Disclaimer: صورة لساحة المسجد النبوي في المدينة المنورة. Raydignity / Shutterstock.com

هجرة الرسول - صلى الله عليه وسلم - من مكة إلى المدينة، حدثًا فارقًا ليس في تاريخ الإسلام فحسب، بل في تاريخ الإنسانية كلها، فقد ترتب عليها نتائج وآثار عظيمة نعيشها حتى اليوم.

أحدثت الهجرة وقتها تغييرا في شكل العالم، وكانت نواة تكوين الدولة الإسلامية التي تفوقت على أقوى إمبراطوريات العالم، كما أنها قدمت نموذجًا ناجحًا وفريدًا في كل ما يخص العلاقات الدولية، بل والاجتماعية والأخلاقية والدينية.

من أجل تلخيص الدروس المستفادة من هجرة النبي الكريم التي مر عليها 1440 عامًا، يتحدث الدكتور محمد الشحات الجندي، أستاذ علوم الشريعة بجامعة الأزهر وعضو مجمع البحوث الإسلامية بمصر، لـ"سلام" ليوضح الدروس الحياتية المستفادة من الهجرة.

التخطيط والتهيئة

يقول الدكتور محمد الشحات الجندي: إن الهجرة كانت السبب الأول في إنشاء كيان الدولة الإسلامية، ويمكننا أن نستلهم منها العديد من الدروس أبرزها التخطيط والتهيئة.

ويضيف: "كانت الهجرة من مكة إلى المدينة رحلة شاقة، طويلة، ومحفوفة بالمخاطر بكل المقاييس، وكان النبي لديه البصيرة ليدرك اللحظة الحاسمة للرحلة، لذلك خطط للهجرة على كل المستويات، أولها تحديد الهدف بدقة"

ويتابع: "والهدف، هو إنشاء كيان ودولة للمسلمين مقرها المدينة المنورة، تستطيع أن تدير كافة الشؤون الاجتماعية والحياتية، فضلاً عن أمور الدعوة والإسلام الذي يقدم للناس الدين والدنيا معًا".

ويكمل الجندي قائلا: "الرسول -صلى الله عليه وسلم- بدأ التخطيط بتحديد الهدف واختيار الصديق المرافق له طوال الرحلة، وهو أبو بكر الصديق، والذي كان أول من آمن به، وكان معروفا عنه الحكمة والبصيرة".

ويواصل: "كما خطط الرسول لمشاركة النساء والرجال في هذه الرحلة، حتى يبعث رسالة واضحة للدور المهم لكل منهم في الهجرة".

ويستطرد:" فقد استعان الرسول بعلي بن أبي طالب لينام مكانه في الفراش، للتمويه على الكفار الذين يريدون قتل الرسول، حتى يظنوا أنه نائم في فراشه، وهذا التكتيك الخادع للعدو هدفه تحقيق المهمة بنجاح".

ويقول: "كما كان لأسماء بنت أبي بكر دورًا مهمًا في الهجرة، حيث كانت تحمل الطعام والشراب للرسول ورفيقه في الهجرة، وتخبئه تحت ملابسها، وتحضره لهما، لذلك سميت بـ"ذات النطاقين".

ويتابع: "كان لعبد الله بن أبي بكر أيضًا دورًا مهمًا، حيث كان مسؤولاً عن تقصى الأخبار في مكة بعدما تكتشف قريش هجرة الرسول، وينقلها للرسول وصاحبه، ويخبرهما أولاً بأول بما تنوي قريش فعله حتى يأخذا حذرهما".

وبذلك قدم الرسول درسًا محترفًا في التخطيط لكافة أمور الرحلة، حتي يحقق الهدف منها بنجاح.

الاستعانة بالكفاءات والخبرة

يؤكد د.الجندي أن هناك رسالة أخرى أكدت عليها الهجرة، وهي الاستعانة بالكفاءات والخبرة بغض النظر عن المعتقدات.

ويشير إلى أن الرسول وصديقه استعانا في الهجرة بـ"عبد الله بن أريقط" كدليل لهما في الصحراء، على الرغم من أنه كان مشركًا بالله، لكنه على دراية كبيرة بصحراء شبه الجزيرة العربية، ويستطيع أن يوصلهما إلى المدينة من طريق مختلف عن المعتاد بالنسبة لقريش، وكان جزءاً من تحقيق الهدف.

التضحية والفداء

يؤكد د.الجندي، أن الرسول - صلى الله عليه وسلم- أيقن أنه لكي يبني أمة قوية ودولة إسلامية لها مكانة عظيمة في العالم، لابد أن يكون هذا الشعب مؤمن بالعمل وبالهدف في بناء الدولة.

ويوضح أن الصحابة بالفعل أثبتوا أنهم قادرون على التضحية بأي شيء، حتى بأموالهم وديارهم، وجردوا أنفسهم من كل ما يمتلكون؛ حتى يهاجروا مع الرسول.

كما خاطر الصحابة بحياتهم وتركوا كل ما يملكون ووضعوا أرواحهم على أكفهم، إيمانًا منهم بالهدف الذي وضعه الرسول قبل الهجرة.

الثقة في النصر

يوضح أستاذ الشريعة أن من الدروس الرائعة المستفادة من هجرة الرسول -صلى الله عليه وسلم- هي الثقة في النصر، طالما أديت ما عليك فعله، تأكد أن الله لن يضيع جهدك، ولو كانت النية صادقة مخلصة لله، فسوف يكلل جهدك بالنصر وتحقيق الهدف.

هكذا فعل الصحابة الذين تركوا موطنهم وحياتهم ورحلوا إلى مكان آخر، ثقةً في الله ورسوله، وفعلوا كل ما بوسعهم لنصرة الإسلام وتكوين دولة إسلامية قوية.

الإيثار

يقول د.الجندي: "بالطبع رحلة الهجرة أظهرت جانبًا رائعًا في نفوس المهاجرين والأنصار، والقصة الشهيرة حول تقاسم كل أنصاري بيته وأمواله وتجارته مع مهاجر من مكة، ليقدموا جميعًا درسًا مثاليًا في الأخلاق والإيثار وحب الغير".

ولذلك نزلت الآية الكريمة: "وَالَّذِينَ تَبَوَّءُوا الدَّارَ وَالْإِيمَانَ مِن قَبْلِهِمْ يُحِبُّونَ مَنْ هَاجَرَ إِلَيْهِمْ وَلَا يَجِدُونَ فِي صُدُورِهِمْ حَاجَةً مِّمَّا أُوتُوا وَيُؤْثِرُونَ عَلَى? أَنفُسِهِمْ وَلَوْ كَانَ بِهِمْ خَصَاصَةٌ  وَمَن يُوقَ شُحَّ نَفْسِهِ فَأُولَ?ئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ". سورة الحشر.

العمل الجاد

يؤكد د.الجندي أن العمل الجاد من أهم الدروس المستفادة من الهجرة، لأنه لولا نية الرسول الصادقة وعمل الصحابة الجاد، من أجل بناء دولة الإسلام، واتباع الصحابة للرسول لما كان هناك دولة إسلامية علّمت العالم بأسره كيف يكون العمل الجاد والبناء والتضحية، وتحقيق الميثاق والعهد.