19 09 2017

تعجز الشركات الناشئة عن العمل بكامل طاقتها إذا افتقرت إلى التمويل الكافي. ما يعني أن أهدافها لن تتحقق على النحو المطلوب. وهذا الواقع عام في جميع أنحاء العالم وليس فقط في الشرق الأوسط وشمال أفريقيا. فجميع الأعمال التجارية تمر بمراحل مختلفة من النمو تتطلب كلّ منها الحصول على رأس المال الضروري.

وقد يكون الحصول على التمويل من رأس المال المغامر (VC) هو الأفضل بالنسبة للشركات الناشئة التي تقدم منتجات تقع تحت حقوق الملكية. فحسب تقرير صادر عام 2014 عن اتحاد حقوق الملكية الخاصة في منطقة الشرق الأوسط وشمال إفريقيا (MENAPEA)، والذي يكشف نتائج المسح الأحدث في هذا المجال، اكتسب تمويل رأس المال المغامر زخماً كبيراً في المنطقة خلال السنوات الأخيرة.

أظهر التقرير أن عدد صفقات رأس المال المغامر المنجزة في المنطقة بلغ 139 صفقة بين عامي 2011 و2013، مقابل 77 صفقة فقط بين عامي 2008 و2010. وأشار أيضاً إلى أن شركات تكنولوجيا المعلومات الناشئة لا تزل هي المفضلة لدى مستثمري رأس المال المغامر، إذ استحوذت على 49% من صفقاته خلال الفترة الممتدة بين عامي 2011 و2013، الأمر الذي شكل زيادة كبيرة عن حصتها السابقة التي بلغت نسبتها 38%.

تحدي الحصول على التمويل

أفاد هنري عسيلي، الشريك المؤسس لشركة 'ليب فينتشرز' في بيروت، أن الحصول على تمويل رأس المال المغامر ما زال تحدياً كبيراً في ظل المنافسة المحتدمة. كما أن جذب اهتمام هؤلاء المستثمرين بخطة عمل ناجحة يتطلب الكثير من العمل التحضيري من قبل رواد الأعمال.

حيث أوضح السيد عسيلي: "هناك شركات لا ينبغي عليها السعي للحصول على رأس المال المغامر، مثل الشركات التي لا يتوقع أن تصل إلى مرحلة النمو المفرط، أو أن تنفق الكثير من الموارد قبل عمليات البيع أو التوسع. وبينما يمكن لبعض الشركات أن تحقق نمواً غير مجدٍ، يمكن لشركات أخرى أن تبقى صغيرة ومربحة للغاية".

وأشار عسيلي إلى أن استيعاب رائد الأعمال لجوانب مشروعه بشكل شامل، من حيث الإمكانيات ونوعية الاستثمار الذي يحتاجه، يعدّ أمراً أساسياً قبل التعامل مع مستثمرين معينين للحصول على رأس المال.

فمثلاً، توجه 'ليب فينتشرز' جهودها الاستثمارية نحو الشركات التي تمرّ بمرحلة النمو، وقد أطلقت رسمياً صندوق استثمار بقيمة 71 مليون دولار أمريكي في مارس 2015، مخصصة لمعاملات التمويل في السلسلة "ب" في مجموعة من الشركات الناشئة اللبنانية العاملة في القطاعات الرقمية وتكنولوجيا المعلومات.

وأردف عسيلي: "هذا التمويل مخصّص للشركات التي تحتاج مبالغ تتراوح قيمتها بين 3 إلى 7 مليون دولار أمريكي، غير أننا قد نمنح تمويلاً يصل إلى 10 مليون دولار. ويمكن أيضاً أن تصل الصفقة ذاتها مع المستثمرين الضامنين إذا لزم الأمر حتى 15 مليون دولار أمريكي. ونحن نتحدث هنا عن أعمال كبيرة مثل الشركات التي تحتاج إلى نمو سريع وتوسع على الصعيد الدولي".

من جهةٍ أخرى تحرص شركات أخرى ناشطة في رِأس المال المغامر، مثل 'أرزان فينتشر كابيتال' الكويتية،  على تمويل الشركات الصغيرة والمتوسطة العاملة في مجال التكنولوجيا والإبداع في مرحلة مبكرة من نشوئها.

وتعليقاً على هذه النقطة، يؤكد حسن جاسم زينل، وهو شريك في 'أرزان فينتشر كابيتال'، أنهم يقدمون تمويل مبدئي يصل إلى 5 مليون دولار أمريكي إلى الشركات الصغيرة والمتوسطة من السلسلة "أ" وما بعدها، داخل منطقة الشرق الأوسط وخارجها.

وأوضح قائلاً: "قررنا أن نستثمر في الشركات الناشئة الفريدة من نوعها في مراحلها الأولى، أي من البدايات المبكرة لمنظمات ريادة الأعمال على الصعيد الإقليمي. إلا أننا نواصل الاستثمار مع تلك الشركات في مراحلها التالية".

جذب أصحاب رأس المال المغامر

يشكل الحصول على رأس المال المغامر تحدياً كبيراً في بيئة أعمال تنافسية للغاية. وفي هذا الصدد يقدم كل من زينل وعسيلي وجهة نظره حول ما يبحثان عنه كمستثمرين في شركة ناشئة.

المرحلة المبكرة:

يقول زينل أن 'أرزان فينتشر كابيتال' لديها عملية تقييم مدروسة تأخذ بالحسبان إمكانية نمو الشركة المعنية، والملف التعريفي لفريق عملها، قبل المضي قدماً في إجراء العناية الواجبة الشاملة وأبحاث السوق.

ويشرح قائلاً: "أهم ما نبحث عنه هو الفريق القوي وقدرة الشركة على النمو على الصعيدين الإقليمي والدولي، والعوائق الكبيرة أمام دخول السوق وامتلاك نموذج أعمال فريد. كما ينبغي أن يكون الفريق على دراية تامة بالمشكلة التي يحاول حلها".

يضيف زينل: لا يزال تمويل السلسلة "أ"، أي تمويل المراحل المبكرة، في مهده في منطقة الشرق الأوسط وشمال أفريقيا، ولا يجتذب سوى القليل من شركات رأس المال المغامر المؤسسية التي يمكنها جمع تمويل بملايين الدولارات. ففي هذه السلسلة تكون الشركات الناشئة قد حققت بعض التقدم وتتطلع إلى التوسع في سوقها الخاصة أو تجربة أسواق جديدة.

لكن هذا الاتجاه آخذ في التغير طرداً مع تطور بيئة عمل الشركات الناشئة.

ويختتم زينل حديثه بالقول: "نحن نقيم شراكات ونستثمر بشكل متضامن مع شركات رأس المال المغامر الأخرى لمساعدة الشركات الناشئة على جمع المزيد من الأموال بوتيرة أسرع. لكننا نعتقد أن تغيّر العقلية السائدة في هذا المجال سيستغرق بعض الوقت، لكنها ستتغير عندما تُظهِر التجارب السابقة في المنطقة عائداً إيجابياً من هذه الاستثمارات في السلسلة أ".

مرحلة النمو:

يعتقد عسيلي في 'ليب فينتشرز' أن حصول شركة ناشئة على تمويل نموّ يتطلب أن تثبت أولاً أنها حققت نجاحاً، إما من حيث العائدات (نحو 2 مليون دولار أمريكي)، أو من حيث قاعدة العملاء (أكثر من مليون مستخدم)، وأنها تحتاج فعلاً إلى النمو بشكل سريع للغاية.وقال عسيلي: "نبحث عن الشركات التي تحتاج إلى أن ترفع من عدد موظفيها من 10-15 موظف إلى 300 موظف في أسرع وقت ممكن على سبيل المثال. ونحن بحاجة للعثور على سوق كبيرة للغاية لنبدأ بها، على أن تكون قيمة الشركة كبيرة جداً في نهاية المطاف".

ويجب أن تكون الفرق المؤسسة للشركات الناشئة أو الأشخاص الذين يشكلون الإدارة أقوياء للغاية.

ويستطرد عسيلي: "نحن نستثمر في المرحلة التي تكون الفكرة قد أثبتت فاعليتها ولم تعد موضع نقاش. فما يعنينا وقتها هو الحجم المحتمل للسوق، ورواد الأعمال أنفسهم. أولئك الأشخاص الذين بإمكانهم الإقدام على المخاطر والعمل بضراوة، ويمكنهم النهوض من الفشل سريعاً".

كما يوضح عسيلي: "تتطلع 'ليب فنتشرز' في الوقت الحالي إلى إنشاء نسخة مماثلة من الصندوق اللبناني بهدف التصدي للفجوة التمويلية في منطقة الشرق الأوسط وشمال أفريقيا ككل. فعلى الرغم من أن التفاصيل لا تزال قيد المراجعة، إلا أن تركيز صندوق الشرق الأوسط وشمال إفريقيا سينصب على تمويل النمو من السلسلة "ب"، مع الاهتمام تحديداً بالشركات في منطقة دول مجلس التعاون الخليجي".

وتعكس هذه الخطة التفاؤل العام لدى شركات رأس المال المغامر بشأن سوق الشركات الناشئة الإقليمية العاملة في مجال التكنولوجيا. حيث يؤكد عسيلي: "نعتقد أن آفاق النجاح كبيرة، ونسعى إلى أن تتمكن الشركات من مضاعفة أرباحها، وأن يكون رواد الأعمال مفعمين بالحماس".

وأخيراً يأمل عسيلي أن يأتي اليوم الذي تتمكن فيه شركته من النهوض بشركة عملاقة، تتجاوز قيمتها مليار دولار أمريكي، ويعتقد بأنه هدف ليس بعيد المنال.


© Accelerate SME 2017