11 07 2017

عشية يوم من أيام شهر يونيو، ومع رفع آذان المغرب وقت الإفطار، احتشدتْ مجموعة من الضباط المصريين أمام نقطة شرطة في أحد شوارع القاهرة الرئيسية. وبعد مُضي لحظات، وصلَ الرئيس المصري عبد الفتاح السيسي وتمّ تقديم طعام الإفطار على الجزء الأمامي من شاحنة للشرطة ليتناول رئيس الدولة طعامه برفقة مجموعة من الضباط، فيما توقفتْ مجموعة من المارة لتحية الرئيس والتقاط بعض الصور.

وكان هذا الحدث، الذي احتل عناوين الصفحات الأولى لمعظم الصحف المصرية وأصبح مادة ثرية للعديد من اللقاءات التلفزيونية والمواقع الإخبارية، واحدًا من عدة اجتماعات عامة  قام بها السيسي مؤخرًا. ويرى محللون أن القائد العام السابق للقوات المُسلحة، الذي يتبقى عامًا واحدًا من مدة ولايته الأولى لرئاسة البلاد البالغة أربع سنوات،  أن مثل هذه الأحداث تعتبر بداية مبكرة لحملة إعادة انتخابه لمرة ثانية وأخيرة.

"من الواضح أنّ الانتخابات الرئاسية قد بدأت بالفعل في الشارع المصري، وخصوصًا مع بدء فتح التسجيل للمرشحين قريبًا في فبراير 2018، ومع انتشار حديث حول نية عدد من رموز المعارضة المشاركة في الانتخابات،" وفقًا لما قاله زياد عقل، محللّ مصري لدى مركز الأهرام للدراسات الاستراتيجية والسياسية، لموقع زاوية في يونيو.

 ومن المتوقع أن تبدأ حملة الانتخابات الرئاسية في شهر مايو العام القادم. ويرى محللون أنه رغم تضاؤل شعبية السيسي إلا أنه لا يزال يتمتع بموقف قوي بما يضمن له انتصارًا يسيرًا في سباق الترشح للرئاسة، وتحديدًا في غياب رموز مؤثرة أو قوية للمعارضة. وتعد الانتخابات القادمة الأخيرة التي يحق فيها لوزير الدفاع السابق الترشح للانتخابات الرئاسية، وفقًا للدستور الذي يسمح للرئيس بتولّي فترتين رئاسيتين فقط. هذا وتتزامن فترة الانتخابات في الوقت الذي تواجه فيه  مصر واحدة من أسوأ أزماتها الاقتصادية في العصر الحديث وموجة من هجمات ميليشيات إسلامية. وتابع عقل: "أرى أنّ التحدي الأساسي الذي يواجه السيسي هو الوضع الاقتصادي والارتفاع الجنوني للأسعار والذي أضرّ بشعبيّته". هذا وقد سجَّل معدل التضخم ارتفاعًا غير مسبوق لم تشهده مصر منذ ثلاثين عامًا خلال شهر أبريل بعد تعويم العملة المصرية في شهر نوفمبر الماضيحيث تدنّتْ قيمة الجنيه المصري إلى النصف مقابل الدولار. وفي شهر مايو، أعلنتْ الحكومة تخصيص مليار جنيه إضافي (55 مليون دولار) لدعم منتجات الغذاء في موسم ارتفاع الطلب خلال شهر رمضان، وفقًا لتقارير رويترز.

وأُضاف عقل، "لن يحول الوضع الاقتصادي دون ترشح السيسي في الانتخابات الرئاسية والفوز بها. ولا أظن أنّ شعبيته تراجعتْ بهذا القدر، ربما سجًّلت تدنيًا من نسبة 80 بالمئة إلى نسبة 72 بالمئة أو نحو ذلك، وحتى أن نسبة الثمانية بالمئة التي خسرها لن تذهب لأيٍ من خصومه".

المشهد السياسي المصري يعوزه حضور أي خصم حقيقي للسيسي؛ ويرى عدد من المصريين أنّ الحملة القمعية التي تعرض لها بعض

من قوى المعارضة، وتحديدًا جماعة الإخوان المسلمون، الجماعة الإسلامية الأقدم والأكثر تنظيمًا، ألحقت ضررًا بالغًا بالحياة السياسية في مصر وأبعدتْ العديد من الساسة.

وقد همَّش الرئيس الأسبق محمد مرسي من جماعة الإخوان المسلمون العديد من الجماعات الليبرالية والنشطاء السياسيين، تمكينًا لجماعة الإخوان المسلمون وحلفائها من الجماعات الإسلامية. فبعيد أشهر قلائل من انتخابه رئيسًا، أصدر الرئيس الإسلامي قرارًا دستوريًا مانحًا نفسه صلاحيات واسعة، مما أثار حفيظة الشارع المصري وأدى إلى اندلاعْ احتجاجات بعد عام لتطيح بحكمه.

وذكرت صحيفة الدستور المصرية في تقرير نشرته الشهر الماضي أن هناك نحو 50 نشاطًا ومشروعًا أنجزها الرئيس السيسي خلال فترة حكمه التي دامت نحو ثلاثة أعوام. ومن بين هذه المنجزات تدشين العديد من البرامج لتمكين الشباب وإقامة 145,000 وحدة سكنية لشرائح الدخل المتوسط وإعلان خطط لطرح مناقصات بناء 296 مصنعًا.

يُذكر أن فترة حُكم السيسي شهدتْ زيادة في عدد السيدات اللاتي تحتل مناصب قيادية بالدولة؛ حيث اختيرت سيدتين لشغل منصبيّ وزيرة الاستثمار ووزيرة التخطيط وهما من الوزارات المهمة في الحكومة المصرية، فضلاً عن أنه تم تعيين عدد 26 قاضية في عام 2015.

الأمن والاستقرار

كان التعهد باستعادة الأمن والاستقرار هو ذلك العهدالذي قطعه الرئيس السيسي، 62 عامًا، على نفسه عند توليه الحكم بعد فوز ساحق بنسبة 96.91 بالمئة في سباق الانتخابات الرئاسية في مايو 2014. ولكن بعد مُضي ثلاثة أعوام وهو على رأس الدولة، يشعر العديد من المصريين بأن هذا الوعد لم يتحقق كليًا بعد.

ليس هناك أمان أو استقرار. نحن في أزمة، حقًا أزمة عميقة"، قالت نادية ماهر،  22 عامًا، طالبة في كلية التجارة جامعة المنيا. وكان قد قُتل 29  شخصًا وأُصيب 24 آخرون في هجوم انتحاري في شهر مايو استهدف مجموعة من الأقباط في مدينة المنيا، جنوبيّ القاهرة.

وخلال فترة الثلاثة أعوام من حُكم السيسي، ضربت مصر سلسلة من الانفجارات والهجمات التي استهدفت بشكل رئيسي أقباط ومسئولين في الحكومة المصرية. هذا وقد اندلعتْ أحداث عنف بعد فترة وجيزة من إطاحة الجيش برئاسة السيسي في ذلك الوقت بالرئيس مرسي المنتمي لجماعة الإخوان المسلمون في يوليو  2013 بعد مُضي أربعة أيام من احتجاجات حاشدة ضد حُكم الرئيس الإسلامي.

غير أنه وبالنسبة للبعض، حقَّق السيسي بعض التقدم في مكافحة الإرهاب. "صحيحٌ أنّ نظام السيسي أخفق في استئصال الإرهاب، لكنه نجح في تقييد الهجمات الإرهابية على بعض مناطق وأهداف معينة"، بحسب ما ذكره المحلل زياد عقل.

وأيضًا، فإن المصريين يثقون في نظام السيسي ويُعولون عليه على نحو أفضل مقارنة بثقتهم في نظام سلفه مرسي، ويرغبون في منحه مهلة زمنية فيما كانوا ممتعضين من منح مرسي فُسحة من الزمن".

يُذكر أن العام الوحيد الذي حكمه مرسي شهد أحداث عنف كذلك ضد الأقباط وغيرهم. فبعد مُضي بضعة أشهر من انتخاب مرسي في يونيو 2012، قُتل أربعة مصريين من الشيعة في هجوم هو الأول من نوعه في تاريخ مصر الحديث.

من جانبه، وافق المدرّس محمود يونس، وهو يبلغ من العمر 49 عامًا من محافظة بني سويف الواقعة على دلتا النيل، على أنّ الموقف الأمني في ظل حكم السيسي شهد تحسنًا طفيفًا، مُشيرًا إلى أنّ "مُعظم الهجمات الإرهابية التي تحدث الآن في سيناء (شبه جزيرة تقع بالقرب من الحدود مع إسرائيل)".

ولكن رضا حسين، 43 عامًا،  موظف من الشرقية مدينة أخرى تقع على وادي النيل، قالأنه يريد أن يسأل أولئك الذين يشعرون بمزيد من الأمن والاستقرار تحت حكم السيسي السؤال التالي: "كيف يُمكن للمرء أن يشعر بالأمن والاستقرار في الوقت الذي يكون فيه قلقًا بأنه ربما يتعذر عليه تدبير قوت يومه واحتياجاته الأساسية اليومية من الأطعمة يومًا ما؟"

"لطالما أن الأسعار تواصل ارتفاعها الجنوني، فإنني لا أكاد أرى أي استقرار أو أمان".

سيادة الدولة

كان يُنظر إلى السيسي باعتباره مُنقذ الدولة ومُخلصها عندما وقف بثقة مرتديًا زيهالعسكري معلنًا في تلفزيون الدولة الإطاحة بمرسي، أول رئيس ديمقراطي منتخب. وكان برفقة زعماء السياسة،  ممثلي السلطات الدينية وكبار رجال الجيش في ذلك الوقت.

وقد وعد السيسي حينها بحماية الدولة ضد المؤامرات التي ا تهم مرسيوجماعة الإخوان المسلمون بقيادتها لجعل مصر جزءًا من إمبراطورية إسلامية والتنصل من هويتها الوطنية.

وعلى كلٍ، فإنّ  قرار حكومة السيسيالعام الماضي بالتنازل عن جزيرتين في البحر الأحمر لصالح السعودية أحبط العديد من المصريين، ومنهم أشد حلفاء السيسي ممن لم يتوقعوا أنّ قائد عسكري مخضرم بحجم السيسي التنازل عن جزيرتين تتمتعان بموقعٍ استراتيجي يتحكم في مضيق خليج العقبة.

من جانبه أصدر حزب المصريين الأحرار، أحد أشد الأحزاب مناصرةً للرئيس السيسي والمعارضة بقوة للجماعات الإسلامية، بيانًا شديد اللهجة احتجاجًا على قرار الرئاسة بالتخلي عن جزيرتي تيران وصنافير.

"يؤكد الحزب على أن الاجراءات التى قامت بها السلطة التنفيذية، وبما أثارته من لغط وجدل وغياب واضح للشفافية ومخالفة صريحة لنصوص الدستور، هي التي ولدت الأزمة السياسية الحالية، بكل ما سببته من انقسام مجتمعي وصراع سياسي،  "بحسب ما ورد في البيان.

وبحسب ما ذكر المحلل زياد عقل، فإن قرار السيسي بالتخلي عن الجزيرتين "له عظيم الدور" في التأثير سلبًا على شعبيته لدى القاعدة الجماهيرية.

وقد اعتمد السيسي القرار في يونيو متجاهلاً أمر محكمة بإلغاء هذه الخطوة. وقد تم اتخاذ هذا القرار مبدئيًا العام الماضي أثناء  زيارة خادم الحرمين الشريفين الملك سلمان إلى القاهرة والتي أثمرتْ عن صفقات بقيمة 20 مليار دولار.

وبحسب التعليقات في هذا الشأن، تعجب عمر نجيب البالغ من العمر 32 عامًا ويعمل مصرفي بأحد البنوك في حديثه لزاوية مُستنكرًا: "لا أحد يعلم من يمتلك تيران وصنافير وما من أحد مهتم بأن يخبرنا بذلك. نحن بحاجة إلى شخص يُخبرنا ويشرح لنا الأسباب المنطقية وراء مثل هذا القرار، وإلا فسيفكر كل شخص كما يحلو له وتبقى الحقيقة مجهولة".

وكان إفطار السيسي في الشارع في الـ 14 من يونيو برفقة بعض من ضباط الشرطة مصحوبًا بإفطارٍ آخر مع مجموعة من المواطنين المصريين، وقد تم تداول صور للرئيس مرتديًا زيًا غير رسمي- قميص أزرق فاتح وبنطال أسود- وهو جالس إلى جانب سيدة ترتدي جلباب (عباية) داكن اللون وطرحة سوداء بكثرة على مواقع التواصل الاجتماعي ووسائل الإعلام المحلية.

ويتساءل نجيب مُتعجبًا: "مثل هذه اللقاءات جيدة، ولكن على أية حال يبقى السؤال هل ستحل مشكلاتنا أو تجيب على استفساراتنا؟ لا". وعلى الرغم من تزايد  العروض السياسية في الفترة المقبلة الا أنّ المصريين سيقولون الكلمة الفاصلة في نهاية المطاف.

© Zawya 2017