له تأثير كبير على عمليات تلك الشركة وتمويلها وقيمتها وسمعتها. ومع اهتمام حكومة دولة الإمارات العربية المتحدة بمواجهة جريمة الاحتيال وأخذها على محمل الجد، يجب على الشركات ضمان اتخاذ جميع الخطوات اللازمة، ليس فقط على المدى القصير من خلال التعامل مع وقائع الاحتيال بشكل أسرع وبفاعلية، ولكن أيضًا على المدى الطويل من خلال اتخاذ الخطوات اللازمة لإدارة المخاطر بشكل استباقي، ومنع وقوع جرائم الاحتيال في مكان العمل.

وتشمل جرائم الاحتيال انتهاكات الأفراد والشركات لأنظمة مكافحة غسيل الأموال وقوانين التجارة والعقوبات، وتمتد إلى جميع أنواع الجرائم المالية. وتشمل مظلة الاحتيال أساسًا أي شيء ينطوي على الاختلاس أو الفساد أو الكذب، أو ما يمكن أن ينتج عنه تقديم بلاغ عن حالة احتيال بالشركة أو يؤدي إلى الفصل السريع لموظف ما.

وتعتبر الخطوات الأولى التي تتخذها الشركة عند اكتشاف وقائع الاحتيال أمرًا بالغ الأهمية في تقليل الأضرار. وفي هذا الإطار فإن الإبلاغ عن وقائع الاحتيال داخليًا لمسئول الامتثال بالشركة والإدارة العليا يُعد أمرًا أساسيًا، وقد يكون من الضروري عندئذ الإبلاغ عنه خارجيًا، إما إلى جهة تنظيمية محلية أو أجنبية، أو إلى الشرطة أو المدعي العام. ويعتمد مدى الالتزام بالإبلاغ على العديد من العوامل، بما في ذلك المجال الذي تعمل فيه الشركة، وما إذا كانت تخضع للتنظيمات من عدمه، وما إذا كانت الشركة تعمل داخل دولة الإمارات العربية المتحدة أو في إحدى المناطق الحرة.

قد تكون الشركات قادرة على إجراء تحقيقات داخلية خاصة بها، وحل المشكلة بشكل خاص، وبالتالي الحد من الأضرار، وفي هذا الإطار، فإن الخطوة الرئيسية التالية في التحقيق الداخلي في الاحتيال هي بذل جهود كافية لفهم الوقائع بشكل كامل، وضمان إعداد الإدارة بشكل صحيح، وذلك قبل التحدث إلى الموظفين المعنيين. ويجب على الشركة التحقق من عملياتها وإجراءاتها الداخلية (كتيبات الموظفين أو الشركة، سياسات الموارد البشرية، عقود العمل، وما إلى ذلك)، مع مراعاة اعتبارات خصوصية البيانات. وإذا كانت الشركات تمتلك بنية تحتية قوية للحوكمة يتم تنفيذها بالفعل، فإنها ستجد هذه العملية أقل صعوبة، لأنها ستكون على علم بالتدابير التي يمكن اتخاذها منذ البداية.

غير أن حصر التحقيق في الإجراءات الداخلية الخاصة بالشركة وتجنب الإفصاح عنها بشكل أوسع قد لا يكون خيارًا متاحًا، لأن الشركات قد تجد نفسها مُلزمة بإخطار الشرطة و/أو الهيئات الرقابية، إذا كانت الجريمة تتعلق بالإضرار بالمصلحة العامة (مثل مخالفة لوائح مكافحة غسيل الأموال)، أو أنها تُسبب مشاكل تتعلق بالصحة والسلامة أو الأمن، أو تُعرض أصول العميل أو أي طرف ثالث للخطر، أو أن تكون هناك مخاطرة تتمثل في هروب الموظف تجنباً للعقاب.

على سبيل المثال، يحدد قانون الإجراءات الجنائية في دولة الإمارات العربية المتحدة الجرائم التي يمكن تسويتها وديًا من جانب أطرافها، وبالمثل، فإن هيئة الأوراق المالية والسلع في الإمارات لديها قائمة محددة بالجرائم التي يمكن تسويتها بشكل منفرد، والجرائم الأخرى التي يجب الإبلاغ عنها إذا كان ذلك يخدم المصلحة العامة، مثل الجرائم الالكترونية، التي ستتولى التعامل معها وحدة الجرائم الإلكترونية الجديدة التابعة للنيابة العامة. وفي حالة الإبلاغ عن المخالفات، أو التحقيق فيها من قبل أي جهة تنظيمية، لن يكون لدى الشركة أي خيار، وبمجرد الإبلاغ عن تلك المخالفات، سوف تفقد الشركة السيطرة على هذه العملية إلى حد كبير.

ورغم أن سمعة الشركة ستتأثر سلبيًا إذا أبلغت عن وقائع احتيال داخلها، أو أنها كانت متورطة في فضيحة ما، فإن الشركة ينبغي عليها النظر إلى النتائج التي يمكن أن تترتب على عدم إبلاغها عن هذا الاحتيال – حيث سيُنظر إليها على أنها شركة تتسامح مع هذا السلوك الإجرامي. بالإضافة لذلك، فإن الشركة إذا لم تقم بإبلاغ السلطات المختصة في الوقت المناسب فإنها تخاطر بالالتزامات الجنائية الخاصة بالمديرين وبالشركة. ويكتسب هذا الأمر أهمية خاصة في المناطق المالية الحرة في دولة الإمارات العربية المتحدة، ومركز دبي المالي العالمي، وهيئة دبي للخدمات المالية، حيث تفرض الجهات التنظيمية قيودًا صارمة بشأن المدد الزمنية المحددة للإبلاغ، والمتعلقة بإفصاح الشركات الخاضعة للوائح عن الأحداث الجوهرية التي تحدث فيها.

وإذا كانت الشركة متعددة الجنسيات ولديها استثمارات دولية سيكون للإبلاغ عن الاحتيال نطاق أوسع ونتائج أكبر، كأن تكون على سبيل المثال شركة أجنبية ولديها فرع في دولة الإمارات العربية المتحدة، وتمارس أنشطة تخضع للوائح الجهات التنظيمية. وبغض النظر عما إذا كان التعامل يتم مع سلطات محلية أو أجنبية و/أو هيئات رقابية، فمن الضروري أن يقوم ذلك التعامل على أساس التعاون والانفتاح والشفافية بقدر الإمكان، ويمكن أن تكون هناك عواقب وخيمة للغاية إذا لم تلتزم الشركة بذلك.

يمكن للشرطة أن تقرر تجريم الشركة المُبلّغة عن واقعة الاحتيال، بالإضافة إلى الفرد المحتال، حيث يمكن اعتبار ما قام به الشخص المحتال دليل على سلوك الشركة ذاتها على نطاق أوسع، مما يؤدي إلى تحميل مسئولي الشركة المسؤولية أيضًا.

ويعتبر إثبات وجود نية إجرامية لدى شركة ما أمرًا صعبًا، لكن يمكن في كثير من الأحيان أن يأخذ "علم الإدارة العليا" الاحتيال كدليل أو قبول لهذه النية الإجرامية، وقد شهدت السنوات الأخيرة عدة قضايا محلية ودولية بارزة، تم فيها تجريم المؤسسات المخالفة، وفرضت الحكومات غرامات ضخمة عليها نتيجة لذلك.

ويمكن القول إن أفضل حماية للشركة من الاحتيال هي ضمان أن يكون لديها بنية تحتية قوية للحوكمة تقوم بتطبيقها، وذلك لتوفير رؤية واضحة بشكل أفضل، وحدوث استجابة أسرع لمواجهة وقائع الاحتيال. ومن الأمور بالغة الأهمية لإدارة المخاطر بشكل فعال، أن تكون هناك سياسات وإجراءات واضحة، وأن يتم تدريب الموظفين بشكل منتظم على التعامل مع حالات الاحتيال التي يرتكبها طرف ثالث من الغير (سواء كان ذلك الطرف جهات خاصة أو حكومية)، والأهم من ذلك، أن تتم المحافظة على القيم الأخلاقية بدلاً من إجراء ممارسات روتينية.

© Opinion 2017