26 03 2017

تحسين الكفاءة الاقتصادية للمشروعات وتخفيف الأعباء المالية على ميزانية الحكومة.. أبرز الأهداف

على الرغم من أن برامج الخصخصة في القطاعات الحكومية بالمملكة قد بدأت ونفذت منذ فترات زمنية طويلة، إلا أنها تعود من جديد للواجهة كإحدى أهم الاستراتيجيات الاقتصادية الإصلاحية التي تعول عليها الحكومة في تحقيق التنمية المستدامة ورؤية 2030.

ويأتي التوسع في خصخصة الخدمات الحكومية بالإعلان عن تخصيص 16 جهة حكومية في المرحلة الأولى ضمن برنامج التحول الوطني في ظل تحديات ومخاوف اقتصادية، يتفق اقتصاديون على أن استراتيجية الخصخصة ستساهم بفعالية في رفع معدلات النمو الاقتصادي للدولة كما تساهم في تحسين الإنتاجية وتطوير أسس المنافسة المحلية والعالمية متى ما تهيأت لها العوامل الأساسية لضمان نجاحها وتقليص مخاطرها، وهو الدور المطمئن والمأمول من المركز الوطني للتخصيص.

مشاركة القطاعات

وأوضح المتخصص في أسواق المال محمد السويد‬، أن الفترة المقبلة ستشهد مشاركة القطاع العام مع القطاع الخاص في عدة مجالات إحداها ستكون الخصخصة، وهي أحد أشكال تلك المشاركة الفعالة بين القطاعين بشكل مختلف، مضيفاً أنه وبحسب متطلبات كل قطاع لن يكون ببيع الأصول الحكومية للقطاع الخاص بل من خلال عقود متنوعة من أهمها عقود الامتياز والصيانة والإدارة والتشغيل والبناء والتمويل.

وأضاف أن المفهوم الجديد للمشاركة مع القطاع الخاص لا يهدف بالضرورة إلى خفض الإنفاق أو ترشيده، بقدر ما يهدف إلى رفع جودة وتحسين الخدمات حتى وإن كان هناك ارتفاع كبير في كلفة الإنفاق إلى أضعاف متضاعفة، مشيرا إلى أن عدم الفهم الكافي لأشكال مشاركة القطاع الخاص مع القطاع الحكومي كان سببا في كثير من المخاوف والتعليقات السلبية التي تم تداولها الفترة الماضية، مضيفا أن عملية زيادة الوعي بهذا المفهوم مازالت بطئية حتى الان، وأن تأثير تلك التعليقات والانتقادات سيكون سلبياً بحيث يشتت المستثمرين والمواطنين ويترك انطباعاً سيئاً عن طريقة إدارة الأمور المالية بشكل خاطئ.

خطط مدروسة

وتابع قائلا:»سابقا كان هناك لجنة تتلقى الطلبات الحكومية للخصخصة، أما اليوم فإن المركز الوطني للتخصيص يعمل منذ الإعلان عنه بكفاءة عالية وخطط مدروسة، ولن يكون هناك ما يستدعي كل تلك المخاوف من الفشل، كما لن يكون هناك مشاركة للقطاع الخاص ما لم ترى الإدارة الحكومية أن هناك حاجة فعلية من تلك المشاركة المرجوة من القطاع الخاص، وماذا يتوقع أن تكون عوائدها وليس فقط رغبة في تخلص الحكومة من الإنفاق على تلك الخدمات».

وأشار إلى أن تحديد النموذج المناسب لتلك المشاركة يُعد من أهم التحديات القادمة لأن انتهاج الخصخصة لكامل المرافق الحكومية يعرضها للاستحواذ ويصبح هناك تكدس للثروة لدى جهات وأشخاص معينين، شريطة أن تكون على شكل مشاركة وليس خصخصة.

فكرة التخصيص

من جانبه أكد الأكاديمي والمحلل الاقتصادي د. سعود المطير أن فكرة التخصيص ليست حديثة عهد في المملكة، مستدلاً بأمثلة لشركات تم تخصيصها ونجحت في المملكة مثل: سابك، والاتصالات السعودية، موضحاً أنه قبل 15 عاما نُشرت خطة لخصخصة عشرين مشروعا في المملكة، ولكن تباطأت الحكومة بالتنفيذ بسبب ارتفاع أسعار النفط عام 2005 وما تبع ذلك من تراكم الاحتياطي النقدي، لافتاً إلى أن عودة الدولة لبرنامج التخصيص هذه المرة جاءت بعزيمة صادقة على مستوى مجلس الشؤون الاقتصادية والتنمية، وفي إطار إصلاحات اقتصادية شاملة وسريعة.

وبيّن أن الحكومة عندما تتولى إدارة المشروعات تكون تكاليف الإنتاج مرتفعة، مما يؤدي إلى منع التوسع أو زيادة جودة المنتجات وتطويرها، مبيناً أن القطاع الخاص لديه القدرة على ترشيد هذه التكاليف، بالإضافة إلى أن دخول منافسين في هذا القطاع يحث على التنافسية وتحسين جودة الخدمات، مثل شركة الاتصالات السعودية بعد أن تمت خصخصتها ظهرت شركات منافسة لها، وهذا التنافس أدى إلى ظهور العديد من الخدمات الجديدة بأسعار تنافسية.

أهداف الخصخصة

ويرى المطير أن من أهم أهداف الخصخصة تحسين الكفاءة الاقتصادية للمشروعات وتخفيف الأعباء المالية على ميزانية الحكومة، مضيفاً أن من أهم فوائدها الحصول على إيرادات يمكن استخدامها لتسديد الدين العام أو بناء مشروعات تكون الحاجة لها شديدة، مشيراً إلى أنه في حالة تأجير المشروعات الحكومية أو تخصيص جزء منها، وهو المتوقع والأنسب للخصخصة في الاقتصاد السعودي، يكون هناك إيرادات دورية لميزانية الحكومة.

وزاد المطير:»عندما تنجح عملية الخصخصة يتم التوسع في المشروع وتنخفض التكاليف وبالتالي تحقيق أرباح وهذا يزيد من الوعاء الضريبي، إضافة إلى أن الخصخصة لها دور كبير في القضاء على البطالة المقنعة، إذ من المتوقع بعد خصخصة المشروعات أن يكون هناك تقييم للأداء والبقاء للأفضل».

تحسين الجودة

وأشار إلى أنه لا يمكن أن نغفل إيجابيات الخصخصة في تطوير نظام المنافسة وتحسين الجودة للمنتجات السلعية والخدمية، وزيادة عمق سوق الأسهم السعودي وتنوع قطاعاته من خلال طرح الشركات المخصخصة للاكتتاب ومن ثم الإدراج في سوق الأسهم السعودية للتداول كما يكون هناك تعزيز لدور القطاع الخاص وزيادة حجمه وتصغير حجم الحكومة الاقتصادي، مؤكداً أن ذلك يعزز من المنافسة والشفافية.

ولفت إلى أن أبرز مخاوف وسلبيات الخصخصة زيادة معدل البطالة بعد استغناء القطاع الخاص عن العمالة ذات الإنتاجية المنخفضة أو السالبة، ولكن عند نجاح مشروعات الخصخصة ستتوسع في المستقبل وسيزيد معدل التوظيف إضافة على ارتفاع بعض أسعار السلع والخدمات للمنشأة، كون القطاع الخاص يهتم بالأرباح، مشيراً إلى أن من مصلحة الاقتصاد السعودي ان تكون الخصخصة بتدرج لأن الطرح سيكون لمشروعات متعددة تستقطب الكثير من سيولة القطاع الخاص، موضحاً أن تخصيص 16 جهة حكومية في المرحلة الأولى ضمن برنامج التحول الوطني تحتاج إلى سيولة عالية خلال فترة قصيرة بحدود 3 سنوات، وستشمل الخصخصة التعليم والصحة، اللذين يستقطعان ما يقارب نصف موازنتها بالإضافة إلى خصخصة قطاعات عسكرية وشركات مملوكة للدولة، بما في ذلك احتمال خصخصة جزء من شركة أرامكو.

مخاطر الخصخصة

بدوره أكد أستاذ الإدارة الاستراتيجية وتنمية الموارد البشرية بجامعة الملك فهد للبترول والمعادن د. عبدالوهاب القحطاني أن مخاطر الخصخصة تكمن فيما إذا كانت المؤسسات الحكومية في وضع مالي وإداري ضعيف قبل خصخصتها ما يعود على المستثمر سواء كان فردا أو مؤسسة بتكاليف عالية وعائدات ضعيفة ومتدنية أو ربما خسائر تؤدي إلى إفلاسها.

وأشار إلى أن الوضع الإداري والمالي والهيكلي للمؤسسات الحكومية وغير الحكومية لابد أن يكون سليماً وقوياً وأن تعكس تلك القوائم المالية الواقع من غير تدليس أو تضليل، وأيضا يجب أن تكون قيمة الإصدار الإسمية وعلاوة الإصدار منسجمة مع قوة المؤسسة المستهدفة من الخصخصة لأن المبالغة في سعر الاكتتاب يؤثر على أدائها بما في ذلك العائد على رأس المال المستثمر وبالتالي يؤثر في ثقة الأفراد والشركات التي تستثمر فيها وأيضا في الاكتتابات المستقبلية.

العوائد المتوقعة

وأوضح أن العوائد الإيجابية المتوقعة من استراتيجية الخصخصة والتي يأتي في مقدمتها تحسن الإنتاجية والجودة، إضافة إلى تحسن الربحية والأداء بشكل عام بعد الخصخصة وتطور مراكز المؤسسات المخصخصة بين المنافسين في الأسواق المحلية والعالمية كما تحصل الحكومة على السيولة التي تعزز الميزانية والإيرادات، وتنتقل الرقابة على أداء المؤسسات المخصخصة من الحكومة إلى المساهمين، سوف يخفف العبء على الحكومة كما ستعزز المؤسسات المخصخصة عمق وقوة السوق المالية إن كانت في وضع صحي قوي قبل وبعد الخصخصة.

ويرى القحطاني أن التحديات تنحصر في ضعف الهيكل الإداري والجانب المالي، إضافة إلى ضعف مفهوم وتطبيق الحوكمة الفاعلة و المنافسة غير العادلة، والإغراق الأجنبي الذي يهدف إلى إخراج الشركات المحلية من السوق كذلك عدم توفر الأنظمة الاحترازية التي تنظم المنافسة، مؤكداً أن أهم أسباب نجاح الخصخصة يتطلب وجود السعر العادل للطرح، والقوائم المالية الشفافة وقوة أداء المؤسسة قبل تخصيصها ومجلس الإدارة المؤهل والاستراتيجية المنسجمة مع الرسالة والرؤية والأهداف أيضا أن يكون الهيكل التنظيمي المنسجم مع البيئة الخارجية والأهداف والخطط وثقافة المؤسسة.

حالات الخوف

بدوره فسّر الخبير الاقتصادي د.إحسان بو حليقة حالة التوجس والخوف من توجه الحكومة لمشروعات وبرامج الخصخصة بأنها ناتجة من عدم الفهم الدقيق لحيثياتها ولأنها لم تقدم كما يجب، وقال :»يعتقد الكثير أن الخصخصة مصحوبة بتضيق مالي على المستهلكين أو نذير بأن تتخلى الحكومة عن تقديم الكثير الخدمات التي يتلقاها المواطنين مجانا ليحل محلها خدمات تقدم من قبل القطاع الخاص بمقابل نقدي، والعديد من المواطنين قد يتوجسوا من الدفع لتلك الخدمات مقابلا نقديا إذ لا يعلمون كم ستكون تلك التكلفة ومدى تأثيرها على ميزانيتهم».

وزاد قائلا:»لا ننكر بأن القطاع الخاص يعتمد على الربح الوفير ولكن ليس بالضرورة أن تتمثل هذه الحقيقة في مشروعات الخصخصة والسبب أن كيفية إدارة السوق هي التي تمكن القطاع الخاص من تحقيق الربح الوفير إذ كانت المنافسة قليلة ومحدودة، ولهذا من المؤكد أن القطاع الخاص سيحقق ربحا وفيراً، أما إذا كانت العديد من المؤسسات والمنشآت بالقطاع الخاص تتنافس لتقديم نفس الخدمة والسلعة للمستهلك ستكون هناك كفاءة أعلى وتكلفة أقل قد تنافس ما كانت تقدمه الحكومة من حيث التكلفة والجودة».

القدرة التنافسية

وأشار إلى أن إدارة السوق هي التي تجعل الخصخصة تنجح في بلدان وتفشل في بلدان أخرى، إضافة إلى ضبط هذه الأسواق وتعزيز القدرة التنافسية للأسواق إذ لابد من تحقق عدة شروط لعل من أهمها سهولة دخول السوق وسهولة الخروج منه، مشيرا إلى أن قضية الخصخصة ليست هي ما يخاف منه، من حيث المبدأ أو على وجه التنظيم بل يخاف من المخاطرة أن لا تدار تلك الاسواق كفاءة، وأن لا يكون كجزء من تلك الادارة فيه تنافسية عالية ويسمح لكل من يريد أن يدخل و يقدم الخدمة وينافس في منشأت القطاع الخاص ان يدخل.

وقال بوحليقة:»عندما يكون هناك معوقات ادارية او قانونية تمنع من ممارسة المؤسسات أو المنشآت لتقديم السلع والخدمات في اسواق معينة سيكون ذلك بمثابة الحد من المنافسة وبالتالي أن كانت المنافسة قاصره سيكون الباب واسع للاحتكار وسيطرة اثنان او ثلاثة من التجار على الاسواق وفرض الاسعار التي تحقق لهم الربح الوفير ولاسيما وان وصلوا بطريقة أو بأخرى طريقه لاقتسام السوق».

الوضع الإداري والمالي والهيكلي للمؤسسات الحكومية والقطاع الخاص لابد أن يكون سليماً وقوياً

وبيّن أن الخصخصة باتت مطلب ملح و أمر ايجابي بل أنه في بعض القطاعات طال انتظارها، فيما يرى أن لا تمارس الحكومة اي نشاط اقتصادي يستطيع القطاع الخاص ان يمارسه، لان القطاع الخاص اعلى كفاءة و اعلى جوده بشرط ان تكون هناك منافسه لأن غياب المنافسة سيعقبه احتكار، وسيكون هناك تعسف في وضع الاسعار والشح في تقديم الخدمات في حال الاحتكار كل مخاوف المستهلك ستتحقق، مشددا على توفير المنافسة على اكثر من مستوى بحيث يكون هناك توازن في القوى بين المستهلك والبائع والموردين.

القطاع الصحي

من جانبه أوضح د. فهد عرب المتخصص في اقتصاديات الصحة أنه من الصعب قياس أي تأثير إيجابي أو سلبي للخصخصة في القطاع الصحي في الوقت الحاضر، لأسباب عدة أهمها انه لازال العمل في طور الإعداد والاستعداد له وبالتالي فالوقت مبكّر، ولكن اذا نظرنا للاستعدادات فإننا نجد أن المهمة ستستمر لعقود بهذا الشكل اذا بقيت على حالها الذي نعايشه الان.

تتجاوز الخصخصة فكرة البيع إلى عقود الامتياز والصيانة والإدارة والتشغيل والبناء والتمويل

ويرى أن البداية كأساس يجب أن تكون كل الجهود والمحاولات تحت مظلة المجلس الصحي السعودي واجتماع كافة اصحاب المصلحة على نفس الطاولة هو ما يجعل تقدم العمل يتم بمشاركة الجميع وبتوجه لا يختلف فيه عضو عن اخر الا فيما يختص بوظيفته وما يمكن ان يهيء فيها لباقي الشركاء من مساحات تجعلهم جميعا في قارب واحد، عدا ذلك فسيظل التخوف والتردد وعدم الشفافية وبطء التنفيذ سمات المرحلة.

وأشار إلى أنه لازال هناك تفرد في التخطيط وتفرد في التنفيذ، مشيراً إلى أنه مع وجود الأنظمة ولكن يجب اعادة كتابتها ودراسات بحيث تنفذ، مضيفاً أن مشكلة المعلومات لازالت قضية قد لا تدعم ذلك، موضحاً أن كل ما نحتاجه هو ان تكثف المنتديات واللقاءات وتشكل اللجان الوطنية في هذا الخصوص، وتتجاوب القطاعات الكبيرة قبل الصغيرة نحو الرصد والحصر والتكتل وتجدول هذه الاعمال مع القطاع الخاص والخيري، ليكون المثلث حاضرا دون تردد وراغبا دون تخوف وداعما بكل شفافية للبرنامج الطموح.

وتابع قائلا:»حتى نتوقع النتائج لابد أن يكون هناك وضوح وشفافية من كافة أصحاب المصلحة، ولابد ان نعي من تجارب الآخرين السابقين لنا في هذا التحول كيف نجحوا أو فشلوا أو لازالوا يبحثون عن الحلول التي تكفل لهم تقديم أفضل الخدمات الصحية للفرد وتعزيز صحة المجتمع، بأفضل الأساليب».

© صحيفة الرياض 2017